الخميس، 22 أكتوبر 2020


بلقنة العراق

هل يتكرّر التاريخ؟ الجواب هو لا، هذا مستبعد تماماً، وليس هو الجواب الآخر الذي قدّمه ماركس عن المأساة التي تعاد بصورة مهزلة، ومهزلة لان الاغبياء دائما يكررون الاخطاء التي يخشاها و لا يكررها حتى الحمير وقد كان السؤال عما يحدث عندنا، وعما يحدث في الحروب التي مررنا بها وما رافق معظم الناس الذين حيّرتهم اسبابها. منهم من يقول إن ما حدث في الموصل وتكريت والرمادي لم يحدث طول التاريخ البشري في أي مكان من العالم، وهو قول يرغب في التعميم كي يبيّن أن التفاصيل التي حدثت خلال الحرب الاهليه التي دامت أكثر من خمس سنوات وما زالت جمرتها تحت الرماد، لا مثيل لها في أي مكان أو أي زمان على هذه الأرض. وعلى الرغم من أنه يتضمّن تعالياً معرفياً شبه مطلق غير أنه يعكس الرغبة في إظهار الفظاعة الاستثنائية التي احتواها مشهد مثل سبايكر من قتل سبرنتيكي على ضفة النهر او البشر الممدد ويفرغ فيه الرصاص بلذة وتعطش للدماء وما عكسته الميليشيات من رد فعل وصل حد شواء الاحياء.
لكن التفاصيل قد تعاد وتتكرّرمرة اخرى وما حدث بالفرحانية دليل على ذلك ، ففي الحياة البشرية يسود التنوّع واختلاف العادات والتقاليد حد اكل البشر كثقافة مجتمعية ، ولكن ضمن تلك التفاصيل يرقد الشيطان الذي يكرّر أفعال يمليها على بعض البشر بشكل مرعب أحياناً إمعاناً في تحدّي عرفهم الثابت عن استحالة التكرار او ما يسمى حفظ النوع والنواهي الغريزية . اليوم الذعر والفوضى يعمّان البلد .. وراح السوقة وقطاع الطرق يعتدون على المواطنين الآمنين، فيساهمون بقسط وافر في زيادة الفوضى والاضطرابات في طول البلاد وعرضها". هذا نص مطابق يعيد إنتاج اللحظة الراهنة بلا رتوش، ودون تزوير، فيما يكشف للقارئ أن لحظات الحروب تتشابه كي ترشح بعض التفاصيل في التاريخ للتكرار.ما يحدث اليوم في العراق شبيه بما حدث في يوغوسلافيا بعد وفاة تيتو حيث عند نهاية الدكتاتورية ينفرط عقد المجتمعات المختلفة قوميا وطائفيا وامريكا تعلم جيدا ان العراق كان موحدا بدموية صدام وممارساته القمعية التي لا ترحم اقرب المقربين اليه للحفاظ على سلطته ووحدة البلد وكان لا يختلف عن اي نظام سياسي قوي بالعالم ديكتاتوري ام ديمقراطي اشتراكي ام ليبرالي....كما ان امريكا تعرف جيدا ان المجتمعات التي فرضت عليها ديكتاتوريات وحروب وحصار وجوع ومذابح طائفية وقومية لاكثر من ستة عقود لايمكن ان تخضع لقانون متسامح وديمقراطية نيابية وحرية من تواصل اجتماعي وغيرها من اشياء عليها رقابة من اغلب البلدان الديمقراطية فكيف الحال ببلد انهكته الحروب والحصار والجوع والجهل والتخلف والطائفية لذا لا بديل للعراق سوى الطائفية والقومية العلمانية مثل سويسرة وانكلترا والا التقسيم قادم لا محالة مهما طال الزمن لان افرازات الديكتاتورية ليست اكثر من قيئها الذي يحكم اليوم ...

الخميس، 26 يناير 2017

السبت، 30 يوليو 2016

اخيرا بعد  سنوات استبيح  فيها كل شيء   اشرفت  الحرب    على نهايتها ......في الخنادق  وعند سماع جنود الطرفين بالخبر السار  اشتعلت سماء الجبهة برصاصات الفرح ثم ساد هدوء فقد منذ سنين ....تم وقف اطلاق النار و  صمتت المدافع فجاة مثلما صرخت قبل ثمان سنوات  فجاة ومع صمتها تنفس الجميع الصعداء  وعمت الفرحة في بغداد والمحافظات  ورقصت اجمل العذارى والسيدات على موائد كبار الضباط ومنهم  حاكم العراق الذي خلى له   الجو  وانتشى  بفرحة النصر  وهو لا يكاد يصدق انه فلت من المازق الذي حشر نفسه فيه و مثله  قد  يمهد لاساءة مستقبلية لانه فلت و لم يدفع ثمن الحماقة التي اقدم عليها بعد ان ورطوه  بل دفع الثمن   اكثر من مليون ما بين قتل وتشريد   لشعب مغلوب على امره تعلم على مدى التاريخ ان  يرقص وهو يعطي السكين لذباحه اما الاخر جرع   السم ولم يتعض بنصيحة الاخرين وكان عليه ان يبادر  الى وقف اطلاق النار منذ زمن  حين كان جيشه يحتل الفاو  مع عشرات الالاف  الكيلومترات من الاراضي  الحدودية  التي تمتد من الشمال  وحتى الخليج  و  بدل ذلك  اضطر مجبرا على  وقف اطلاق النار وخوض مفاوضات  مع شخص لا يطيقه كان كابوسا مرعبا وامرا هو اخر ما يفكر فيه  وجنح للسلم مجبرا لا بطل  ووقف عاجزا امام   صواريخ الارض ارض بعيدة المدى  وهي تنهال  على طهران بالمئات وهي تثقبها كجبنة سويسرية ولاذ معظم سكانها بالفرار الى الجبال حاملين ما خف متاعه ولاذ هو بالصمت ودفع حياته حنقا والما لما كان يحدث ..... و قد تناهى الى اسماعه  قتل بعد ان سبي العوائل   علماء ووجهاء  الشيعة بيد الرفاق من حثالة الشيعة ......  بعد ثمان سنوات  تم اطلاق سراح ما تبقى  من العسكرية الالزامية وخدمة الاحتياط و اكثرهم من  جيل الخمسينات المنحوس  بعد ان ابتلعت  رمال النجف والحدود الشرقية  نصفهم  ومن تبقى خرج اما في الاسر ياكل الخبز اليابس العفن وحساء الجت بانتظار العودة الى الوطن  و الاخر لارغبة لديه في الحياة مع خشية من الموت تنتابه كوابيس القصف المدفعي الذي لا يتوقف وكان فاضل احدهم كتب له النجاة وعاد كما عاد  اوذيسوس من حرب طروادة  ولكن  دون ان تكون هناك امراة جميلة تعيد الغزل كل ليلة  بانتظاره و صبي يراقب الشاطيء عسى ان يلمح في الافق سفينة والده  ومملكة   يصول  ويجول  فيها..... عاد مثلما رحل لا يملك سوى ما عليه من ثياب عاد وجيوبه فيها بعض القطع المعدنية من نقود تفقد قيمتها مع مرور الايام  .....مات ابوه اثر ازمة قلبية بعد اجهاد وتمارين رياضية   عسكرية في صباح كانوني قارس البرودة  وفي ارض قفر  وهو رجل في الخمسين من عمره  وقد سيق عنوة  للجيش الشعبي في معسكر النهروان  وحامت الشبهات  حول اخيه بعد ان فقد في معركة شرق البصرة وسمع بعد ذلك صوته في المذياع  مع الاسرى وهو يلعن صدام ونظامه والقادسية  ويمجد الخميني والثورة الاسلامية غير ان ما شفع له استشهاد النقيب عماد زوج اخته فائقة الجمال  في مهران مباشرة بعد احتلال الفاو من قبل ايران  و بعد ذلك قلدت  ابنتها الصغيرة ذات العامين عدد من انواط الشجاعة علقت على صدرها الصغير    ثم بعد مرور عامين تزوجت اخته للمرة الثانية  من احد الرفاق المتنفذين لتصبح الزوجة الثانية وقد هيات للزوج بيت حديث البناء  مثل بقرة السفاد تنتظر في زريبتها  الثور لاداء مهمته الذكورية  ثم تهبه رصيدا  في البنك مع راتب ضابط شهيد تخلصت منه  كانت لا تطيق اهله و كان يضيق عليها الخناق ويضربها وانتقلت الى السيدية تاركة  امها والبيت في النعيرية بعد خصام ومشادة كلامية لاعتراض الام على تلك الزيجة من هذا المحتال 
بالكاد تم تاشير دفتر الخدمة وسط زحمة لا تطاق  حيث تجمع اقرانه للغرض نفسه    في  ظهيرة قائضة من شهر ايلول خرج من دائرة التجنيد  وانتابه شعور بان اغلاله تركها وراءه  للتو  في تلك الدائرة اللعينة التي كان يطلق عليها بوابة القبور  سار وهو لا يصدق انه اصبح حرا يتلفت الى الوراء يكاد يطير فرحا ولكن ثقل احزان الماضي القريب  نواقيس لذاكرة  بدات تتحرك جيئة وذهابا  لتدق من بعيد  ويتصاعد صوتها مع مرور الوقت جعلته يعيد التفكير في حساباته العاطفية ويلغي موجة السرور التي غمرته منذ  لحظات  .....  اوشك المساء ان يحل وقطعان الوطاويط  تخرج من مخابئها تتفرق في صفحة السماء  تفرد اجنحتها  تلعب في فضاء مغبر  تنقض بجسارة على  رؤوس المارة  تخيفهم  ثم تنحرف بشكل حاد  انتشر   غبار سببته اقدام عارية لاطفال تتقافز وتركض وهم  يلعبو كرة القدم  بالرغم من العتمة التي بدات تسود استرعى انتباهه  وهو يدخل الزقاق ذلك الدار العالي القديم  المهجور ذو الطابقين  بنوافذه المغلقة الشاخص  الى يساره ...... مرت  ثمان سنوات و ما زال يتذكر من سكنها  لم تبقي شيء في قلبه ليعشق غيرها من النساء استنزفت كل عواطفه ورحلت دون ان تودعه انها الحياة بشفاه مورقة وانفاس معطرة نهود ناعمة  بشكل وعطر الشمام  كان اخر لقاء  جمهعما  عند مقعد حشبي تحت ظلال عريشة كرم قرب تمثال ابي نؤاس عند ضفاف دجلة ضمها اليه استسلمت لبأس ذراعيه قبلها التصقت به  سرت حرارةو لهيب خديها  في وجهه البارد سالت وقد ارتسمنت ابتسامة طفولية على وجهها الاسمر الجميل
- كم واحدة قبلي
نظر اليها وما زال مخمورا برضابها
- ماذا لماذا هذا السؤال
-انتم الرجال تتباهون بعدد النساءالتي في جيوبكم واذا لم يخونني الظن انت من هواة جمع النساء
- بل انا من هواة جمع الروايات العالمية  والطوابع النادرة والمجلات المصورة
- بس
- الا تصدقين
- وهل تريدني ان اصدق
- اقسم لك
 - بمن تقسم
-  بما تبقى من عمري يا كل عمري
- هذه الكلمات كبيرة علي وانا  المضطهدة يتيمة الام والاب في بيت يسيطر عليه ثلاثة ذكور واختان وانا الصغرى تصور كم تحايلت عليهم لكي التقيك عند عودتي علي ان اتلقى  التانيب والاستجواب وربما الضرب اذا ما شك احدهم باني كنت اكذب عليهم ولا احد يدافع عني 
 
كان تحت وجهها الخمري الصافي وما وراء العينين الحور العسليتين هموم بلون الغسق في غروب اذاري تكدست غيومه  خلف بساتين الجانب الاخر من النهر عند المنطقة المحظورة تلك الهموم كانت  ايذانا بقدوم ايام اشد ايلاما تمر على الانسان في كل زمان وكل مكان على مدى التاريخ..... تركها دون ان يودعها  وفي اليوم التالي صعقته  الاحداث السريعة  المتعاقبة وكانها مزنه لمطر اذاري  هطلت فجاة  بقوة وبغير ميعاد لم تترك له فسحة للوداع   بدات الكارثة  بالطائرات التي اخترقت  فجاة وعلى غير عادتها اخترقت  الاجواء لائذة بالفرار بعد ارتكابها حماقة كانت  قادمة من الشرق  عابرة الحدود التي لا تبعد عن بغداد الجديدة اكثر من ستين كم   ثم علا صوت المذياع يتلو البيان رقم واحد حول ضرب المطارات في المدن الايرانية وبعدها بيانات متعاقبة عن انتصارات القادسية واندفاع القوات المسلحة نحو العمق الايراني  مع اناشيد جديدة بدات بالظهور من جوقة مهيأة ومستعدة لتزعق بجنون  .......  في اليوم التالي اسودت الدنيا في عينيه عندما سمع البيان الصادر من مديرية التعبئة والاحصاء ولم تمض على البيان سوى ايام ومن مديرية الامور الطبية الى البصرة ومن هناك الى   ل33  قوات خاصة  ليجد نفسه يركض حاملا نقالة الجرحى في شوارع المحمرة خلف من كانو يركضون وامامهم بنادقهم بوجوه غاضبة ليواجهو اعداءهم الذين لا يعرفونهم لا احد نادم على ما يفعل نوبة من الجنون المخفي  منذ ملايين السنين يتقدمون وسط القذائف ورصاص الكلاشتكوف في مكان يضج بالعويل ويمتلىء بالقذارة عاصفة من رصاص تجتاح الذي امامي  يتعثر يسقط يصرخ يتلوى يشهق ويزفر بقوة يختنق بحشرجة الموت يندفع الدم في عروقه يختنق الصوت في حنجرته يسحب المصاب يلتصق بالجدار ينتظر من يعينه في حمله اخيرا وجد من يشاركه في ذلك و تم اخلاء المصاب...... مضت الايام ثم الاسابيع و بعدها الاشهر  وفي  مساء من امسية شباط الباردة  وعند مقر اللواء في  الضفة الاخرى من النهر  في السيبة ووسط  العتمة المخيفة لبساتين النخيل بالقرب من قصر الامير  جلس مع رفاقه في بيت مهجور عند ركن قصي  بعيدا عنهم  تضجره احاديثهم جلس كحيوان ساخط لا يستمع اليهم  يراقب اشارات ايديهم تتحرك  ظلالها على الجدار  تعكسها النار المتقدة وسط الغرفة  انسل من بينهم دون ان يشعرو بوجوده اصلا تاركا  المكان  المليئ  بالثقوب والذي نالت القذائف  من جدرانه وسقفه ونهبت محتوياته من قبل الجنود واشعلت النيران في اخشابه  وايقن ان الحرب تنال من البيوت كما تنال من الانسان  انها وصفة لخداع الجهلة يدفعو  فيها حياتهم ثمنا لحماقات  تثير السخرية وخداع يمارسه الكهنة  يوقظو فيه الوحوشية الكامنة في البشر لقتل انسانيتهم  وحثهم على السير  في جنازة مع اقامة مراسيم   دفنها  . قضى سحابة النهار متجولا بين المواقع المنتشرة على امتداد ضفة النهر وفي يده صندوق مليء بالشرائح الزجاجية لعمل مسحات الدم للتقصي عن الملاريا  كان اليوم دافئا و الشمس مشرقة تتوسط سماء صافية  تتسلل اشعتها عبر سعف البرحي. وشط العرب ينساب هادئا جنوبا الى الخليج ساد الهدوء بشكل غريب وعند الضفة الاخرى وبين انقاض مصفى عبادان اختبأ القناصون مصوبين بنادقهم عبر النهر ويدهم على الزناد علهم يحظو بغنيمة عند الضفة الاخرى وعند تجواله شاهد بقرة تتجول مع صغيرها  وعندما اراد الاقتراب منها اوقفته صيحة جندي خلفه وحذره بان اغلب الابقار التي تركها المزارعون ونزحو اصبحت متوحشة بريه تهاجم من يقترب منها وتنتشر على امتداد ستون  كيلومتر من راس البيشة وحتى جنوب ابو الخصيب  وما زاد جنونها القصف المتواصل واذا ما اصيبت واحدة منها  تكفل الجنود بذبحها وشواء لحمها والباقي تتكفل به الكلاب الجائعة على الدوام   .....سار على مهل وسط ظلمة حالكة  وعلى بعد امتار و في ملجأ   تحت الارض اهيل على سقفه المدعوم بقضبان من السكك الحديدية و جذوع النخيل اطنان من التراب .  ازاح  الاغطية الصوفية العسكرية المفروشة على صنادق العتاد الفارغة وعند زاوية احد الصناديق  امسك بالحربة وحشرها بين قطعتين خشبيتين و بقوة قلع المسامير ثم مد يده الى داخل الصندوق وامسك  بقنينة جن وسكب ربعها في ترمس سعة لتر وعصر اربع حبات من الليمون والبرتقال  وفتح علبة لحم لانشون وفتح الراديو يستمع الى ام كلثوم باغنية الاطلال وعند مقطع اعطني حريتي اطلق يداي انني اعطيت ما ابقيت شيئا شعر بدبيب الجن يدب في مسامه وانتشى بدموع تنسكب من عينيه والقذائف تتساقط الواحدة تلو الاخرى بشكل لم يالفه من قبل غير ان بعض العزاء   انه شرب ما يكفي من الجن والجن كحول عظيم يجعل من المرء ينسى كل شيء تمدد على سرير الصناديق وسادته حقيبته الحمراء التي غطاها بقطعة من القماش استلقى على ظهره وصوت الانفجارات يبتعد تارة ويقترب تارة  حتى الغبار بدا يتساقط مرة اخرى  من شقوق السقف  انتابه قلق غريب   افتقد هذا اليوم فارق شريكه  عند الفجر ليتمتع باجازته  الدورية  وسيمضي اسبوع على هذا الحال انطفات الشمعة بفعل التراب الساقط من السقف ساد الظلام لم يعد يرى شيئا ثم ومضت الغرفة بفعل انفجار هائل ارتج له المكان وعاد ليوقد الشمعة مرة اخرى ابتسم وعينه تراقب السقف والجدران  وردد مع نفسه وبصوت مسموع انه قبر فخم شبيه بقبر فرعوني  كل ما يحتاج اليه هو  قذيفة  واحدة تسقط على هذا السقف اللعين قذيفة كفيلة  بدفني لا تخلص من  صدام وخميني  قذيفة واحدة لا اطلب سوى قذيفة واحدة جسدي اهبه لقذيفة  تسقط على هذا السقف اللعين على هذا السقف العاهر وبينما هو على هذه الحال اندفع الى داخل الملجأ شيء جمد الدم في عروقه وطار ما تبقى من خمر في راسه وامتدت يده مرتجفة تبحث عن البندقية التي هي الى جانبه  وتمكن من العثور على المصباح   غير انه  سقط من السرير لا يدري اين اختفت البندقية  وسلط الضوء اتجاه الفتحة   ليرى ما الذي اندفع الى داخل الملجا لينال منه ومضىت ثوان ولم يحدث شيء  وشخص بصره الى الكائن الذي حل عليه ضيفا مرعبا وظهر انها كلبة وقفت امامه ترتجف وذيلها بين ساقيها وعيونها تتوسل بان لا يطردها عندها تنفس الصعداء وجلس يطرد ذعره وبدا يتمالك نفسه تدريجيا وعاد الى هدوءه وساد جو من الالفة و الاطمئنان بين الطرفين مرة واحدة  وسط الصوت المرعب للانفجارات المتوالية دون انقطاع   عاد ليشعل الشمعة واطفأ المصباح خوفا من نفاذ البطارية  ورمى لها ما تبقى من لحم في العلبة  وبسرعة شفطت ما رمي اليها وابتلعته ثم رمى لها قطعة من الخبز بدات بشمها  تركتها بانتظار علبة لانشون اخرى ولما يئست عادت تقضم الخبزة بتمهل وهدوء عند الرابعة صباحا توقف القصف المدفعي مباشرة  بعد هطول امطار غزيرة منذ نصف ساعة مضت  وساد هدوء غريب سوى من انتظام صوت قطرات المطروتسللت رائحة العشب وتراب الارض زكية عطرة  تبعث الخدر ..... اما فاضل فلم تعد اجفانه تسمح له بالاستيقاظ  تمدد الى جانبه ووجهه الى الجدار والتفت  الى الكلبة الجالسة عند الباب قائلا
- اعتقد انك لا تحتسين الخمر و لا تدخنين  لاباس بامكانك المبيت  انت و براغيثك لليلة واحدة و تصبحين على خير
 ادار وجهه نحو الجدار تاركا اياها ترمقه برجاء وخوف ومع ازيز القذائف والانفجارات المتوالية اغمض عينيه غير ابه بما ستؤول اليه الاحداث
انقطعت سلسلة افكاره وهو يقف امام البيت سار مسافة نصف ساعة دون ان يعرف كيف قادته قدماه الى باب الدار دفعها كعادته ومن الممر الى المطبخ ثم السلم الى يمينه وغرفته الصغيرة التي تطل على الحديقة الصغيرة التي يفصلها عن الشارع سياج نامت عليه نبتة الشبوي الليلي  اثناء صعوده السلم تناهى الى سمعه والدته تنعى وتبكي اخيه  كما هي عادتها احيانا ومنذ سنين  والذي لم يشأ ان يعود الى الوطن بعدما عاد الجميع...... انتظرت عشر سنوات لتراه وهي تعلم بانه حي يرزق يعيش في المنافي ولا يهمه امرها . لم اشأ ان ادنس احزانها   و اقول لها  يكفي ما تفعلينه وانت تعلمين  انه ما زال حي يرزق  انه ليس اكثر من وغد بانانية مفرطة قل نظيرها انانية لا تجدها الا عند الشباب الهارب من جحيم التخلف و الاضطهاد من اقاصي افريقيا التي اهلكها القحط والانقلابيون  الشباب الهارب من بلدان العرب الافريقية والعراق والشام وايران  وجيرانها الافغان تلك البلدان التي غضبت الالهة عليها فارسلت حكام هم  اسوأ من الشيطان ........  لم يعد يهتم لامرها ولا لامر الوطن ومن سكن الوطن كل ما يهمه هو ان يهرب من جهنم البعث تركها في حزنها و ترك كل شيء وراءه و لا يفكر بالعودة لرؤيتها كيف يفكر بذلك بعدما ذاق طعم الحرية.... استوطن ستوكهولم وتزوج فارسية ونسى امه   ولا رغبة لديه برؤيتها لانه لا يريد ان يمر  ببلد  تيبس وتهشم تذروه الرياح بعد اصابته  بوباء الحروب وتم عزله  كسفينة رفع على ساريتها علم  الحجر  الصحي في ميناء الامم لايدخلها احد لا يخرج منه احد   الا بشق الانفس .....بلد قرر قائده  ان يسلك طرق جهنمية لينهيه حتى اصبح نهاره لا يستحق ضوءه وليله لا يستحق ظلامه و شعبه  تخلى عن  ذاته و ملأ جيوبه بمئة وجه يبدلها متى ما شعر بالخوف لانه يعرف انه قد  حلت عليه لعنة  الحروب و يعرف انها انتحارات مفاجئة باوقات  مجهولة .....  حروبا من يخوضها ويخرج حيا يصبح مشوها سايكولوجيا سايكوباثيا  حتى النخاع  يبغض كل شيء ينسى الفرق بين الحياة والموت ويسخر من كل شيء وتنتابه نوبات  جنون هاملتية وعبر رؤيا غريبة  يشك بكل من حوله
مازالت مصر ومنذ الانقلاب الناصري وتسلط العسكر وغياب الديمقراطية وتسلط القرويين من ضباط الجيش وجوقة المتملقين وترك الامور وقد فلتت من عقالها وتسلط الاميين والغوغاء والرعاع عبر المد الاسلامي والصراع ما بين الجيش والمتشبثين بقشة الديمقراطية من الطبقة المثقفة والتي سكنتها الانا وتخلت عن انسانيتها من جهة ومن الجهة الاخرى المتاسلمين من اخوان وسلفيين جهاديين وازهر بدا يفقد تدريجيا نفوذه امام المد الداعشي وامريكا التي تتحين الفرص للانقضاض على الزعامة العربية طالما بقيت مناصبة العداء لاسرائيل ومما زاد الطين بلة هو التخلف الذي ينمو وسط العشوائيات وينذر بعواقب وخيمة نتيجة التكاثر غير الخاضع للمنطق تكاثر الجهلة
مصيبة زعماؤنا يحاربون عدوا لا يهزم
ويحكمو شعبا  لا   يندم
يزعق  ليبرر حماقاتهم ومستعد ليعبد    

درب الخيانة  باسفلت الجوع