على طريق اسفلتي يمتد كافعى جبارة تهادت حافلة قديمة دك النجف تشق طريقها جنوبا
نحو العمارة بمحرك ما انفك يزأرطوال
الطريق لتدور العجلات حاملة في جوفها الاربعين راكب وهي تشق
طريقها في تلك الظهيرة القائظة حيث
فارقت الكوت منذ نصف ساعة وبعد ان اجتازت جسر
الجباب لاح من البعد وسط الارض
القفر شواخص لبنيان انجز من الطابوق
والاسمنت المسلح دون ان يراعي في اضافة مسحة جمالية لواجهته تباطأت سرعتها
واتجهت نحو ذلك البناء لتجد لها مكانا امامه الى جانب مجموعة من الحافلات
وسيارات الصالون تركها ركابها لتناول وجبة الغذاء كان صلاح جالسا في المقعد الثالث
خلف السائق طول قامته ارغمه على حشر نفسه
في مقعد ضيق تكاد ركبتيه تلامس صدره جلس
خلفه كهل رث الثياب ظهر فيما بعد واثناء ساعات السفر انه يمتهن التسول عابر
للمحافظات تعود ان يندس في اية حافلة دون
دفع ثمن الرحلة لائذا بالصمت ومتى ما كشف امره بدأ بالتوسل والشكوى طالبا العون
مزود بجرعة مضادة للتأنيب والتقريع جعلته
لم يأبه للاحتقار الذي لعلع به لسان مساعد سائق المركبة السليط الذي سرعان ما كف
عنه بعد ان دفع احد الركاب اجرته وفعلا دفع صلاح
ذلك الشاب القادم من بغداد مع كتاب تعيين كمدرس لمادة الاحياء في ثانوية
شيخ سعد ......كان يجلس امامه عندها مد عنقه متوددا شاكرا اياه على كرمه غير ان
رائحة جسده كانت لاتطاق لشخص لم يستحم منذ زمن ....... مما ارغم الذي
يجلس بجانبه ان يبحث عن مقعد للخلاص من
تلك الرائحة . تنفس صلاح الصعداء عندما
سمع الصوت الاجش للسكن وبلهجة جنوبية ضجرة اكسبتها العادة نوع من اللامبالات لكائن
بشري لاتميزه عن اهل الكهوف سوى ما يرتديه من قميص وبنطال ارتداهما بحكم المهنة
غير عابىء بما غزاهما من شحوم ودهون التصق بهما الغبار ينبأ عن وصولهم لناحية شيخ
سعد تلك الناحية التي تتوسط المسافة بين الكوت والعمارة والمختفية عن الانظار
بعيدا عن الطريق وخلف النهر وكأنها اختصرت وجودها بذلك المطعم البائس المرمى
بأهمال على جانب ذلك الطريق الذي امتدت على جانبيه ولمئات الكيلومترات اراض مهملة
غطتها خضرة الطرطيع اليانعة تكاد تلامس
الافق الشرقي نبتت دون حرث او سقي تخزن في
جوفها الملح والماء تعافها حتى الابل عالية بعلو قامة رجل شقت التربة بعناد غير
ابهة بحرارة الشمس التي لا ترحم وجفاف الارض السبخة .
- شيخ سعد هل هناك من
وقبل ان يكمل صاح صلاح وكأنه يفرغ شحنة من الالم
- نعم ارجوك .
وصلت شكرا
ابطأت الحافلة
وتركت الاسفلت لتتجه صوب مطعم الطريق وتحشر نفسها بين المركبات التي وقفت
قبالة المطعم حيث اسرع يشق طريقه محاولا
اجتياز ما تكدس من حقائب في الممر تاركا مكانه وعند نزوله غطس حذائه في تراب ناعم وسار لمسافة قصيرة حيث بدأ الالم في
ساقيه ووركه يزول تدريجيا وقف يتمعن ذلك
المكان كان الوقت منتصف النهار و اشعة شمس
نهاية اب القاسية انصبت من السماء تزداد ضراوة مع مرور الوقت حيث شحبت
السماء وشحب معها وجه الارض سار ومع سيره ارتفع الغبار يغطي حذاؤه ومن خلفه
انطلقت حافلة لا تختلف عن التي اقلته الى
هذا المكان واثارت خلفها غبارا ارتفع اعلى منه وخلفت وراؤها سحبا استغرقت وقتا
لتعود الى مهدها وبعدها هبت سموم تحملها
رياح تنفخ لهيب الشمس في تراب الطريق
وتصفع شجرة السدر الهرمة العطشة الوحيدة القريبة منه حيث سمع خرخشة الاوراق
الجافة التي بدا قسم منها بالتساقط وخلفت هذه السموم دوامة صغيرة من الاتربة سرعان ما توسعت مبتعدة
حاملة معها ما تلاقيه في طريقها من اكياس النايلون واوراق لتصعد الى عنان السماء ثم تختفي
اقترب من شجرة سدر
هرمة يلوذ بظلالها من لسعة شعاع شمس الظهيرة
تنتصب امام كشك صغير جدرانه من
اللبن وسقفه من السعف جلس في جوفه شيخ .
وسط علب السكائر والبسكويت وانواع مختلفة من الحلوى والعلكة رصت على الرفوف وعرضت
امامه وتحت ظلال الشجرة امام الكشك حوض استحمام امتلأ بقناني المشروبات
الغازية رقد فوقها قالب ثلج ذاب اكثر من نصفه.
اقترب من صاحب الكشك
وأشترى علبة سكائر وتناول قنينة كولا اطفأ بها ظمأه وبادره بالسؤال
- بالله عليك اين
المدينة
- تقصد ناحية شيخ سعد
- رحم الله والديك
صمت الرجل لفترة ونظر
اليه وهو يمسح بذيل الكوفية ما علق من عرق وغبار بجبهته ووجهه المتغضن الذي حفرت
عليه السنين تجاعيد عميقة وأشار بيده التي بدت على جلدها اليابس والذي تعرض لعوامل التعرية لسنين من العمل
الشاق في ارض لم تتعاون معه عروق نافرة شديدة الزرقة مطعونة بلونها نحو طريق ترابي الى يساره وهو يقول بصوت من
يعاني من ازمة ربو مزمنة
- نهاية الطريق عبر النهر خلف الاشجار
نظر صلاح الى ذلك
الطريق حيث بالكاد يرى نهايته وعاد ليسأل
-الا توجد سيارة
تصل الى هناك وكيف اعبر النهر
-لاتوجد سيارة في مثل
هذا الوقت ويمكنك عبور النهر بالعبارة حيث تعمل من السادسة صباحا وحتى الثامنة
مساءا
- جزيل الشكر و أستودعك الله
وقف للحظة و تأبط
حقيبته الصغيرة وتأ مل الطريق الترابي الذي يتراقص ساطعا وقد امتد طويلا وبلل يديه
ووجهه بالماء البارد وأستأنف السير وبعد مرور اكثر من نصف ساعة شعر بان الجو اصبح
لطيفا منعشا بالرغم من حرارة الاشعة
الساطعة التي تغشي الابصار عندها تيقن انه يقترب من النهر الذي ظهر فجأة
وجد نفسه أمام دجلة
الساعي الى البحر من غير تؤدة تنفس
الصعداء وانتابه احساس بالالفة وغمرته فرحة وهو يهبط حيث الضفاف الرملية الناعمة
الرطبة الباردة خلع حذائه وجواربه وكف بنطاله وغطست اقدامه بماء بارد وغرف بيديه ثم غسل وجهه وعنقه
حيث ازال ماعلق من عرق وغبار وجلس يرتاح عند كتل اسمنتية تحت ظلال شجرة هرمة من الغرب وعند اقدامه تتراقص مويجات صغيرة
باردة تغطي اصابع قدميه ثم تتركها انتابه شعور بالبهجة حيث نسمات باردة تتسلل الى
وجهه ومن البعد شاهد الضفة الاخرى وتناهى الى سمعه زئير المحرك حيث العبارة تستدير
ببطىء قادمة نحوه مخلفة وراءها فوران الماء وامواج متلاطمة سرعان ما تختفي لينساب
النهر بهدوء كما هي عادته منذ الازل.
اقتربت منه تلك الكتلة
الحديدية الهرمة تشق عباب النهر بسطحها المربع المؤطر بأنابيب بسمك ذراع ومساحة
للركاب والعربات لا تتعدى الخمسون مترا
مربع جوانبها الامامية والخلفية زودت
ببوابات تغلق عند سيرها والى جانبها الايمن ارتفعت كابينة القيادة يتوسطها
قبطان يتحكم في قيادتها وارساء ابوابها عند وقوفها وعند المرسى الصغير والذي رصت
عليه كتل اسمنتية فتحت البوابة واتكأت على هذه الكتل لم يكن هناك احد غيره. صعد
يتلفت يمنة ويسرة واسترعى انتباهه رجل في العقد السادس من عمره في العبارة جاء معها ولم يشأ ان يغادرها احتمى
من لهيب الشمس بظلال الكابينة ارتدى بدلة بنية عتيقة وقميص باهت لا يكاد يحتفظ بشيء من بياضه فاستحال كالحا بلون التراب مع ربطة عنق خضراء
بمربعات صغيرة سوداء مر عليها المكوى مئات المرات
هزيل شديد السمرة مائل الى القصر
غزا الشيب رأسه ولم يبقي مكان لشعرة سوداء ومن خلف العدسات السميكة عينين كليلتين
ضاقتا حتى كادت ان تغلقا وهو يتامل المدى النهري امامه
وقد ولى وجهه النهر و ظهر بوضوح انفه المعقوف كانف
الصقراسفله شارب كث ابيض غزير لم يعتني به.
بالرغم من نظرات صلاح الفضولية انشغل ذلك الشخص بما لديه ولم يعره اهتماما
وكذلك قائد العبارة الذي كان يوجه المقود
غير مكترث بمن حوله....
اثناء العبور لاحظ صلاح امرا اثار استغرابه حيث اخرج ذلك الرجل النحيل ابيض
الشعر قنينة بما يسمى ربعية عرق من جيب سترته ورشف سريعا مرتان الواحدة تلو الاخرى
وبعدها زم شفتيه و اغمض عينيه بقوة للحظة ثم عاد وخبأها حيث كانت تبعها بقطعة
صغيرة صفراء تبين انها جبنة الكرافت وقضمها ليزيل حدة ما شربه واستغرق في مشاهدة
ما امامه وهو يولع سيكارته ويرمي بعود الثقاب الى النهر سحب نفسا عميقا ونفث
الدخان واستند بكوعه على السياج يتامل جريان الماء دون ان يلتفت ويرد النظرات
بالنظرات لهذا المتطفل الذي سرعان ما
تركه وشأنه وشخص صلاح بصره الى الكتل الاسمنتية التي تركها خلفه
صاعدا الى العبارة والتي بدأت تصغر وتتوضح
معالمها كلما ابتعد عنها بدت وكأنها تشبه
تلك الكتل التي تكدست عند الجزء الجنوبي لمراب النهضة بالقرب من السياج المحاذي
لمحلة الكوازة و التي شاهدها صباح هذا اليوم عند
مغادرته بغداد ولم تختلف عنها سوى بما ظهر على البعض من شواهد
نقشت عليها كتابات باللغة
العبرية وبلون اسود على مرمرة بيضاء ناصعة
هي كل ما تبقى لمقبرة اليهود والتي ما زالت عظام الموتى متناثرة بينها.
حيث ازيحت في عهد الزعيم ليحل ذلك الكراج مكانها ثم يشق طريق الى العقاري
فشارع فلسطين ثم قناة الجيش لينتهي عند مدينة الثورة واستغرق في ذكرياته حين كان
طالبا في مدرسة ابن الجوزي عندما بدأت الجرافات تعمل دون كلل او ملل مواصلة الليل
بالنهار وكيف انهار بفعل كيلتها الحديدية الهائلة ذلك القبر العملاق الذي كان
يتسلقه مع اقرانه من صغار الكولات والطاطران لمشاهدة مباراة كرة القدم حيث يطل على
ساحة ترابية وكيف اندفع سكان الميزرة الى داخل القبر بعد ان تهدمت جدرانه لسرقة
قلائد الخرز الملون والتي علقت في رقاب الموتى ثم خرجو وقد انتابهم
الفزع يتراكضون بصطدم الواحد بالاخر وقد
تعالى الصراخ بعد ان اصابهم الهلع وانتابهم الخوف حين ازاحو الكفن عن وجه وجسد
فتاة فائقة الجمال في العشرين من عمرها
راقدة بملابس عروس بثت الرعب في قلوبهم وكأنها دفنت للتو وعند الغروب جاء بعض
الاشخاص ليدفنونها في مكان مجهول
وبعد ان مضت عدة اعوام ما زال
يتذكر اليوم الاول بداية العام الدراسي في متوسطة الكفاح وبالقرب من سياج فرن
الصمون الرسمي في ساحة النهضة حيث تعالى صراخ طلبة المتوسطة وهم يتقاذفون بأقدامهم
الجماجم عندها ظهر مدرس العربية الاستاذ
صادق الدبوني حيث جمعهم في ساحة المدرسة وخطب خطبته العصماء والتي اثارت الكثير من
اللغط وحامت حوله الشبهات عن مناصرة بني اسرائيل والدفاع عن موتاهم وكاد ان يتعرض
لاعتداء من الاتحاد الوطني لطلبة العراق في المتوسطة وهو الشيخ الجليل استاذ اللغة
العربية والذي كان يعطي مستوى نجاح يقارب المائة بالمائة في الامتحانات العامة
ورغم ما حدث من لغط لم يعد احد يمارس تلك اللعبة المرعبة بعد ان منعهم عن فعل ذلك حيث ما زال يذكر كلماته
- استباحة حرمة الاموات نذير شؤم هؤلاء الكثير منهم ناله الفرهود سلبت
اموالهم واستبيحت اعراضهم وسلخ من بقى منهم عن وطن عاشو فيه الاف السنين عبر
مؤامرة بين بعض السياسيين وعصابات صهيونية
قدمت سرا الى العراق ليساهمو في اثارة البغضاء ويغضو الطرف عن الغوغاء خلف السدة ويحدث الفرهود ويجبرونهم على
الرحيل ولم يبقى سوى افراد لائذين بالصمت دفعو بفتياتهم للزواج من مسلمين لا لشيء
سوى البقاء في ارض الاجداد والموت فيها وهم فعلا على يقين بان الاخرين لا يتركونهم
وشانهم
هكذا رددها استاذ صادق الدبوني وبعدها بدأ
بعض الطلاب بجمع ما يجدوه من عظام وجماجم ويدفنونها في مقابر جماعية في الارض التي اصبحت فيما بعد
حديقة المدرسة اما الاستاذ صدرت الاوامر بنقله الى الاعدادية المركزيه تلك
الاعدادية التي لا ينتمي الى كادرها الا الاساتذة المتفوقين على اقرانهم من بقية
المدارس في بغداد والتي ترفد كل عام المئات الى كلية الطب والهندسة في بغداد .
انتبه صلاح الى صوت المحرك وهو يزأر معلنا اقتراب العبارة من الضفة الاخرى
وعند مغادرته صعد سلم خرساني ينتهي عند الشارع المحاذي للنهر.....
حيث الرصيف الذي فقد
الكثير من بلاطه يمتد مسافة كيلومتر مع الشارع من بداية الناحية وحتى نهايتها مع
صف طويل لاشجار الكالبتوس العملاقة والتي تطفي على المكان ظلال رائعة تحول السموم
الحارة الى نسيم بارد لقربها من النهر ولا يفصلها عن كتفه الكونكريتي سوى سياج يرتفع لنصف متر مع خمس
فتحات لسلالم تهبط لعشرة امتارفتصل الى
مياه الشاطىء التي ترتفع لتغطي نصفها في بداية فصل الصيف روعي في تلك المقتربات
بناءها لتروي بشكلها الانيق حكاية عن زمن التواجد البريطاني بداية هذا القرن وقف صلاح
يتأمل ذلك المنظر الجميل والتواء النهر القادم من الشمال ليمر بمحاذاة هذه المدينة التي بنت نفسها وهي تولي ظهرها
النهر المتجه جنوبا حيث يستدير عند نهاية
البلدة الى علي الغربي ليختفي عند المقبرةالتي تجاور غابات
الصفصاف التي تمتد بعض سيقانها منحنية الى دجلة وكأنها ترتوي من مائه.
وسط ظلال الكالبتوس
وماء النهر وقفت العبارة واطفأ المحرك وكأنها تلتقط انفاسها لفترة بأنتظار
القادميين من الجانبين حيث لا يوجد جنس مخلوق في تلك الظهيرة سوى سائق العبارة وهذا الرجل الضئيل ابيض الرأس
وقد اضفت اغصان تلك الاشجار العملاقة المعمرة ظلال وارفة وطاب لصلاح الجلوس
لدقائق على السياج الذي كان عبارة عن مقعد
خرساني يمتد بامتداد الطريق المحاذي للنهر
ومن عتمة الظلال الكثيفة وخلف الجذوع الضخمة حيث الممرات التي صفت بالفرشي
وسط اعشاب برية نمت وارتفعت مغطية الثيل دون اهتمام او تشذيب لتنتهي بأبنية من
طابق ارضي علقت فوق ابوابها قطع لم يتمكن من قراءتها واعلام الجمهورية فوق سطوحها لقطع بالية ترفرف ثم تعود
ساكنة توحي بأنها دوائر رسمية تزاول عملها من خلال بعض رجال الامن وعمال الخدمة
الجالسين او الواقفين عند ابوابها.
نهض بعدما استرد
انفاسه واتجه نحوهم عله يحظي بجواب الى ما سيسأل عنه سار في ممرات الظلال اقترب من
احد. الابنية قرا ما خط على احد اليافطات وقد كتب عليها ناحية
شيخ سعد دائرة البلدية القى التحية على احد الجالسين وقد بدا من مظهره انه يعمل في
تلك الدائرة
-السلام عليكم
اجابه
- وعليكم السلام
-عذرا اين المستوصف
نهض ذلك الرجل واشار
بيده وهو يلتفت الى صلاح ثم يعود ببصره الى حيث يشير
-عند ذلك الشارع الذي
ينتهي بالكورنيش الى اليمين رابع بناية بيضاء على اليسار حيث يرفرف على سطحها علم
ابيض يتوسطه هلال احمر
- شكرا جزيلا ورحم الله والديك
- انا بالخدمة ارجو
المعذرة لولا ضرورة تواجدي لسرت معك الى
حيث تريد
- لاباس المكان قريب
واستطيع الوصول اليه بسهولة
و دفع الفضول ذلك
الرجل ليساله قبل ان يستانف سيره
- موظف .
-نعم مدرس في ثانوية
البلدة
.
- اهلا وسهلا انك وسط
اهلك وهذه البلدة هادئة وسرعان ما تتعود عليها
قالها وترك صلاح يحث الخطى
متسائلا مع نفسه .. هل يحالفني الحظ لاراه ؟ والا ساقضي ليلتي بلا سقف وسرير.
سار بموازاة النهر
وعند نهاية الشارع استدار الى طريق هجره الكثير من الاسفلت و منذ سنين ولم يبقى
منه سوى ما يحاذي الرصيف و بعض الاثر ما
بين حفرا مليئة بالحصى والتراب وعلى يمينه
اصطفت اسيجة من الطابوق عاليه تجاوز
ارتفاعها الثلاث امتار مستقيمة بدأت الشقوق تنال منها تخبأ خلفها اشجار البرتقال
والزيتون والسدر اكتضت باغصانها المكسوة
بالغباروتدلت عبر السياج يظللها النخيل وقد نالها الاهمال وخلفها بيوت بدت وكانها مهجورة ما زالت انيقة ترتفع عالية تميزت بالكثير من الجمال و الرقة و الاناقة لزمن اسرف
عليها من شيدها وتركت اثرا لحياة راقية
مفعمة بالحيوية غير انها تحولت الى اطلال لم يتمكن منها الخراب بفعل مجهول
ساكنة يسودها صمت مريب كانما هجرها اهلها منذ زمن بعيد يقابلها
دور ثلاث صغيرة متشابهة بنيت حديثا يجاورها البناء الرابع وقد اعتلته سارية انتهت بخرقة باليه كالحة صدأ بياضها بفعل
الغبار يتوسطها هلال احمر رفرف بقوة اثر
السموم اللافحة التي هبت للتو
عند الباب الحديدية
للسياج وقف امام يافطة كتب عليها المركز
الصحي لناحية شيخ سعد اجتاز الممر الذي يتوسط بقعتين صغيرتين تصلدت تربتهما حيث
اختفت النجيلة ولم يبقى منها سوى بقع من
عشب يابس اصفر مغبر وعند السياج كانت هناك
شجرة رارنج تيبست اغصانها فاستحال بعضها الى اللون الاسود وفقدت اغلب اوراقها ولم
يبقى سوى بعضها صدأ يحتضر
اجتاز المدخل حيث لفت
انتباهه مجموعة نساء تلفعن بالسواد ظهر الاجهاد وسوء التغذية على وجوههن فاستحالت الخدود المتجعدة الى سمار مصفر افترشن
البلاط ينتظرن دورهن في المعاينة احتضنت احداهن وليدها وقد نال منه المرض فبدا هزيلا بشكل يثير
الانتباه شبه عار برأس صغيرة وشعر كثيف دبق يتسلى الذباب على وجهه وجلده الطري ويكاد يلامس السوائل التي تخرج من فمه وانفه بكى
بوهن من الم مكبوت وحرك يديه
بعصبية ليزيح يد امه عنه حتى اختنق في بكائه وكادت ان تنفر من جبهته وعنقه
العروق
عند باب العيادة
حيث علقت يافطة صغيرة من خشب الصاج كتب عليها الطبيب جلس تحتها و على كرسي من
الخيزران شاب في مقتبل العمر هزيل طويل اشقر بوجه شمعي ابيض شديد الشحوب واسع الفم
يتنفس بصعوبة وكانه يعاني من مرض صدري له عينان زرقاء كالخرز يدور بهما الى
كل اتجاه ليراقب كل ما يدور من حوله
.......
وقف صلاح يتلفت يمنة
ويسرة مما اثار انتباه ذلك الشاب الذي وقفت على مقربه منه امراة في منتصف العقد
الثالث تنتظر دورها صهباء جميلة بشكل يثير انتباه كل من ينظر اليها ولا يتمالك
نفسه الا ان يطيل النظر اليها للوهلة الاولى منتصبة وقد لفت عباءتها حول جسد
ممتلىء يثير الغرائز.
التناسق الرائع الذي ظهر مع لفة العباءة حول ذلك
الجسد وكانها تعمدت اظهار تفاصيل مرتفعات
ووديان الشهوة بصدر عامر اعتلى خصر ضامر
ومؤخرة مكتنزة توجت السيقان ...فانتصبت قامة متوسطة بزنود ممتلئة انتهت بكف زين باصابع جميلة نفرت خصلة
من شعرها الاحمر و فرت من العباءة
حيث ارتمت على جبهة بيضاء ناصعة واسعة تعلوعيون زرقاء اليفة خط اسفلها انف مستدق توسط وجه مفعم بالنظارة
غزا وجنتيه نمش بالكاد يظهر وكانها تمثال لالهة اغريقية بثت فيها الحياة فتحركت
شفتاها الممتلئة بلون الكرز التي تعلو الفك الصغير وكانها خلقت جميلة حبا بالجمال
ولكن شيطانها جعلها مغرية اطال النظر اليها مما استرعى انتباهها و استدرجها
من شرودها حيث اثار فضولها لمعرفة
القادم الجديد وهي ترمقه بنظرة تتامله بعيون لا تخلو من الاثارة والاستنكار .
تحاول سبر اغواره تكلمت دون ان تتفوه بحرف واحد وكان ينصت الى عينيها غير انه غض
البصرمبتسما فبادلته بمثلها مما اثار حفيظة ذلك الشاب فنهض من مكانه وتقدم نحوه
بتوجس و حذر مرددا
- تفضل بماذا استطيع ان اخدمك
- عفوا اين المختبر
- وما الذي تريده من
المختبر
- ابحث عن كوركيس قيل لي
انه يعمل في المختبر
- ماذا
- كوركيس
اشاربيده للباب
المشرعة الى يمينه
- تجده في
الصيدلية
.اتجه نحو الصيدلية كانت غرفة مشتركة بباب واحد
تتصدرهاعند الدخول الصيدلية بمساحة تحتل
ثلثي الغرفة وخلف مجموعة من الدواليب الحديدية يقبع الثلث وقد خصص للمختبر
وعند وصوله الباب كانت
هناك طاولة خشبية امتدت ثم انحرفت . نحو
الجدار بزاوية قائمة اكتظت بالحبوب
والكبسول وبعض القناني الصغيرة لانواع مختلفة من الشرابات حيث وقف شاب وسيم يميل الى القصر قوي البنية في العقد الثاني من عمره شديد السمرة
بشعر فاحم لماع مسترسل الى الوراء وعيون تتقدمها عدسات سميكة رمادية ووجه متسامح
نبيل
تقدم صلاح والقى
التحية وردها الشاب بالمثل
- صلاح مدرس الاحياء
تم تنسيبي للعمل في الثانوية وصلت للتو من بغداد لدي موعد مع كوركيس
رد بصوت جهوري
اهلا بك اخ صلاح تفضل
ازاح بيده الجزء
الجانبي من الطاولة ليتمكن صلاح من الدخول
ودخل وسط حفاوة ابداها ابراهيم بقدومه
مرددا
- انا ابراهيم
اعمل في
الصيدلية تفضل بالجلوس
واشار بيده الى كرسي
ثم تابع
- خلف هذا الحاجز من
الدواليب الحديدية غرفة المختبر
وقبل ان يكمل حديثه
ظهر كوركيس بقامته الطويلة وكتفه العريض وسحنته الحمراء وعيونه الشديدة الزرقة
وبقايا شعر بالكاد غطى صلع بدا يغزو راسه و صاح
تملا وجهه ابتسامة ترحب بالقادم
-اخيرا وصلت كنت انتظر
قدومك ما سبب تاخرك الى الواحدة ظهرا؟ .
التفت صلاح الى مصدر
الصوت ونهض مرددا
- كوركيس .الحمد لله .
.... كنت اخشى ان لا اجدك لم اكن اتوقع في يوم من الايام ان نلتقي في مثل مكان
كهذا . . .
- . انها ضريبة ايام
اللهو و الدرجات البائسة التي جعلتنا في اخر القائمة ومغادرة بغداد بعد ان تركناها لابناء المحافظات
المتفوقين بما نالو من درجات والطامعين بالبقاء فيها.
- الجميع يسأل عنك
وانت مختبا هنا
- كيف هي الاحوال مضى
اكثر من شهر لم التقي باحد من الجماعة
- لم اعد ارى سوى جبار واياد
- جبار ما زال يصدح باغاني فريد
- لم نعد نسمع منه
اغاني فريد تحول الى المقام مع كلمات تخدش
الحياء ليوسف عمر واضاف لها الكثير من الادب المكشوف لملا عبود ولا تفتح قريحته
الا بعد ان يعبىء في جوفه اربعة قناني
فريدة ... تعلم العود و درس النوتة يسرق
الكثير من الالحان ينسبها لنفسه واذا ما اعترض اياد وفضح امره بسماع هذا
اللحن سابقا علا صراخه وبدات الشتائم تنهال وانتهت الجلسة لتعود مرة اخرى بعد بذل
الجهود للمصالحة ثم يعود اياد مرة اخرى ملمحا وهامسا في اذني وعيون عزيز ترصده
ويتهيأ للانقضاض
انفجر كوركيس
ضاحكا ثم نظر الى صلاح باستنكار معاتبا
- لولا قدومك الى هنا
لما سمعت صوتك عبر التلفون قبل اسبوع
- اقسم لك مررت بالبتاويين اكثر من مرة وفي كل مرة لا
ارى غير الابواب الموصدة لاسواق الوالد سالت من في الجوار قالو لي انه سافر الى بعشيقة واغلق المحلات علاوة على ذلك
مررت بالدار سالت عنك قالو لي انك تعمل خارج
بغداد ولا اعرف الشخص الذي
اخبرني بذلك ..عدة
مرات يرن الهاتف ولا من مجيب
-الصدفة لعبت دورها
لارفع السماعة مررت بالدار لنصف ساعة وكنت محظوظا عند ردي عليك قبل اسبوع على ما
اعتقد
- بالضبط
-كيف هي الاحوال تلتقي
بالجماعة
-لم يبقى سوى جبار
واياد .
كما تعلم
سافر عزيز الى الدنمارك منذ ستة اشهر ولا نية له بالعودة بعد تصفية املاكه
-من كان يتصور عزيز
ابن اليهودية في الدنمارك .
- التحق باخواله ليس
حبا بما يؤمنو به انت تعرفه انه وغد بكل ما تعنيه الكلمة يهزأ من كل شيء ولا يابه
باي فكر وكل همه هو اغواء المراهقات بوسامته.... بلسانه المعسول واناقته وما ترك
له والده من ثروة هو ليس زير بل بئر نساء كتب لي رسالة يخبرني فيها بهوايته في
اصطياد الاناث بعلاقات عابرة في ملاهي كوبنهاغن .يراسلني ووجه لي دعوة بزيارته
ليريني اوربا دون الاستمناء الذهني الذي استغرقه في القصص السخيفة التي اصرف ساعات
في قراءتها ذكرني بما كان يدور اثناء احتدام النقاش وما اردده بان الفقر مزرعة تنبت عاهرات ودحض كلامي بما
يراه كل يوم من حسان مترفات يتعرفن عليه .
لديه شقته وفيها لوحة الشرف السرية المليئة بصور من تعرف عليهن ويود ان يتخطى حاجز
الالف من شقراوات و سمراوات و صهباوات لم يكتفي بالاوربيات بل مد نفوذه الى
الاسيويات والافريقيات وكتب لي بانه يهزأ
من المخدع السري في الشقة البائسة مقابل سينما اطلس و التي كان يشارككم فيها
بانتظار بائعات الهوى ذوات الروائح النتنة حيث يضفن العطر الرخيص الى اجسادهن
المنهكة في لظى الصيف ليزداد الامرسوءا.
بشقائهن وبؤسهن ينتظرن ما يهب اللئام
لاطفاء شهوتهم مقابل دينارين وبعضهن يدفعن حياتهن ثمنا لذلك بعد ان تخلى
الاهل والسلطة ليندفع احد الحمقى
لينال من حياتهن دفاعا عن الشرف ولم يفكر هذا الوغد في يوم من الايام بمد يد العون
لهن بعد ان عنسن او ترملن او طلقن...وتسائل بخبثه المعهود هل ما زلن حفيدات المعابد
البابلية يمارسن الدعارة من اجل العبادة
كما كن يفعلن جداتي اليهوديات في زمن القائد الضرورة المهيب نبوخذ ام سد رمقهن
ورمق اطفالهن المتضورين جوعا...ثم يهزأ من
حماقة ورعونة شهريار الطاغية وكذب شهزاد المغلوب على امرها ويعتبر ان ما يقوم به
في تلك الاصقاع الباردة واجب اخلاقي من خلال
تلك العلاقات العابرة في المطاعم والمقاهي لاطفاء ظمأ الراغبات في ذلك
بحرية كفلها الدستور ليسخر امثاله القادمين مع ذخيرة لا تنضب من الحيوانات المنوية
انضجتها شمس الصحاري واعطتها قوة خارقة وانتصاب يحلمن به ....يركع ساجدا امام افخاذهن
المرفوعة وهن مستلقيات على فراش وفير وكأنهن اميرات ثم ما يلبثن ان يشعرن بالضجر
بعد ايام من الرضا ليبحثن عن شخص اخر
- تقصد..... لا ....
يالله هذا الوغد كم مرة سمعته يلمح الى ذلك ولكني لم اكن اتصور ان يفعلها هذا
الزنديق
ساد الصمت لفترة ثم
ردد صلاح
- وانت الم تفكر بالهجرة محلات الوالد اغلقت
والبيت لايتواجد فيه سوى والدتك واختك في امريكا
- ها أنذا امامك ولم احسم امري بعد وامامي الكثير
مما يجب ان اعمله
- حسنا وبعد ذلك
ثم تابع صلاح هازئا
- يبدو ان جرذان
الاقليات بدأت تترك سفينة الوطن
ابتسم كوركيس واردف
قائلا
- بعدما ان ايقنو ان
من فيها لا يصلحو لقيادتها ولا يهمهم
امرها لامن قريب و لا من بعيد وهم ليسو سوى جهلة صغار ازاحو كبار الفجار ليكبرو
عبر نعيق المنافقين ويصبحو خلال اعوام من ثوار الى ....اثرياء ينعمون بالجاه و السلطة جاؤو
بانقلابات يغامرون برعونة ولا يأبهو لما
ال اليه الامر اهترات الاخشاب وتمزقت الاشرعة وفقدت البوصلة ونكاد ان نفقد الدفة
- ولكن يوجد اصحاب
الضمائر
- هؤلاء مغلوب على
امرهم صامتين خوفا و بصمتهم ازداد نعيق المستبد ولا تنسى الازدراء بصمت غير كاف واضعف
الايمان لا يحصن الانسان
اشار صلاح بحذر وهو يختلس نظرة الى ابراهيم الذي
بدا منشغلا بصرف الدواء الى احد المرضى غير ان كوركيس عقب بدوره
-لاعليك اطمأن هو ليس
منهم ولا منا نصحته بأن لا يتمادى بأيمانه
ويكتفي بسجادته وتربته ويبتعد عن اللطم والمواكب التي تنال من السلطان ولكنه يصر
احيانا على حضور مراسيم تغيض النظام اخشى
ان القادم من الايام سيقضم امثاله اذا لم يتعض
قالها كوركيس وفي يده
جهاز لقياس الكلور وقد تهيا للخروج
التفت ابراهيم اليهم
ثم تابع موجها كلامه الى صلاح قائلا
.- مدير المدرسة استاذ
محمد اعرفه تربطني به علاقة وطيدة متى ما
شئت ارافقك لاوصيه بك
التفت كوركيس وهو يهم
بالخروج
- صديقه الحميم وخصمه
العنيد في النرد بمقهى فرهاد وغالبا ما
تنتهي المباراة بخسارته امام استاذ محمد الذي تعود ان يهمس في النرد ليلبي طلبه
قبل ان يرميه
.
.
وقبل ان يخرج كوكيس
دخل د خليل طبيب المركز ونظر الى صلاح من خلال عينين بنيتين مدورتين كعينا البومة
حيث بدا . . قصيرا بشكل يلفت
الانتباه اندفع قفصه الصدري قليلا الى
الامام وشكل تلة صغيرة وبالكاد برزت حدبة خلفه واسترسل شعر راسه الاشقر الى الامام
فغطى نصف جبهته فظهر بوجه نابليوني ونظر الى كوركيس وعين تتسائل دون ان يتكلم عن
القادم عندها اشار كوركيس الى صلاح
- صلاح مدرس الاحياءالجديد والقادم من بغداد
- تقصد . خريج هذه
السنة .
- كلا مضى على تخرجي
اكثر من عام
- اهلا وسهلا
عندها تركهم عائدا الى عيادته بعد ذلك
خرج كوركيس واختفى
لاكثر من ساعة وعند خروجه كانت الساعة قد جاوزت الواحدة والنصف ظهرا اصبح الممر
خاليا من المراجعين والشخص الذي شاهده عند دخوله.... ومن الصيدليه ارشده ابراهيم
الى المختبر الذي يقبع خلف الدواليب الحديدية حيث وقف ينظر الى الميكرسكوب والسنتر
فيوج وجهاز ساهلي والاي اس ار والشرائح الزجاجية وقناني كبيرة مليئة بالمحاليل ثم
جهاز التعقيم وجلس مقابل الميكرسكوب وفحص شريحة تعداد الكريات البيضاء التي كانت
ما تزال تحت العدسة
نهض وراى ابراهيم
يراقبه
- انها اجهزة تفي
بالغرض اعتقد ان كوركيس هو الذي جمعها
-بالضبط جاء بها من
حوالي اربعة اشهر على شكل وجبات مجموعة
تلو الاخرى كان حريصا على اختيار الافضل
- اعرف كوركيس وحرصه
على الاتقان
-من خلال حديثكما يبدو
انك تعرفه منذ زمن طويل
- اكثر من عشر سنوات
حيث كنا في متوسطة الكفاح وقبل انتقال
اهلي الى المشتل كنت في باب الشيخ وكان في كمب الارمن حيث انتقل هو الاخر الى
البتاويين وكثيرا ما لعبنا كرة القدم في ساحة مقبرة الغزالي المجاورة لكمب الارمن حيث نتسلل اليها من خلال فتحة في
السياج وعلى تلة اصطفت جماهير الموتى قابعة في القبور لا تبالي بما نفعل
وفي تلك اللحظة دخل
كوركيس حيث صاح وهو يضحك وكانه سمع نهاية الحديث
- كان يلعب بخشونة في
مركز الدفاع وكنت اتحاشى الاحتكاك به
بعدما جربت مرة وكلفني ذلك سجحات ادمت ركبتي
- مازلت تتذكر
- وكيف انسى بعد معركة
بين الفريقين بسبب ذلك
.
نظر الى ساعته وتابع
- قاربت الساعة
الثالثة ما رأيكم بالمغادرة
وخرج الثلاث يجتازو
ذلك الطريق القفر وكانها مدينة لايسكنها سوى
ثلاثتهم مما اثار استغراب صلاح وسأل بعد مسير لاكثر من خمس دقائق
- قل لي بربك مالذي
حدث في هذه البلدة هل تعرضت لاشعاع نووي مضى علينا اكثر من خمس دقائق نسير في هذه
الظهيرة القائضة ولم نصادف حتى كلب او قطة هل هي مدينة اشباح .......دوائر لموظفين
دون مواطنين
همس ابراهيم وكانه
يكلم نفسه
- بل تعرضت الى اسوأ
من ذلك
التفت صلاح متسائلا
- ماذا اخبروني بالله
عليكم ما الذي حدث وجعل البلدة على هذا الحال
عندها ردد كوركيس
- التهجير يا صديقي
التهجير
- التهجير تقصد
التبعية
- التبعية مفردة يمكن اطلاقها من فم تافه متملق من وعاظ
السلاطين لتشعل حرب لقرون
.... القومية او النازية التي ابتلينا بها سمها ما شئت تدفع بكل من لديه لغة اخرى
او مذهب اما الى كهوف الجبال او عبر
التلال الى هضبة فارس مهجرا ومن يدري ربما ستنقلب الامور يوما ما
- تريد ان تقول لي ان
جميع اهالي البلدة شملتهم حملة التهجير
- ليس جميعهم ولكن
اكثر من نصفهم والباقين فرو والقليل منهم ينتظرون
مختبئين في مخادعهم يعيشون مرارة الخوف
فارقتهم البهجة وبعض الافراد ارتضو
بان يكونو اذلاء ادلاء خانو بني جلدتهم وقضمو حلمات امهاتهم واصبحو سيوف مشرعة بيد
النظام وهذا هو ديدن سكان وادي الرافدين قلوب خاشعة وعيون دامعة في السر وقساة لا
يرحمو و في العلن يلعنو اقاربهم ويتقافزو هرجا ومرجا بامر من الحاكم...... الامر ليس غريبا هكذا هو
حال البلد منذ مئات السنين
وتابع ابراهيم
-بالرغم من وجودهم ابا
عن جد في هذا المكان
عندها ابتسم صلاح وهو
يردد
-حزب البعث لديه ثأر
مع الفيلية يمتد لاكثر من خمسة عشر عاما
وقفو بوجه الانقلاب الثاني وقاومو البعث وجيش عارف اكثر من شهر في ازقة
الكفاح حيث يتواجدون دفاعا عن عبد الكريم . بعد14 تموز انضم معظمهم الى الحزب
الشيوعي وهذا ما دفعهم الى ان يكونو هدفا
للانتقام .
وقف كوركيس ومعه
ابراهيم فايقن صلاح انهم وصلو حيث يسكنون صعد كوركيس العتبة ومن بعده صاحباه ولم
يكبد نفسه فتح الباب برفق بل اقتحمها بعنف راكلا اياها كقائد منتصر فاجأ صلاح هيبة
وعلو ذلك البناء القديم وسعته بالرغم من
اطلال النافذتين الخشبيتين على الطريق من دون سياج او حديقة كانت بابه
الخشبيه في يوم من الايام فخمه صنعت من
خشب الصاج حفرت عليها نقوش نباتية وهندسية تناغمت بشكل جميل فاضفت عليها نوع من
الابهة وزودت بمطرقة نحاسية غاية في الجمال ثبتت في منتصف الجزء العلوي منها غير ان هذه التحفة الخشبية الرائعة فقدت
الطلاء ونالت منها الظروف المناخية القاسية من برد الشتاء وامطاره ثم لهيب شمس
الصيف وسمومه والاهمال لتترك دون طلاء
لسنين مما ادى الى ان يفقع لون الخشب ويغبر ثم ارتخت القطع المتماسكة فيها غير
انها ما زالت تقف كحارس عجوز وتتصدر ذلك البناء العتيق .عند دخولهم الممر
الضيق الذي لا يتجاوز الثلاث امتار تقابلت
في منتصف المسافة بابين لغرفتين احدهما تواجه الاخرى وينتهي الممر بباحة واسعة
يقابلها جدار الجيران الذي يزيد ارتفاعه
عن الخمسة امتار وسط الفناء ارتفعت نخلة ظللت بسعفها مساحة كبيرة من
الباحة و اكتضت بطلع نضيد واحيط بجذعها
الجبار شتلات من الجوري والرازقي واطرت دائرة تربتها بطابوق اسند احداها فوق
الاخرى كما تصمم البيوت الشرقية القديمة
على احد جانبيها غرفة تجاور الغرفة اليسرى للممر والجانب القصي مخزن اغلقت بابه
باحكام وتراكمت فيه الكثير من الاثاث الخشبية المتضررة ويجاور المخزن حمام ومرافق
انحشرا تحت سلم من الطابوق ينتهي بسطح
اطل سور من الطابوق نقش باشكا
ل هندسية على شكل نجوم مثمنة يطل على الطريق ويطل على الباحة سور لقضبان
حديدية لا ينفذ منها راس طفل تجاور احداها
الاخرى ومحكمة من الاعلى و الاسفل باطار خشبي اما الباحة والغرف فرشت بالفرشي
الكربلائي و بأسلوب يدل على مهارة فائقة في البناء كان سقف الغرفة من الشيلمان
والطابوق بطريقة بناء العكادة مكسوة بطبقة
من الجص واخرى من البورك وطليت بلون تبني انشغل صلاح بمشاهدة هذا البناء الذي ايقظ
فيه ذكريات عن بيت جده القديم في محلة الطاطران
- حقا انه بناء قديم
وجميل بالرغم من الاهمال الذي نال منه ترى ماذا حل باصحابه واين هم الان
قالها صلاح وهو يتمعن
سور السطح الذي يحيط بالباحة
- وجدناه خاليا من
اهله غير ان فرهاد اخبرنا بحكايته
ثم عقب كوركيس
- صاحبه ميرزة كان من
اشهر تجار الحبوب في البلدة
- وماذا حل به
- . شملته حملة
التهجير غير انهم تمكنو من عائلته ولم
. يتمكنو منه استطاع
ان يتغلب عليهم بالرغم من شيخوخته
التفت صلاح مستغربا
- كيف اثرت فضولي لسماع حكايته
- بكل بساطة واجههم و
بالكاد وقف عند باب غرفته هذه يرتجف وقد بلغ
من العمر عتيا وتغلب على الخوف
مقاوما الاجهاد في ذلك النهار البارد
ومنعهم من دخول الدار ثم انهال بالشتائم
على مجموعة الرفاق وصفع المسؤول
عندما هم بأزاحته عن طريقه واقتحام الدار
ثم سقط جثة هامدة مختارا هزيمة بعد مقاومة كانت اكثر مجدا من الانتصار فتركوه يلفظ انفاسه الاخيرة ونالو من عائلته حيث اخرجوهم عنوة حفاة بملابس
البيت ليكدسو كالمواشي في سيارة شحن
عسكرية ويرمو في صحراء الشهابي ويامروهم
بالسير شرقا في ليل قارس بهيم من ليالي الشتاء حيث الحدود وسط صوت الصقيع المتكسر
تحت وطا اقدامهم الطرية ومن البعد تتعالى
صراخ ذئاب حمرين اما ميرزة بقي في الدار لا يجرأ احد على دفنه مطروحا عند الباب لاكثر من عشرة ايام من شهر كانون
انتفخت الجثة واصبحت رائحتها تزكم الانوف واقتفى اثرها ذباب الفطائس الذي
انتشر في المدينة بشكل لا يطاق ولا يجرا احد على التفوه بكلمة ادفنوه حتى
تجرا الصبي الذي كان يعمل عنده و اسمه
عبعوب والذي يعمل حاليا الزبال الوحيد في هذه البلدة من دفنه عند غابة الصفصاف
جنوب البلدة مقابل عشرة دنانير اعطاها له
شخص ملثم . مجهول لا احد يعرف من هو
اثناء الحديث طرقت
الباب وكانت هناك فتاة لايتجاوز عمرها
الثمان سنوات تحمل ثلاث اوان من
الالمنيوم رصت فو بعضها مليئة
بالطعام ومجموعة من اقراص الخبز عدة رؤوس من البصل وباقة من الخضرة في طبق من
الخوص اخذها ابراهيم من يدها وسرعان ما اختفت بعد ان تخلصت من حملها الثقيل لتعدو
عائدة من حيث اتت فما كان من ابراهيم الا
ان وضعها على منضدة خشبية قديمة بالكاد تقف على قوائمها تجاور حوض تعلوه حنفية تقطر بانتظام اسندت تلك
المنضدة المتهالكة الى الجدار بمحاذاة النافذة التي لم يبقى من زجاجها شيء وتراكم
بدل ذلك الورق المقوى لسد فتحاتها وفي وسط الغرفة قنينة غاز ركب عليها طباخ بعين
واحدة حيث شرع كوركيس بتسخين الطعام و تشغيل المروحة السقفية في الغرفة
الاخرى التي جهزت بثلاث اسرة مع ثلاث طاولات خشبية وثلاثة
دواليب حديدية بجانب كل دولاب شمعة علق عليها بعض الملابس
- هذه هي غرفة النوم
والمعيشة وهذا هو المطبخ ما رايك بحياة العزاب
قالها ابراهيم وهو
يشير بيديه الى الغرفتين عند المدخل
- البيت دون امرأة لا
يطاق
غير ان صلاح عاد الى السؤال مرة اخرى
- ما مقدار الايجار
اجاب ابراهيم
- خمسة دنانير
ومن هو المؤجر
- زاهد صاحب المطعم والد تلك الفتاة الصغيرة
ولكن البيت لعائلة ميرزة وتلك هجرت الى ايران
- ليس هناك صعوبة في الامر استولى على البيت بناء على طلب تقدم به بحكم
انتمائه الى الحزب و باوامر من ذلك الحزب حصل عليه بالرغم من قرابته لميرزة
- وما الذي جعله يبقى بالرغم من قرابته لميرزة ويستولي على بيته
- اتخاذه من الوطنية ملاذا كتبرير لنذالته اسوة بسويلم عامل الخدمة في
المستوصف
- هذا الشاحب الذي يجلس عند باب الطبيب
- انه كائن بلا اخلاق تم اطلاقه على العالم وزود بسم يفتك بلا رحمة لسعته
حبر على ورق بالرغم من انتمائه القومي لضحايا التهجير مثل زاهد
- حقا ان العبد اسوا من السيد
عندما يتولى امر اقرانه انه يستطيع ان
يغير ما يؤمن به بما يلائم رغبات سيده ويجتهد باضافة جرعة من النذالة
- هنالك ثلاث اسرة الثالث لمن ؟
- انه لكاكا مقديد استاذ الانكليزية صاحبك المشاكس والذي كان يخشاه طلبة
الاتحاد في كلية الاداب
-ماذا لااصدق ما تقول ما الذي جاء بمقديد الى هنا ظننت انه في خانقين كما
سمعت من جبار لم التقي به منذ زيارتي له بعد تخرجه حيث رحبت بنا انا وعزيز والدته
التي لاتعرف من العربية شيئا اوووه من يصدق مضى اكثر من عام
- حاول ان يعمل هنا غير انه لم يفلح في ذلك
- الذي اعرفه عن كاكا مقديد لا يطيق مثل هذه الاماكن
- بالضبط بقي .على مظظ استنزف كل اجازاته وبدأ يتغيب بين فترة واخرى خلال
الشهرين المنصرمين وكأنه عازم على حسم الامر بترك الدوام الى غير عودة
مضت ثلاثة ايام على نهاية اجازته
قد يباشر غدا او بعد غد بأمكانك استخدام سريره لحين مغادرتي تاركا لك سريري
- وهذه الغرفة لمن
حيث اشار صلاح الى الغرفة التي تجاور غرفتهم عندها ضحك كوركيس وردد
- انها ليوسف ..... الصديق الحميم لابو اكرم بامكانك معرفته لو نظرت الى ما
في غرفته و ما يوجد تحت السلم
- تقصد قناني المستكي الفارغة اين هو وماذا يعمل
- يتمتع باجازته الشهرية التي تنتهي نهاية هذا الاسبوع ياتي في اليوم الذي ساغادر فيه يعمل مسؤول حسابات في مديرية الناحية
-وهل يستطيع ادارة حسابات الناحية مع كل هذه القناني التي يفرغها في جوفه
وتستنزف عمره
- لايختلف بشىء عن صاحبه ابو اكرم ينجز عمله باتقان لايمكن ان يظاهيه فيه
احد ويقضي مع صاحبه ليالي يتناولا المستكي
تحت البرحية اذا ما بدأا بقنينة يقضيان عليها ويتحرشا بالاخرى دون ان يرف لهم حاجب
بعد تناولهم الغذاء بدا كوركيس برش الباحة و الغرفة باكثر من عشر جرادل ومع
دوران المروحة عبق الجو برائحة طابوق الفرشي وسرت برودة جعلت الخدر يتسلل
اليه فاستلقى على السرير بالكاد يفتح جفنه
وتاهت كلمات كوركيس وابراهيم ولم يعد يفهم ما يدور من حديث واستغرق في نوم عميق
بعد يوم حافل ومرت اكثر من اربع ساعات عندها استيقظ حيث وجد نفسه وسط عتمة الغرفة بعد ان اختفى ضياء النهار الذي كان ينفذ
من فتحات النافذة وقد ساد الهدوء نهض من السرير اوقد المصباح خرج من الغرفة تجول
في الدار لااثر لكوركيس وابراهيم اراد الخروج غير انه ما زال يجهل التجوال في دروب
هذه البلدة لذا اثر ان يغسل وجهه و يشرب قدحا من الشاي ويستغرق في قراءة رواية
وينتظر قدومهما مضت اكثر من ساعة وسمع ضحكة كوركيس وصوت ابراهيم في الشارع ثم
انتبه اليهما وهم يفتحو الباب
- بالله عليكم اين كنتما
- ذهبنا الى مطعم زاهد تناولنا
العشاء وجلبنا لك عشائك ولم نشأ ان نوقضك وانت غارق في نوم عميق هه ما رايك بتبريد
كوركيس
- انه اكثر من رائع كيف خطرت على بالك هذه الفكرة
- الامر في غاية البساطة البيت تظلله البرحية والجدران سميكة و من الفرشي
وكذلك الارضية والسقف عال كما ترى والسطح
مكسو باللبن يكفي رش الارضية مع حركة المروحة لتتحول سموم تموز الى نسمات باردة
مثل هذا البناء هو الشكل الملائم لاجواءنا هكذا عاش اباءنا منذ مئات السنين كلما
كانت الجدران سميكة يظللها سعف النخيل لا يتاثر البيت بلهيب اب وتموز
- على ما اذكر لم يكن اي بيت في بغداد القديمة يخلو من نخلة اوشجرة سدر
- هكذا هو الامر منذ الاف السنين اجدادنا فهمو طبيعة البيئة التي يعيشونها
انها صحراء بنهرين و قلة في
الامطار وصيف طويل بلهيب لايرحم
- من دجن هذه الشجرة عبقري بحق لانه خلق ظروف ملائمة للحياة ايقن الاخرون انها مقاومة عنيدة لا ينال منها صيفنا الحارق
وتنشر ظلال للبشر والنبات والحيوان لا تحتاج الى رعاية وسقي لاكثر من عامين وبعد
ذلك تعتمد على نفسها حيث توغل جذورها عميقا في التربة.... كما ان كل ما فيها يعطي
فائدة لا يمكن لغيرها من الشجر ان ينافسها فهي
كالام بالنسبة للاشجار
الصغيرة تظللها وتحميها من لهيب الشمس
بريشها الاخضر اليانع وجذوعها القوية المنتصبة وتصنع الاسرة والاثاث ..... نشوي
الخبز من سعفها اليابس وياكل الانسان والحيوان من تمرها ويشرب يوسف
وابو اكرم من رحيقها كما تسقف البيوت من
جذوعها انها حضارة النخيل الخيال الخصب لكل من فكر بالفردوس لا تختفي الا بعيب في
سلوكنا
ويقال ان الجنائن المعلقة لم تصبح معلقة الا بجهد وذكاء العاملين الذين
صنعو جبل هائل بتكديس الاف الاطنان من التربة الخصبة واحاطوه بالاف من اشجار
النخيل التي وفرت ظلال حجبت اكثر من ثلثي اشعة الشمس في الايام القائظة ووفرت نسبة
تزيد على النصف من الرطوبة وقللت تبخرها
مما ساعد على زراعة كثيفة لنباتات استوائية نادرة لمختلف اشجار الفاكهة
والازهار....... .مع بقاء مياه السقي
لاطول فترة من خلال ظلالها الوارفة
وعلاوة على زراعة النخيل شقت الانهر الصغيرة لتخترق المدن كما هو الحال في بغداد زمن الرشيد
وبنيت البيوت باسقف عالية من القبب اوطابق علوي مع سرداب وازقة ضيقة انهم تعاملو
مع الطبيعة المتطرفة باسلوب عبقري
- انك عاشق لتلك الشجرة
- انها عماتنا كما ورد في كتابكم
لذا يجب محاسبة من يقطعها شرعا
وقانونا صدقني لو زرعناها في كل مكان لما
بقي فقير في البلد واستغنينا عن قيء الشيطان الذي بدا يلوث الاجواء والعقول وهاهي
براميله المصدرة تجمع حولها الاف من شذاد الافاق الطامعين بمزايا ومكاسب سلطة يستهترون بها لانها تدر عليهم ملايين
الدولارات دون عناء والثروة التي تأتي دون عناء تعطي جرعة من السفاهة و النذالة
يطغى بها صاحبها و يستهتر ليستخدمها في التنكيل
واذلال الشرفاء من ابناء جلدته
ويحض الجهلة والغوغاءعلى التكاثر كالارانب
ليزج بابنائهم في فتوحات يحلم بها مقابل هبات من يحجب ثلاث وجبات ليعطيك نصف وجبة
تفرح بها وتمجده
- بالمناسبة كم الثمن
- لاعليك انت اليوم ضيفنا وحق الضيف
ثلاثة ايام
بعد تناول العشاء فتح صلاح حقيبته ليخرج ملابسه ومجموعة من الكتب صفها الى
الطاولة جانب سريره وبينما هو مستغرق في ذلك سمع كوركيس
- مازلت تحمل معك كتبك الا تكف عن ذلك انا متاكد بان المساحة التي تشغلها
هذه الكتب في حقيبتك هي اكبر من المساحة التي تشغلها ملابسك ... هنا بامكانك ان تكف عن ذلك المكتبة العامة
.ليست بعيدن عنا وهي مليئة بمئات العناوين
من الكتب التي ترغب في قراءتها ومن يشرف عليها عصام صاحب يوسف لا ينفك عن زيارته
بين حين واخر بامكانك التعرف عليه فهو طيب
بكل ما تعنيه الكلمة
-جيد يمكنه ان يخفف عني حمل ما هو متشابه
-بالمناسبة ما اخبار طوني اقاربك صاحب مكتبة كورونيت
مررت به اكثر من مرة لابحث عن بقية
الاعداد لمجلة المعرفة الانكليزية وفهم
العلوم والعالم العملي وفي كل مرة اجد المكتبة موصدة الابواب
- باع كل ما فيها جملة وتقدر باكثر من مائة الف كتاب ومجلة اجنبية ثم باع
المكان لاثنين احدهم ينوي تحويله لمطعم و مشروبات
والاخر لبيع الملابس الداخلية الرجالية
وهاجر منذ اكثر من شهر
صاح صلاح غير مصدق
- ماذ تقول لابد انك تمزح لم يبلغني بذلك
- لم يشأ أن يخبر احد من معارفه كما تعرف تم منع الاستيراد الخاص واقتصر الامر على المكتبة
الوطنية التي تجاور سينما النصر
- اعلم ذلك انها بداية الحجر على العقول وابلغني بان هناك مراقبة امنية على
المكتبة التي تجاور سينما السندباد
اقصد مكتبة الحزب الشيوعي
- عليك بالحذر ولا تقترب منها يقال
ان هنالك مخبرين نصبو كاميرات في العمارة التي تواجهها عبر شارع السعدون لالتقاط
صور الداخلين والخارجين منها
- على اية حال لم اعد اذهب الى هناك لدي ذخيرة جيدة من طبعات دار التقدم
في موسكو تتجاوز المائة كتاب حصلت عليها وباسعار لا تقارن بمضمونها وجودة طباعتها
ولم يعد هناك ما يستحق المجازفة
نظر كوركيس الى ابراهيم واسترسل في حديثه
- من ايام المتوسطة المجلات التي يحملها اكثر من الدفاتر والكتب المدرسية
غرفته مليئة بالاف منها
-وما الفائدة التي تجنيها من هذه
الاكوام المكدسة والتي تزدحم بها غرفتك
قالها ابراهيم وهو يتهيأ للصلاة بعد ان مسح جبهته حاملا السجادة يبحث عن
التربة عند حافة الشباك
- سمع صلاح يردد
- هي حواري الصامت بها..... احيا غنيا دون ان اموت فقيرا وهي الفأس التي
تشذب شجرة العقل ليتزين وتقطع ما علق من اغصان لافائدة منها ...... كما انها ارخص سياحة بامكانك ان تتجول في
صفحاتها وبين سطورها وتتعرف على اماكن
وامم عبر تاريخ زاخر بالاحداث تجعلك محايدا تعرف ما حدث في الماضي والحاضر
بموضوعية..... وتزودك بذخيرة لا بأس بها
لمعرفة المستقبل
جاوزت الساعة الحادية
عشر وفيما كان صلاح مستغرقا في قراءة الرواية التي بين يديه وابراهيم ينصت الى
الراديو من خلال السماعة المحشورة في اذنه
مستلقيا واضعا يديه خلف راسه وكوركيس
بعد ان سقي الورود جلس في الباحة صامتا مستغرقا في تاملاته غارقا بافكاره غير انه نهض فجاة ودخل
الغرفة طاويا الفراش والاغطية مردد
- صلاح بامكانك حمل
فراشك والصعود الى السطح حيث الهواء العليل
- لاباس اصعد بعدقليل
ثم تابع وانت ابراهيم
لم ينتبه في بداية
الامر ثم نظر الى كوركيس وازاح السماعة عن اذنه وردد
-لااريد الصعود الى السطح انام في الغرفة
ابتسم كوركيس وردد
بصوت لم يسمعه ابراهيم بعد ان اعاد السماعة
الى اذنه
- لاشك انها زائرة الفجر
استمر ابراهيم يستمع
الى المذياع عبرالسماعة دون أن ينتبه لما لمح له كوركيس بينما سمع صلاح وهو مستغرق
في مطالعة الكتاب الذي كان بين يديه ما نطق به كوركيس دون ان يفهم قصده .
وبعد اكثر من نصف ساعة
صعد صلاح حاملا فراشه وعند السطح وجد كوركيس مستغرقا في نوم عميق وقد علا شخيره
وعن الجانب الاخر فرش ما يحمله واستلقى يتامل الاف النجوم التمعت في سماء صافية
غاب عنها القمر ونسمات لطيفة وباردة تهب من النهر الذي لايبعد اكثر من مائة متر
تداعب وريقات السعف التي تدلت على السوروخرج بعضها من بين قضبان الحديد لاتبعد عن
وجهه حيث هو مستلقي فاهتزت وكانها تهمس في اذنه حكايات قبل النوم واطمانت نفسه الى
تلك الصحبة وزال غم الغربة لاول ليلة يقضيها بعيدا عن الاهل في بيت الاحزان هذا الذي عمدته ماساة ميرزة وعائلته وصوت من
بعيد بالكاد يسمعه لام كلثوم يصدح
برباعيات الخيام
النزع الاخير من الليل
وقبل الفجر حيث الظلمة تلفظ انفاسها الاخيرة وبالكاد ضوء الفانوس يزاحم الظلمة في باحة البيت استيقظ
ليفرغ ما في مثانته ونزل اربع درجات ووقف ينصت الى همس يصدر من الحمام
وقف كالصنم وسكنت كل حركة في جسده سوى دقات قلبه ينتظر ليرى ما الذي يجري كان في
مكان لايمكن لمن في الاسفل ان يراه حيث حجب بسقف من الواح خشبية صفت لتحجب الحمام
عن النازل من السطح وماهي الا ثوان حتى خرجت امرأة قصيرة بدينة اجتازت الثلاثين عارية استحمت للتو غطى
شعرها المبلول نصف ظهرها بصدرعامر كبير
وخلفية اكبر وكانها صنم لالهة بدائية دبت فيه الحياة واسرعت لتختفي عند الممر دون
ان يغطيها شيء وللتو تذكر ماسمع من كوركيس عن زائرة الفجر تحركت قدماه بحذر متراجعا عائدا من حيث اتى يصعد درجات السلم الواحدة تلو
الاخرى دون ان يستدير ليستلقي في فراشه متحملا ما هو فيه دون ان يصدر اي صوت . ينصت الى ما يجري تحت وبعد ربع ساعة سمع الباب
الرئيسي يغلق وراى من خلف فتحة السور وسط العتمة شبح لامراة تبتعد
حاملة على راسها طبق اصطفت عليه قدور ليبتلعها اخر ما تبقى من الظلام في
النزع الاخير من ليل حالك السواد في بلدة
ضوء الفانوس في مثل هذه الاوقات يخشى ان يدلع لسانه من فتحة الباب لانه اشد وقعا
على صاحبه من الوباء عندها ايقن بان اللقاء
السري انتهى تنفس الصعدا واسرع للتخلص مما
يضايقه
ممع
مرور الايام انفرجت اسارير صلاح وبدا بالتحول الى مناكد يكيل الشتائم بمزاح
ثقيل وينتظر رد فعل سويلم الذي حاول
التقرب منه لينال منه كما تعود ان يفعل مع
كل قادم جديد لذا اثر الابتعاد خوفا وعرف من في الثانوية ان صلاح تختبا وراء سعة
اطلاعه وثقافته شخصية مشاكسة شرسة بمزاحها
الثقيل ولا يتورع ان يبداها بلسان يكيل الشتائم ثم يمهد لضم قبضته وكيل اللكمات
لخصمه مهما كان هذا الخصم اذا اساء التصرف تجاهه او اتجاه من يودهم لذا بدا لمن
يعرفه جيدا ضرورة ان يتجنبه او يتملقه غير ان نصب عينيه كان سويلم الذي تحول مع
مرور الايام الى جرذ مبلل يثير الشفقة بعدما ذاق عدة صفعات و رفسات من صلاح بسبب
او دونه ووصل الامرالى معاملته كخادم ذليل واكتفى سويلم بالصمت والجلوس عند باب
العيادة لايجرؤ حتى على رفع صوته خائفا من ان يسمعه ذلك البلاء الذي متى ما يراه
كانه يرى ملك الموت
وفي احد الايام وبعد
نوم لاكثر من ثلاث ساعات نهض صلاح كانت العتمة تزحف للتو في ارجاء الغرفة وقف وسطها .... الفراش مشوشا والوسادة بدات
عليها اثار راسه وبجوار السرير منضدة عليها مجموعة من الكتب وعلبة معدنية امتلات
باعقاب السكائر وتوسطت الغرفة سجادة قديمة اهترات حوافها دخل يوسف وانار المكان
زخات متقطعة من مطر
غزير يهطل ثم يسود هدوء تعقبه اصوات متعاقبة لرعد يصم الاذان .... مدفاة علاء
الدين تنشر الدفا وقد بدا يوسف كعادته يمهد لليلة يحتسي فيها من
المستكي ..ساد الهدوء لدقائق و انبرى صلاح مستغرقا بقراءة رواية ولايود ان يشارك يوسف فيما هو فيه بل اكتفي
بنظرة عابرة الى ما يفعل دون التعليق و حاجز من الصمت المطبق ساد جو الغرفة اما ابراهيم غادرهم الى المقهى حيث محمد مدير
الاعدادية ومنير استاذ اللغة الانكليزية بعد ان تركو الباحة التي تتوسطها البرحية
مع حلول الشتاء لبرودة المكان واحتمو بالغرفة
وبينما هم على هذه
الحال سمعو الباب يفتح وبعدها اطل ابو اكرم
وقد نال المطر من بدلته الاثيرة فروة السبع كما يطلق عليها ابراهيم وراسه
مبلولا مما اثار استغراب من في الغرفة واسرع صلاح يناوله المنشفة ويطلب منه خلع
سترته وبنطاله.... نزع ما يرتدته سوى لباسه الداخلي
عندها نظر صلاح اليه
خلسة وكانه يراه لاول مرة كان هزيلا بشكل لا يوصف هو اقرب الى المومياء منه الى
شخص يسير على قدمين جسد غادره اللحم والشحم منذ زمن بعيد ولم يبق سوى عظام يغطيها
جلد اسمر مزرق بزرقة الاموات
وسرعان ما انتبه يوسف
الى الدهشة المرسومة على وجه صلاح والذي بالكاد حاول يخفيها فبادره مبتسما
- غاندي العراق
عقب ابو اكرم وهو يجلس
القرفصاء وكانه مومياء من كهوف البيرو مادا يديه ملتمسا الدفا عند قمة المدفاة
القديمة بلهبها الذي يشع ليومض صفرة وزرقة
- من يجرؤ ليكون غاندي
في تلك الارض التي تقضم الشرفاء وتبصقهم قبل ان يتفوهو بكلمة حق في وجه الجور
..... ..... وقف غاندي بجراة ليواجه خصم
ذو سلوك مهذب ولولا الديمقراطية العريقة للشعب البريطاني لما ورد في
التاريخ اسم ذلك المحامي الهارب من عنصرية الجنوب الافريقي
وبعدها صمت للحظات ثم
استانف حديثه
- لم اجرؤ على السير
وسط احتفالات السماء الضوئية والصوتية ثم المائية خرجت من المدرسة قاصدا القلعة
واردت ان اتحايل عليهاغير انها انتبهت لما
اردت فعله فصبت علي بمزاح ثقيل مطرا مدرارا
دون توقف وانا وسط العراء والبلدة ورائي لذا اسرعت بالعودة قاصدا بيتكم محتميا
بدياركم طامعا بكرمكم
-على الرحب والسعة عم
ابو اكرم ما رايك بكوب من الشاي يدفاك
غير ان ابو اكرم قاطعه
مبتسما
- ولم الشاي طالما
مستكي يوسف موجود
عندها شمر يوسف عن
ساعديه وهو جالس الى سرير ابراهيم وامامه منضدة انتصبت عليها زجاجة ممتلأة ازال غطاءها وملا الكاس دون ان يضيف شيء من
الماء وناوله الى ابو اكرم الذي تناولها
بجرعة قضى على نصف ما في الكاس وصلاح يحاول ان يغطي عريه بشرشف ...لملم ابو اكرم
الشرشف حوله وجلس متكئا الى حافة السرير بجانب يوسف حيث بدا الدفأ يسري الى جسده
وسال
- اين صاحبكم
-منزويا في ركن عند
مقهى فرهاد يلعب الطاولي مع محمد
- الا يكف عن القمار
-عندما يكف عن النساء
-لا عليك للعائلة قيود
غير مرئية
المراة والطفل يجعلونك
تخاف الموت وترضخ لناموس الحياة انهم قيود يجعلونك تمتلكهم ليفعلو بك ما
يشاؤون لولاهم لما كانت هنالك حروب
وامبراطوريات و ديكتاتوريات تحكم .
بالعائلة يكون الوطن
وللوطن حدود وعلى من يسكن داخل الحدود ان يدافع عنها ولاشرف لمن لا يدافع عن وطنه
وتلك الامور كافية لاشعال جذوة الحروب على مدى التاريخ
والا الرجل بطبيعته غير مدني يميل الى الفوضى هكذا هو
منذ اكثر من خمسمائة الف سنة متناغما مع ما هو موجود من حوله يميل الى الصراع
والفتك لاشباع حاجاته الفردية من جنس وطعام ومتى ما وصل ارذل العمر ازاحه احد
اولاده ليتبوأ مركزه حتى جاء عصر التجمع والاحتماء بالاسوار ليولد التنظيم القسري
عبر العائلة ثم تولد الاقليمية وترسم الحدود ويخترع النحاس ثم الحديد و البارود و تظهر الاديان وتسطر الروايات
الرومانسية وتنظم الجيوش ليبدا عصر الحروب منذ اكثر من خمسة الاف سنه وحتى يومنا
هذا بدل ان يسعى الفرد لاشباع رغباته سعت
الملايين لاشباع رغبة فرد واحد سرعان ما يؤله نفسه من خلال الاطراء والمديح
للمتملقين من حوله ويزج بالجميع في محرقة الدفاع عن الوطن ومنجزات الوطن او يظهر
اخر ليشعل ثورة للانقضاض على الطاغية و ليحل مكانه و يتمتع بمزاياه هكذا هي الامور
العالم يسير في حلقة مفرغة والامور تزداد سوءا مع هذا التطور المرعب الذي بدا منذ
مائة عام وما يزال يتقدم باضطراد وكان الامر خرج عن السيطرة
اكمل صلاح حديثه ونهض كانه ينوي الخروج
- الديمقراطيه بامكانها ان تكبح مثل هؤلاء
- ساذج من يؤمن بذلك..... الديقراطيه سلوك وجد طريقه خلال القرنين
المنصرمين ليقوم من سلوك البدائية الساكن
في اعماقنا منذ ازمنه سحيقة تمتد لمئات
الاف من السنين الغارقة بالوحوشية المرعبة وبالطبع هي غير قادرة على ذلك لاننا بها
نختار بين ناكر ونكير ولكنها مع ذلك اهون
الشرين انها تجمع الاصوات من الفقراء والمال من الاغنياء بحجة حماية كل منهم من
الاخر...اما السلوك المهذب لدينا هو ليس اكثر من جبل الجليد الظاهر فوق سطح الماء
بل الاكثر من ذلك ان الديمقراطيه هو سلوك مهذب ظاهريا و خبيث او خنثي يخدع بعض الحالمين انفسهم بها وقد وظفته امريكا
ليسخر في خدمة الاثرياء واكثرهم من اليهود
تلك الكائنات المصممة لجمع المال على مدى
التاريخ والكثير حاول ان يشابههم في ذلك غير انه لم ينجح على المدى الطويل وقد سعت
الامبراطوريات الحديثة من خلالهم لحماية مصالحها عبر الصفقات الجهنمية او ليس هو
حكم الاغلبية ..... الامرلا يختلف عن قطيع
الاكثرية من الذئاب يحسمون امرهم مع الاقلية من الخراف عما سياكلون وقت
العشاء ثم ان من يؤمن بالديمقراطية لحل النزاعات واهم .........درء الخطر لا يتم
الا بما تملك من وسائل فتاكة ترهب بها عدوك وهذه الوسائل قائمة طويلة ليس بينها
شيء اسمه الديمقراطية .
القوة هي الوسيلة الوحيدة منذ القدم وستبقى لتحسم بقاء الفرد او المجتمع
- الى اين في هذا الجو العاصف
-اعتقد ان السماء تنوي ان ترمي بما تبقى من ثقلها رذاذا احب السير
تحته
-هل سمعت ما يدور من احاديث
نظر صلاح وابو اكرم الى يوسف بعيون يملاها الترقب
ماذا هنالك قالها ابو اكرم
عندها اجاب يوسف
-هنالك انباء متضاربة عما يحدث بايران
عقب ابو اكرم
- انها بداية ثورة عارمة المظاهرات تعم المدن لايستطيع الجيش ان يقف بوجهها
بعد ان عجز رجال الامن والشرطة
لم يبق هذا الشاه المتبجح الارعن شيء طيب في نفوس امته... بسطوته وبذخه وحرمان الاغلبية من حقوقهم ادخل
ايران دوامة عنف لها بداية وليس لها نهاية
- يقولون ان هنالك شخص معمم ملات صوره جدران الشوارع في اوربا
-انه بركان سيقذف بحممه على من حوله
-وسيل الحمم بلا شك سيجد طريقه الى هذا الوادي البائس سيء الحظ
-وما عسانا ان نفعل
- لاشيء سوى الترقب و الانتظاراو الفرار مما يخطط له صدام لمواجهة سيل
الحمم القادمة من ايران.......لان الترقب يجعلنا رهن الاشارة عندما يامر القائد
بالدفاع عن الوطن
-لم يعد هنالك شيء اسوا مما نحن فيه
- الايام السيئة تلك التي لم نراها بعد
قالها صلاح وتركهم يتمتعو بما لديهم وخرج فاتحا الباب مستنشقا هواء باردا
مشبعا برذاذ المطر الذي بدا يهطل للتو وعينه شاخصة الى السماء التي تلبدت بغيوم
تقطعت اوصالها تشق طريقها مسرعة نحو الجنوب وقد توسطها قمرا مكتملا يشع بضوئه
الباهت وسط الظلمة والضباب وقدكسى الطريق
غموض ووحشة وظهرت رؤوس اشجار النخيل والحمضيات من وراء السياج الذي يعلو لاكثر من
اربعة امتار بمنظر سحري يخلب الالباب وقطرات تتساقط من اوراقها
امعن في السير دون وجل او خوف ورهبة غير انه سمع فجاة وقع اقدام تتخبط في
برك الماء و تسرع لتختفي في الزقاق الضيق امعن في ذلك الشخص الذي سرعان ما لفته
الظلمة شبح طويل هزيل لم ينتبه الى وجوده في بداية الامر وايقن ان الامر يبعث على
الريبة انه لاشك كان قريبا منه عند خروجه من البيت بل على بعد خطوات منه وصل الى
بداية ذلك الزقاق نظر بتمعن كانت الظلمة تلف المكان وكانه فتحة لكهف مظلم دخل
الزقاق وسار بحذر وسط الاوحال وقد استنفر كل حواسه وقطع الطريق ليجد نفسه عند
الشارع المحاذي لدجلة وتسائل مع نفسه اين اختفى بهذه السرعة وايقن بانه كان ينصت
الى ما يدور من حديث خلف النافذة وراودته الشكوك وقال مع نفسه لاشك انه انطلق
هاربا بعد خروجه من الغرفة
عاد مرة اخرى ليدخل
ذلك الزقاق ويعود من حيث اتى هبت ريح باردة واكفهرت السماء مرة اخرى وحشدت غيومها
لمنازلة اخرى ومع الظلمة ازداد الضباب شيء فشيء اشعل سيكارته اومضت السماء كاشفة
عن ابنية منخفضة داكنة صغيرة بائسة على جانبيه وقد تراصت و استندت بعضها الى بعض سار بحذر يلتمس بقدميه طريق موحل يخشى الانزلاق وعند منتصف ذلك الزقاق
استرعى انتباهه ضياء لباب نصف مشرعة لم يراها عند دخوله وكانها شرعت بعد مروره وعند اقترابه تناهى الى
سمعه صوت سعال حاد متواصل ثم همس ولغط لصوت انثى ورضيع يبكي لم يعر اهتماما للامر
غير انه وامام الباب الخشبية القديمة التي صفت اخشابها بغير عناية شاهد بقعة
موحلة اراد ان يجتازها وبينما هو يحاول
ذلك فغر فاهه امام منظر وكانه لا يصدق ما
يرى ووقف مشدوها وعيونه شاخصة انها فريدة لايشك بذلك للحظة وهذا هو مهجعها جلست
وامامها طشت وقد كومت ثوبها في حجرها وكشفت عن افخاذهاوقد ارتدت ثوبا اخضر اتسعت
فتحة الصدر بحيث ابدى مابين النهدين وتمادى ليكشف عن الحلمة بوضوح وجلاء كانت
امامه شبه عارية لم يكن يتوقعها بهذا النضج و الامتلاء وقف مبهوتا للحظة وهو يرى
تلك الصهباء بجسدها البض الابيض المشع رغبة والتقت عيونها الزرقاء بعيونه انها
هيلين طروادة قد اتى بها اسيرة الى هذا المكان البائس امثالها يسكنو القصور يامرون وينهون ومضت لحظة
وهو لاينبس ببنة شفة وحاولت ان تغطي جزء من عريها بلا اهتمام وهي تنظر اليه بجراة
قائلة بلكنة اعجمية
- ما بك..... تكلم ما الذي تريد.......... ما الذي جاء بك في هذه الساعة
تلعثم وهو يحاول الرد على اسئلتها
لا ..... لاشيء
.....
وفي اليوم
التالي قبل الغروب خرج ابراهيم الى المقهى
للعب طاولة النرد كعادته والتي كان
يعشقها خصوصا عند ملاقاة خصمه اللدود استاذ محمد مدير الثانوية وبعده بنصف ساعة خرج صلاح مع كوركيس للتمتع بمنظر الغروب عند النهروالسير بمحاذاته . وقبل ذلك توجها الى المقهى وهناك تعرف
الى المدير . وتبادلا اطراف الحديث وبعد
نصف ساعة غادرا المقهى و مباراة حامية
للتو بدات ......توجها حيث النهر وبالقرب من العبارة التي ما انفكت تزاول
عملها قاطعة عرض النهر ذهابا وايابا جلسا وقد ادارا ظهرهما لها يتاملان . الشمس
وهي تكاد تلامس الافق نهاية الطريق الزراعي الذي يمتد بمحاذاة النهر ويلتوي معه
ومن البعد تصاعد الغبار خلف سيارة شحن كانت تشق طريقها مبتعدة وهي تسلك الطريق الترابي مختفية خلف الاشجار وسرعان ما
همد الغبار وعاد الافق يصطبغ باللون البرتقالي وبدات زرقة السماء تنحسر تدريجيا
امام اللون الرمادي القادم من الشرق لينعكس على المياه المنسابة بهدوء والمتجهة
جنوبا ولا يعكر هدوءها سوى دوران المراوح تحت سطح الماء و التي تحرك هذه الكتلة
الحديدية الهرمة الهائلة التي لايكف
محركها عن الزئير التفت كوركيس الى صلاح مرددا
- اعتقد ان الامور على ما يرام
نظر اليه صلاح و كان ساهما لم ينتبه الى السؤال
- ماذا
- اقصد انها
المرة الاولى التي تسافر خارج بغداد و
للعمل .
يمكن تأجيل سفري الى ما بعد الغد
اذا كنت تواجه صعوبات في التكيف مع واقعك الجديد
- كلا على الاطلاق الامر لايتعدى اكثر من المحاضرات والعودة الى المأوى الذي وجدته بفضلك
يا صاحبي وها انذا اعرف المدير ايضا وعلى
ما يبدو انه شخص رائع.... . .
- غدا تنتهي اجازة يوسف اردت ان اقول لك شيئا احب ان
تسمعه مني قبل ان تسمعه من غيري انه يفرط في الشرب ولايكف عن ذلك كل ليلة ربما يصر
على مشاركتك اياه بعد ان تتوطد معرفتك به ارجو ان لاتجاريه فيما يفعله هو و ابو
اكرم
ابتسم صلاح وردد
- من يتصور
مسيحي ينصح مسلم باجتناب
الخمر
- تعودنا ان نشربه باعتدال .لذا تغلبنا عليه . .....وهذا
ما جعل البعض منا يبيعه ولا يدمن كما
يفعل الكثير منكم مثل ابو اكرم
- للمرة الثانية
اسمعك تردد ابو اكرم .
ا ستدار كوركيس
وشخص بصره الى العبارة مما جعل صلاح يشاركه اهتمامه بالنظر كذلك اليها متسائلا
- ماذا هنالك
- لاشيء كنت اود ان تتعرف عليه
- تقصد ابو اكرم وماذا يعمل هناك ؟؟؟؟
- انه زميلك
مدرس اللغة العربية والتاريخ عادة ما يكون في العبارة او عتد نهاية السلم الخرساني قرب الجرف اعتقد انه قد غادر الى داره
- ماذا ومالذي يفعله في العبارة
- يطيب له الاحتساء من الربعية التي يخباها في جيب سترته مع قطعة من جبنة الكرافت . متاملا
جريان النهر ولا يابه بمن حوله
- اذا لم اكن
مخطئا اعتقد اني رايت ذلك الرجل في العبارة عند قدومي الى البلدة
اسمر بانف صقري وعيون صغيرة تحتمي وراء عدسات سميكة.....
قصير نحيف ابيض الشعر كث الشارب يغطس في
بدلة بنية قديمة وربطة عنق حمراء استحالت الى ورقة سمراء من كثر ما مرت عليها
المكواة
- بالضبط انه هو
ثم صمت كوركيس
ولم يشأ ان يدخل في التفاصيل وكانه اراد ترك تقييم هذا الكائن للقادم من الايام
ولم يشأ صلاح ان يعرف اكثر مما عرفه غير انه سأل وكانه اراد ان يسمع من الذي
بجانبه قضايا تشغل باله
- وابراهيم كيف يتحمل تصرفات يوسف
- بالرغم من اختلافهما في كل شيء الا انهما توافقا ان
يعيشا تحت سقف واحد.... يوسف يخشى من زوار
الفجر بعدما تورط بانتماء سابق للحزب
الشيوعي ودفع ثمن ذلك اسبوع في اقبية
التعذيب بمديرية الامن واختفاؤه هناك طيلة هذه المدة جعلته شديد الحذر في الخوض بالمسائل السياسية غير انه احيانا وعندما يستفز
بعد عدة كؤوس وفي مجالسه الخاصة تفلت منه بعض العبارات التي تفضح انتماؤه السابق
غير انك لا تستطيع ان تعرف منه ما حدث له طيلة الاسبوع الذي اختفى فيه فهو ما زال
وسيبقى لايرغب بالكلام عن ذلك حتى لاقرب الناس اليه....... و ابراهيم على العكس منه
ينتظر بلهفة و قلق زائرة الفجر ليفوز بمضاجعتها تزوره كل اسبوع كل منهما لديه خوف يشغله عن
الاخر
عندها انتبه صلاح الى تلميحات كوركيس وعقب قائلا
- شاهدت قبل يومين ما يثبت صحة ما تقول
- ماذا هل.......
- خرجت من الحمام مسرعة بجسد قمحي عارية قصيرة
بدينة يتقدمها صدر هائل وخلفها عجز مثله
يعلوان وينخفضان وكانها الهة بدائية دبت
فيها الحياة للتو الماء يقطر من
جسدها . مجتازة الباحة الى الغرفة
لم يستطع كوركيس ان يكتم ضحكة
ادمعت عينيه وردد
- انت الان بين ملحد سكير ماانفك يتفوه احيانا ورغما عنه بما يغيض السلطة بسعة اطلاعه
وغزارة مفرداته التي تخرج عندما يعب عدة كؤوس من العرق بصحبة ابو اكرم الماكنة
الهرمة التي لاتسير الا بجرعات من العرق
واخر مولع بالنساء عليم بمن ترغب
بالغواية . و لاتستطيع ان تقاوم ما تفرضه غريزتها
ولا يطيب له الاممارسة الحب في جنح الظلام بالرغم من اقامته للفروض . على اي حال
كلاهما يمارسان سلوك ينذر بعواقب وخيمة احدهما يتصرف بما يغيض السلطة
والاخر بما يغيض العرف والتقاليد ربما اذا
استمر الامر هكذا سيدفعان الثمن اجلا ام عاجلا انهما في المقلاة واذا قفزا لم يجدا
غير النار
عندها ساله صلاح
- العاملين في البلدة
من مدرسين والعاملين بالمركز الصحي ما رايك بهم
- د خليل لاحولة ولا قوة كل همه هو مهادنة سويلم وتلبية
طلباته من حقن السوسيكون المخدرة بوصفات
يجمعها مع جفات عامل الخدمة في مكان في المقبرة ليبيعها في الكوت بالاشتراك مع جبار المضمد
- ما اغرب تصرفاتكم ايها الذميون تعرفون كل ما يدور في
السر ولا يستطيع احد ان يضاهيكم في ذلك
ومع ذلك لا تتكلمو الا مع بعضكم ونادرا مع من تثقون به .....تقصد سويلم هذا
المصدور الذي يقف عند باب العيادة
- .. ........امثاله كثيرون يرتضو بالذل ويعيشو على
المزابل كالخنازير .. .يمتهنو الخيانة ولا يطالبو بحقهم بل يتوسلو لاقراضهم حتى يتسولو
هذا الفيلي كان سببا في تهجير ابناء جلدته ومخبرا يرشد السلطات الى مكان اختباءهم ليتم سوقهم
كالعبيد الى مصير مجهول عبر الحدود
انه صبي فاسد مثل الكثيرين الذين يعج بهم مجتمعك وهو
نتاج لحقب متتالية من القسوة قتلت ادميته
امثاله لو امطرت السماء حرية فتحو المظلات
عليك بتجنبه و لا تعطيه فرصة ليوطد معرفته بك لانه يسعى
الى معرفة ما يدور في دواخلك انه عين المنظمة في البلدة.
لوطيا بمحظ
ارادته .....و لجفات فقط منذ نعومة اظافره..شريكه في جمع السوسيكون .....رايتهم
بوضع شاذ يثير الاشمئزاز وعلى سرير الفحص
في غرفة الدكتور
- هل د خليل وابراهيم ود فائز على علم بذلك
- الجميع على علم غير ان كل منهم لديه من الاسرار ما يجعله
يصمت عن الباقين
- ود خليل ما الذي يجعله صامتا على ما يدور من حوله
- انه مغلوب على امره راض بما يتمتع به من مزايا يحلم
بها اي شخص غيره .....زوجته مديرة للمدرسة ويسكن بالمجان دار حكومية جيدة وخلفه في
كركوك وبالذات في محلة تسعين حكاية تؤرقه.... سويلم ومن معه على علم بها
- ما هي
- احد اخوته القي القبض عليه في احداث خان النص وحكم
عليه بالاعدام وانت تعرف ما يعني ذلك
لذا هنالك نوع من الابتزاز فسويلم هو الشخص الذي يستطيع
ان يجعلك في مناى عن اى استجواب لانه شخص يعتد برايه في المنظمة
ساد صمت عميق وتسائل صلاح مع نفسه انها فترة لا تتعدى الثلاث ايام وعرف عن هذا المكان
اشياء دثرتها احقاد لم تدع فسحة حتى لنور عكر بالكاد ينبض لانسانية دمرهاالخوف عبر
قرون من الغزو روي عنها اشياء لايمكن لعاقل ان يصدقها بالرغم من انها حدثت بدات من
كورش الاول واحتلاله لبابل الاكدية والامعان بقتل رجالها واستحياء نساءها وبعده
الاسكندر وما فعله بالاخمينيين وهروب كورش واحتلال بابل وفعل ما فعله كورش الاول
ثم مجيء الساسانيين ونهايتهم على يد عرب الردة بعد ان تخلص منهم ابا بكر بزجهم في
حروب فتح العراق ثم جمع الموالين وزجهم في فتوحات اسيا بعد سنين من التنكيل بهم
وصلت الى حد نهب دورهم فكان عربي الردة الفاتح للعراق و القادم تحت امرة سعد ابن
ابي وقاص لايكتفي باخذ فرس الموالي بل
ياخذ زوجته ويبيع ابناءه ويحمله ما سلب من متاعه........وبعد مقتل عثمان وقدوم علي
الى الكوفة بدا معاوية يخطط لازاحة بني هاشم من طريقه ليتسنى له الانفراد بالسلطة
وبدأ
التنازع على
الخلافة بين معاوية وعلي والفتنة الكبرى والثورات المتعاقبة في فترة حكم الامويين
وبطش الحجاج وزياد....... لينتهو عل يد العباسيين ثم معاودة الثورات مرة اخرى
ومنها ثورة الزنج التي وصلت الى مشارف بغداد وما زال الجنوب يعانون من مرض فقر الدم المنجلي بعد ان زرعوه . في ارحام
النساء ثم مجيء هولاكو والمغول وتيمورلنك والتتار ومعاودة الفرس غزو البلد وهذه
المرة بقيادة الصفويين الاتراك ثم العثمانيين ومذابح سليم الاول للشيعة بعد تنكيل
الصفويين بالسنة وهكذا سار الامر حتى مجيء الغزو البريطاني وتهميش الشيعة واتهامهم
بالتبعية لايران وهاهو البعث يطل اليوم
براسه ليرتكب مذابح ما بعد شباط امام كل
هذه الاحداث هل تتوقع ان من يعيش في هذا الوطن
اسوياء؟؟ سؤال لايمكن الاجابة عنه دون ان يثير حفيظة الاخرين ولايمكن
المجاهرة به لذا............
لم يبق في هذا البلد سوى اناس امتلات قلوبهم قسوة و لؤم
وكراهية لهم قصب السبق في السيطرة وتقرير مصير الاخرين الذين لاحولة ولاقوة سوى
الطاعة والتملق
.- عليك بالحذر
من امثاله .
انتبه صلاح الى كوركيس وساله
- ماذا احذر ممن ؟
-سويلم الذي لا يروي عطشه الا بدماء
الشرفاء من حوله
امثاله مؤسسة للاكفان فهو يختار الصدق بنية سيئة ينال به
ضحاياه
-انا بعيد عنه
-سيتبعك الى الثانوية ويحاول معرفة كل شيء عنك انه عين
المنظمة في البلدة
- و هذه الصهباء المثيرة التي على ما اذكر كانت تقف الى
جانبه عند دخولي للمرة الاولى الى المستوصف سائلا عنك
ابتسم يوسف و همس في اذن صلاح
- انها فريدة امراة عامل البلدية والوحيد الذي ارتضى
بمهنة الزبال دون الاخرين........ .
- افروديت بعباءة
-اعتقد انها اثارت اعجابك انا اعرف ذوقك في النساء
- انثى بكل ما تعنيه الكلمة من معنى و لكن من هو عامل
البلدية هذا
- عامل البلدية هذا هو الوحيد الذي ارتضى ان يزاول عمله
في جمع الازبال بالرغم من وجود عمال اخرين
غير ان لااحد منهم يجرؤ على ممارسة
هذا العمل
- جامع الازبال ولديه مثل هذا الملاك
- بل قل مثل هذه البائسة انها حكاية طويلة بل هي قصة من
قصص الف ليلة وليلة غير ان بعلها لم يحض بمصباح علاء الدين ومع ذلك هو اغنى من
علاء الدين .......يملك ثروة لايملكها اقطاعي في العهد البائد
-ويمارس هذا العمل الوضيع
- منذ اكثر من
ثمان سنوات جاء الى هذه البلدة لايملك سوى ما يرتديه جلباب بال وكوفية كالحة بلون التراب بقي على
هذا الحال لايام متشرد لاسكن ولامال حتى وجد له ماوى غير ماهول لزورق حديدي اكله
الصدأ مهجور منذ عقود يجاور مرسى العبارة
يستحم في دجلة وياكل من فضلات المطعم الوحيد في البلدة استمر على هذا الحال لفترة
حتى رق له قلب ميرزة و رثى لحاله وجعله صبيه في المتجر يكدس البضائع في المخزن
المجاور للمتجر واسكنه في خربة عائده له تسكنها قبله امراة جاوزت المائة عام تسكن
الغرفة المجاورة لغرفته غير ان العلاقة بينهما شبه مقطوعة وكان كل منهما يعيش في
عالم اخر وتناقلت الناس اخباره بدافع الفضول البعض قال انه لقيط لااهل له والاخرين
قالو انه ارتكب عمل شائن وفر الى البلدة وبعد فترة لم يعد احد يهتم لامره وتركوه
لحاله يعمل بتفان واخلاص ......قليل الكلام منزو يتحرك كالنحلة يمتلك جسد غوريلا
ولديه القدرة على افراغ شاحنة دون كلل او
ملل وخلال وجوده ولاكثر من خمس سنوات من العمل بجد واخلاص
استطاع ان يكسب ثقة الرجل واستطاع طيلة
هذه السنوات ان يكسب ثقة ولي نعمته واصبح
الذراع اليمنى لميرزة يصل باكرا ينظف المتجر ويستقبل الزبائن والتجار وتعلم
الفارسية من خلال عمله وتعامله مع التجار
القادمين من ايران المحملين بمختلف البضائع والمتبضعين العراقيين القادمين
من الشورجة ليزودهم بما يحويه المتجر حيث
كانت البلدة تعج بهم لقرب المسافة بين حدود البلدين وبعدها هبت رياح التغيير وجاءت
عاصفة التهجير هاجر الكثيرين ومات ميرزة وسط هذه الفوضى جاءت الفرصة التي يحلم بها
كل خادم ومع المفاتيح التي اودعها عنده رب عمله وهروب اهل البلدة خوفا مما هو قادم
وخلو السوق من اصحابه استطاع ان يسوق كل
ما تحويه المخازن والمتجر الى واسط عبر طريق الدجيل ولمدة ثلاثة ايام كانت
الشاحنات تعمل دون كلل او ملل الى ان ترك المكان خاويا ولم يجد احد يطالبه بما باع
من بضاعة واختفى لاكثر من شهر وقيل انه اودع مبالغ هائلة في المصرف وعاد ليشتري
زورق وشباك ليقض اوقاته بعيدا عن عيون الاخرين وسط النهر ولم يجرا احد عن سؤاله
بما كان يعمل حيث الاغلبية مشغولين بامور
تغنيهم عن السؤال .....ثم سعى بعد ذلك الى اقراض الكثيرين بفوائد باهضة مقابل
وصولات امانة او يحتفظ بصيغ ذهبية يستولي
عليها اذا لم يتمكن اصحابها من سداد ما
بذمتهم ثم بدات علاقته تتوطد مع الموظفين والعمال في الناحية واستطاع ان يحصل على
عمل في البلدية وهاهو تراه عند كل غروب يدفع عربة الازبال نحو مكب النفايات مجاور
المقبرة عند اطراف غابة الغرب جنوب البلدة
- . .....كيف عرفها وتزوجها
- قبل اكثر من عامين اختفى لفترة شهر كعادته في شهر اذار من كل عام وقيل
انه حصل على اجازة سنوية يسافر خلالها الى
الشهابي ومنها يعبر الحدود الى ايران حيث يعمل في تجارة الاغنام وتهريب خراطيش
الصيد ومن خلال عمله الموسمي هذا اصبحت لديه علاقات وطيدة مع بدو فارس حيث وجد
ضالته هناك وشارك احد الرعاة الفرس بعد ان
وطد معرفته به... فودع لديه بضعة رؤوس من الغنم ومع مرور اكثر من ثلاثة اعوام وصل ما يملكه مع والد فريدة الى اكثر من مائة
راس وجاءت الفرصة وهو على يقين ان الامر عندما يتعلق بالمال فالناس جميعا يصبحو
على دين واحد واستطاع ان يقنع الاب ويعطيه نصف ما لديه من حصته مقابل فريدة وادعى
بانه مسؤول البلدية في الناحية وسرعان ما وافق الاب ليتخلص من عبء حمل ثقيل زنته
ستة اناث اكتفى بهن بعد ان ياس من انتظار المولود الذكر وهكذا عاد مظفرا بامراة
يحلم بها الامراء قبل الفقراء وبمجيئها مزق قصاصات الصور للهوليديات العاريات
المعلقة على جدران غرفته البائسة وزينت الدار الشبه مهجورة بجمال يخطف الابصاروملات حياته بلغتها الفارسية
الحلوة وجسدها البض الابيض الناعم وشعرها الاحمر المجعد لتشعل لياليه العقيمة
المعتمة الباردة بنار تشع الدفء والطمانينة غير ان الامر لم يستمر طويلا هكذا حيث
طلبت منه الكف عن هذه المهنة في جمع الازبال والتمرغ في مكب النفايات التي لا
تناسب ما لديه من ثروة وترك البلدة والانتقال الى واسط
الا انه رفض الانصياع لها لانه يعلم ان الثروة لم تاتي
الا من خلال عمله بالاقراض والراتب الذي يستلمه نهاية كل شهر وخوفه من المجهول بعد
ان جربه سابقا ليحتم عليه بخله وخوفه من التغيير ان يعيش حياة الفقر
مرة اخرى
اثار ذلك حنقها وبدات تناكده وهو لايعير اهمية لكلامها
حتى وصل الامر الى ان تشكو امرها الى كل من يتكلم لغتها
وعندما وصل الامر الى مسامعه ثارت ثائرته وعاد الى البيت
غاضبا ونشب خلاف انتهى بعراك فانهال عليها ضربا مبرحا
غير ان ذلك زادها اصرارا
وكررت فعلتها
وكررضربها فما
كان منها الا ان بادلته اللكمات والصفعات
حاولت اقناعه بزيارة
اهلها اكثر من مرة غير انه في كل
مرة يرفض طلبها خوفا من ان تفلت منه عند وصولها هناك..... استسلمت في نهاية الامر
لواقعها المر بعد ان نال منها قبل اشهر مرض السل ....و لانها لا تعرف الى اين تذهب وتحاول ان
تجد طريقا لاهلها دون جدوى لذا اضطرت الى البقاء ورضخت لتكون سجينة هذا البخيل
الذي مهد بسلوكه لتكون فريسة لغيره
بعدما ايقنت انها تنام مع عدوها برائحته
التي لا تطاق في فراش واحد لذا بدا
الشيطان يجد فرصة للعمل و بدا الضجريتسلل الى حياتها البائسة في ذلك البيت الرطب
سيء التهوية وفي ذلك الزقاق الضيق الذي تشقه ساقية القاذورات والماء الاسود وهي
الكائن البري الذي تعود على استنشاق رائحة الزهور البرية وهواء تلال حمرين لينال
ذلك الداء من رئتيها مع مرور الايام لتبصق دما وايقنت انه تحالف مع زوجها ليقتلها
انها كائن جميل معافى ولكنه يحمل في داخله موت قريب لها ولمن يشاركها الفراش..... لديها اضبارة تاخذ من خلالها حبوب الايزوباص و حقن الستربتومايسين
مع كل زيارة للمستوصف
- وهو الم يراوده الشك فيما هي عليه
- حتى لو عرف
لا يعر اهتماما ..... ما يثير
الدهشه لديه جسد عصي على ذلك المرض انه من جنس يتغلب على السل وغيره انا على يقين
اذا اصيبت البلدة بالطاعون تجده يدفن الجثث دون ان يناله ذلك المرض....وكل همه كم
يدفعو مقابل ذلك . على اي حال انها لا تهمه بأي شكل من الاشكال اكثر من مضاجعتها و
لايتورع عن هجرها متى ما جزع منها
- وابراهيم هل هو على علم بما يدور
- ابراهيم يحتفظ بسجل يدون فيه جدول العلاج وهي حبوب من
الايزوباص وقناني صغيرة من باودر الستربتومايسين للحقن العضلي مع بعض صور الاشعة
لكل مصاب وهم كثر اما بالنسبة لما يدور من
احاديث في مثل هذه المسائل فهو يتمتع
بمنظر البحر وهو على اليابسة ولا يجرؤ على الخوض الا في السواقي الضحلة غير ان
الرغبة التي تؤسره احيانا وخصوصا اذا ما تمادى هي التي اخشى ان تكون السبب في يوم من الايام . ليقع في حفرة عميقة وهو لايجيد العوم
اراد كوركيس ان يتكلم بشأن يخصه مع صلاح دون الاخرين وقد
بدا على وجهه بعض الجدية شاخصا ببصره الى الضفة الاخرى وقد ارتسم على وجهه حزن خبره صلاح فيما مضى
- ماذا هنالك لم
اعهد بك هذا الوجوم
- لاشيء غير اني قد لا اراك بعد ذهابي غدا
- اعتقد ان ظنوني في محلها انت على وشك الرحيل
- لا رغبة لي بالهجرة غير ان ما حدث يجبرني على ذلك
والدي ووالدتي في ديترويت مع اختي وزوجها تم تصفية كل شيء قد لااطيل البقاء في
مدينة الطب لاكثر من اسبوع وبعدها اسافر الى اسطنبول ومنها الى امريكا
بعد الاعدادية كنت على يقين بانك ستكون اول المغادرين
واليوم اراك صامتا وكانك قررت البقاء اين طموحك القديم للسفر واكمال الدراسة اراك
محبطا ومتردد
- بل مازلت انتظر بلهفة ما يأتي من رد لاادري هل هو سوء الطالع هذه
الرسالة الرابعة التي ارسلها والرد الثالث من اتحاد الجامعات السويدي وفيه طلبو دورات تقوية في الانكليزية والرياضيات وارفاق
نتائج ذلك للموافقة عل طلبي في دراسة الطب
تمكنت من
ارفاق كتاب عن دورة . في الرياضيات بعدما ايقنو اني اجيد اللغة
الانكليزية وهاانذا انتظر
- بدا عقد المجموعة ينفرط هذا هو حال الدنيا لم يعد
يراودني الشك فيما تنوي فعله بل هو الصواب ربما ان رياح التغيير تهمس بصوت
لا يسمعه الا القلة ولكنها تقول ان هذا الشعب بدا يعاني من الارهاق بعد عقدين من
العنف اصبح يخاف الموت دون مباركة حاكمه
ويكره الحياة دون هباته لذا ابدل المنطق بالجنون و اخذ يردد هتافات حمقاء ومستعد
ان يقتل او يقتل لاسباب تافهة اطلق عليها جزافا اسم الوطنية حتى اصبح .
بقاؤنا عبء عنيد لا نستطيع تحمله الى ما لا نهاية ....
مستقبلنا يلتف مع الدخان ليختفي في سماوات واسعة . انت تعرف يا صديقي
هنالك نظرة تبلورت بعد الفرهود.......
مالدى الاقليات اشياء تسيل لها لعاب الغوغاء وتلك الاشياء مرهونه بوجودهم لذا
يمكن الحصول عليها بعد كل تغيير لتتمتع تلك الجموع البائسة بلذتها عندما نجبر على
تركها خلفنا ونفر مذعورين من الموت الذي
يزحف علينا ولا قدرة لنا على المواجهة لذا
رضينا مرغمين على ان لا نكون وايقنا اننا في بلد يتحول جيشه الى قطاع طرق يشارك الرعاع
غنائمهم في كل انقلاب وما اكثرها
والعجيب في الامر ان هؤلاء على مر التاريخ يذبحو الثوار بايديهم و يرثوهم بلسانهم
حتى تدمع عيونهم بل يقيمو الماتم ويذرفو دموع ساخنة عليهم والسيوف ما
زالت تقطر من دمهم
نحن لدينا الكثير لنقوله ولكن لا جراة لدينا على فعل ذلك
نخاف ان نبادلكم العداء و لا نجد من يدافع عنا ولا نستطيع الدفاع عن انفسنا لذا
اصبح لزاما علينا ان نعطي النذور من مالنا و شرفنا ونسمع من يتنابز ويهزا منا.....
خيارنا بين وطن نكون فيه كالعبيد والعبد بارادته يجب ان لا يلعن الحياة التي يعيشها وبين غربة قاسية نكون فيها
احرار
- ما هذا الذي تقوله يا كوركيس
- هذا ما حدث اختفت
زينة قبل ثلاثة اشهر لنجدها بعد ذلك قد تزوجت من سمير ابن جبار القصاب
- ماذا زينة اختك الصغرى طالبة الاعدادية تزوجت من هذا
الارعن
- هذا ما حدث وتركنا في موقف لا نحسد عليه بحكم المجتمع
الشرقي الذي نحن جزء منه مما اضطر والدي الى بيع كل ما نملكه والهروب مع العائلة
من العار الذي يطاردنا من الاقارب والمعارف قبل غيرهم ..... تعرف اني لااقيم وزنا
لمثل هذه الامور ولاارغب بان اكون وصيا على جسد امرأة باسم الدين والعرف . حتى لو كانت اختي ولكني لا
اطيق ان نكون دائما رافعي الراية البيضاء امام من يهزأ باستسلامنا. مجتمعنا غابة
لذا افراده لا يشعرو بالامان الا عندما يكونو بين اشجارها .
لذا اصبح لزاما علينا ان نبحث عن غاباتنا لانكم لا تقبلو
بنا الا طرائد في غاباتكم ولا نملك مثل الاكراد جبال نهرب اليها
متى ما كشرتم عن انيابكم
عندها نهضا وسارا معا صامتين وقادتهما اقدامهما الى
نهاية الشارع . حيث ينتهي العمران ويبدا
الطريق الترابي الذي يمتد على سدة تحاذي النهر التفت كوركيس الى سوق منفرد
ضيق مسقف بشكل جيد مظلم كئيب يلي بيوت مهجورة ما زالت الجدران في بدايته تقف منتصبة
بعد ان انتفخت كبطن حبلى الا ان النظرة الفاحصة لما تبقى من ضوء يظهر في
احد تلك الجدران شرخا كبيرا ياخذ طريقه
متعرجا تتدلى من اعلاها حصران متاكلة
حافاتها حيث وقفا عند نهايته المطلة على الشارع
بمواجهة النهر في مكان بدا يزداد عتمة
وبدات بعض النجوم تظهر ملتمعة تتغامز في سماء بالكاد بقي فيها اثر لزرقة
عند الافق الغربي وبصوت منخفض التفت الى صلاح هامسا
- هذا ما تبقى من السوق
في البلدة بعد ثلاث سنوات من اغلاقه وتهجير غالبية تجاره
لاحظ صلاح الممر
المظلم الضيق الطويل للسوق وايقن ان فتحته الاخرى
تنتهي في الجانب الاخر حيث المقهى وانتابه
ضيق من هذا المكان المهجور حيث نمت الاعشاب البرية وارتفعت بعلو قامته وقد
احاطت جدرانه من كل جانب وخلفهم ارتفع من
الشرق للتو قمركاملا وكادت حافته السفلى
تلامس الافق وقد اصطبغ بلون
برتقالي غير مضيء مع تزايد عدد النجوم
التي تبرق بسماء مظلمة وسرب من الطيور يشق طريقه نحو الجنوب ومع طيرانه يتصاعد صوت
لقائد يرشده
- يبدو انه يمتد حتى الجانب الاخر حيث الشارع الذي يقع
فيه المقهى والبيت
-نعم يمتد من
الشارع المحاذي للنهر ليصل الى شارع مقهى فرهاد ......سوق مهجور يبلغ عرضه الثلاث
امتار.... تغطي فضائه صفائح رصت على هيكل
حديدي انشأ منذ ايام الحكم العثماني تقع
على جانبيه محلات كانت في يوم من الايام تعج بالبضائع القادمة من ايران والحبوب
التي تزرع في الاراضي المحيطة بالبلدة...... من الحماقة ان احدثك عما سمعت من
شائعات عن هذا السوق عن الاشباح التي تنبثق من حلكة الظلمة في داخله ليلا حيث
اثيرت احاديث عن بعض الذين ارادو ان
يختصرو الطريق الى المقهى غير انهم لم
يعاودو الكرة مرة اخرى بعد مغامرة كادت كثافة الظلمة ان تخنقهم والعرق البارد
يتصبب من وجوههم قطرات كبيرة وقد شاهدت
احدهم وقد جحظت عينه وهو بيننا وكانه يامل ببصيص نور من الجانب الاخر بالرغم من
انه لم يرى بوضوح ما سبب رعبه ولكنه شعر
بان هناك من كان يتعقبه ويكاد ان يلمس كتفه من الخلف.
بالرغم من انه
خرج الا ان كل ما في جسده كان يرتجف وقد اصابه الذهول ولم يصدق ما حدث له غير انه لم يجرؤ هو ولا غيره على الدخول مرة اخرى
نظر صلاح الى كوركيس وابتسم مازحا
- مارايك في اجتيازه ونحظي بشرف التعرف على من فيه
-يبدو انك لاتصدقني .
- وهل يجب ان اصدقك
- حسنا انت غير
ملزم بذلك غير اني انصحك ان لاتجرب ذلك
مستقبلا وان لم تؤمن بوجود مثل هذه الاشياء
- ماحدث لهؤلاء ليس اكثر من رهبة استحوذت على الخوف الكامن في نفوسهم من الظلام الدامس
وما سمعوه من احاديث مرعبة فبدأ العقل
يرسم هذه الانطباعات الغامضة والمريبة
- ولكني سمعت مرة وفي احد ايام الشتاء العاصفة اصوات
خافتة مرتعدة مكسرة ظننت للوهلة الاولى انها اصوات الرياح غير ان يوسف وابراهيم انتبها الى ذلك وقتها شعرنا
بشيء من الخوف مشوبا بشعور من الدهشة وابتعدنا عائدين الى البيت
وقشعريرة تعتريني مثلما اعترت اللذان معي
يحاول احدنا ان يسبق الاخر في سيره لكي لا يبقى خلف المجموعة ما سمعته مني يعرف به
كل من في البلدة
نظر صلاح الى ساعته
-الساعة جاوزت العاشرة مارايك بالعودة
استدارا ليعودا من حيث قدما ثم الى البيت حيث وجدا
ابراهيم كعادته مستلقيا يستمع الى الراديو الصغير قرب راسه......
صباح اليوم
التالي استيقظ كوركيس فجرا وبدا حزم امتعته بعد ان هيأ الافطار كعادته كل صباح وعند الثامنة ودعهم مغادرا البلدة التي قضى فيها اكثر من عام . . وجد . ...... وعند الغروب جلس صلاح على تخت قديم فرش بسجادة اقدم منه ساندا
ظهره الى الجدار وامامه تلك المساحة الصغيرة من تربة رطبة تزخر بشتلات الجوري والرازقي يتوسطها جذع ضخم
التفت حوله وتسلقته اغصان اللبلاب الى
الاعلى لتصل الى السعف لبرحية نشر سعفها ظلال وارفه وقد تدلت منها عناقيد ضخمة
لرطب شهيا... بدات النسمات تموت مع اقتراب المساء وساد هدوء سوى من ريح تهب
فجاة وللحظات ثم تهدا فتحرك السعف ويتضوع الجو بعبق الرازقي والخضرة اليانعة مع
رائحة الفرشي المبلول ويسود السكون بعد ذلك وبينما هو مستغرق ساهما يفكر فيما دار
من حديث مساء امس طرقت الباب بدل ان تدفع....
ابراهيم خرج كعادته الى المقهى لاشك انه شخص اخر فما كان منه الا ان نهض
فتحها ليفاجا يشخص طويل القامة اسمر بشعر مجعد يميل الى النحافة بدا رجل مهيبا ذا
هيئة جميلة ودود بمسلك مهذب بدت عليه ملامح التواضع والغبطة نظر الى صلاح وابتسامة
جنوبية على محياه وردد
- السلام عليكم....... ............
-وعليكم السلام
-حضرتك صلاح . اليس كذلك سبق لكوركيس ان كلمني عنك . .
- لا شك انك يوسف . نعم انا صلاح . الحمد لله على سلامة
الوصول
ابتسم و مد يده مصافحا وهو يهم بالدخول متابطا حقيبته
- . لابد ان هذا الذي
يدعي التقوى والورع خرج الى المقهى
كعادته الصيف اوشك على الرحيل و المدارس ستفتح ابوابها ...جماعته من المدرسين يتوافدون الى البلدة كعادتهم في مثل هذا الوقت
وبالذات محمد الذي ينتظره على احر من الجمر استميحك عذرا يجب ان استحم ثمان ساعات
وانا محشور في حافلة بائسة يتصاعد الغبار والعادم من الثقوب الضغيرة في ارضيتها
ليتحالف مع السموم التي تتسلل من النوافذ وعرق الجسد الذي ينضح بعد كل اطفاء لظمأ
- اعانك الله على طول المسافة في تلك الظهيرة القائضة
- متى غادر ؟
- من
- كوركيس
- صباح اليوم
ومضى يقطع الطريق الى الحمام في خطوات متراخية اغلق
الباب وراؤه وتجرد من ثيابه وقبل ان يستحم خرج وقد لف الفوطة حول خصره وفي يده
شعرة طويلة يمسكها بين السبابة والابهام وقد رفع ذراعه لتكن يده امام عينيه صائحا
بتقزز
- لم اعد اطيق هذه القذارة تحول البيت الى مبغى يصول
ويجول فيه مع عاهراته .... غدرهن الزمن
بفقدان ازواجهن القدرة على ارضاءهن في الفراش ليكدحن و فوق رؤوسهن عند الفجر ما يدخره ضرع الابقار وغيرهن ممن
تركن دون رجال يعشن الوحدة والسقم مع عمر تعدى الثلاثين.... هذا يكفي لم اعد اتحمل هذه التصرفات الصبيانية
يعيب علي شرب الخمر ولا يعيب على نفسه مضاجعة البائسات والمتسكعات عند حلول الظلام
والسماح لهن برمي قذارتهن في الحمام ولا يابه لما ستؤول اليه الامور لو فضح امره
......لو عرفو بالامر لتحولنا بعد ذبح احداهن الى شاخص لميدان رماية ....متى يتزوج
ويغادرنا........ الخوف من الفضيحة يقض مضجعي متى تنهي سناء دراستها وتعود الى
البلدة انا انتظر قدومها اكثر منه لا استطيع ان افضح سلوكه المشين امام والدها ابو
اكرم فكلاهما صاحباي
تافف واحتج وعاد مرة ثانية الى الحمام وصلاح ينظر اليه
بصمت وببلاهة مفتعلة وهو يخبا ابتسامة كادت تفضحه دون ان يجيب
كان المساء هادئا سوى
رشقات ماء في الحمام . . . ....في تلك اللحظة دخل الى الدار شخص لم يكن
غريبا على صلاح غير انه لم يكلمه سابقا شخص كل ما فيه يدل على انه ابو اكرم ومن
خلف عدسة سميكة نظر الى صلاح يتمعنه بفضول
يكاد يخفيه وبدون تودد وقد وقف على سيقان بالكاد تسند جسد لم يبق فيه سوى الجلد
والعظام اراد ان يستره ببدلة بنية كالحة تهدلت وكانها زي لخيال الماتة وبصوت رجولى
لايقارن بشكل صاحبه القى التحية والتفت الى غرفة يوسف وكانه يتفحص ما فيها ولم يشأ
ان يعرف من الجالس امامه ودون ان يلتفت الى صلاح ردد
-اين يوسف
اجابه صلاح دون ان يرفع راسه من الكتاب الذي كان بين
يديه وهو يرمقه دون اهتمام او دعوة
بالجلوس وكانه يرد على ما بدر من لامبالاة
- يستحم
سمع تلك الكلمة ودخل الى الغرفة وكانه لايابه بما سمع
للتو واختفى فيها لدقائق عندها خرج يوسف مرتديا قميص وقد شد حول خصره وزرة جنوبيه
بخطوطها الحمراء والصفراء وكانه مراكبي غادر المهيلة للتو عندها ظهر ابو اكرم عند باب الغرفة وقد
انفرجت اساريره مرددا
-اهلا بالسندباد الذي هجر سفينته وبحارته وجاء الى
المنفى ليعمل كاتب لدى الرفيق الاعور كيف هو الفاو و الخليج .
عندها رد يوسف فاتحا ذراعيه صائحا
-اهلا بالعم ابو اكرم
مرحبا بقدومك كم انا سعيد برؤيتك تسألني عن الخليج لاشيء هناك في رأس البيشه سوى النخيل ومزارع الحناء ثم ساحل من الوحل وبحر
ممتد الى افق تضيئه كل مساء نيران حقول البترول من كل جانب ما زال كل شيء على حاله
منذ مئات السنين بساتين النخيل ومزارع الحناء والاكواخ البائسة متناثرة وسط
طرق التراب والخراب ولا نية
بالنهوض واللحاق بركب من كان
خلفنا
تعانقا بحرارة والتفت يوسف الى صلاح واشار بيده
-صلاح صديق كوركيس
ومدرس الاحياء...ابو اكرم استاذ العربية في الثانوية
عندها نهض صلاح
عندما تقدم ابو اكرم لمصافحته
- ما رايك بحانة العبارة
- جيدة وهي تقطع
عرض النهر جيئة وذهابا غير انها بحاجة الى مقاعد ومظلة
قالها صلاح مبتسما
- يبدو انكما تعرفان بعضكما
- على الاطلاق غير انني اثرت اهتمامه عند صعوده العبارة
- ولم يشأ ان يتكلم معي حينها . بحكم الغريزة التي لا
تشجع المرء على المجاملة والانفتاح على الغرباء
- وهاأنذا يراودني احساس باني امام شخص رائع
-شكرا جزيلا
- والان بامكاني ان ادعوك للجلوس وتناول قدحا من الشاي
سيجهز خلال دقائق
عندها قال يوسف
- ولم الشاي دعنا من هذا المنبه الاسيوي القادم من
بلاد الاكتظاظ و الجوع.. و الذي لايصلح تناوله الا في الصباح ...... نحن
نعيش المرارة و بحاجة الى شيء من البهجة البابلية
الى رحيق ما تهبه عماتنا ما رايك ابو اكرم
اجاب ابو اكرم ساخرا
- لا صديق للجوعان الا من يطعمه اويشربه
يمكنني الان ان اجلس على مؤخرتي
كما يجلس الزعماء والفقراء
- اما انا علي ان اقوم بالخدمة عن طيب خاطر
عندها التفت ابو اكرم الى صلاح متسائلا
- ما رايك بشيخ سعد
- مدينة بائسة
ادارت وجهها للنهر..... بشوارع لم يبقى فيها سوى بقايا اثر لاسفلت غارقة بصمت مريب وناسها اشباح لا تراهم
الا صدفة . يمرو بك مسرعين بلا وجوه و سرعان ما يختفون
- لم يكن الامر كذلك ........قبل خمس سنوات كان هذا
الشارع يمتلأ بهم وبأحاديثهم غير ان هذه التغيرات التي حدثت بسرعة عبر موجة التهجير
اغرقت الاهالي بطوفان الخوف و بعد ان تاكدو بانها قابلة للتكرار ..... غادر البعض
الى غير عودة والاخرين اختبؤو خلف
الجدران في بيوتهم لايجرأو على الخروج
مثلهم كمن اصيب بالجذام ولا يجرأ على ان
يراه الاخرون و الاخرون لا يطيقون
رؤيته اكتسبو طبيعة الخوف بعدما فقدو الحرية
وغادرتهم الطمانينة التي كانو
يعيشونها ومع ذلك يحاولو ان يتدبرو امرهم بطريقة ما وسط هذا الوضع الشاذ
- من بغداد
-نعم من بغداد
- وكيف هي الاحوال في قلعة الاسود
- لاتختلف عن مراكز المدن الاخرى..
غير انها الاكثر ضررا لانها الهدف
لكل من ينشد الغنى والسيادة علاوة على انها مخبأ المارقين ومأوى الذين يبحثون عن
اي عمل وضيع لسد الرمق . . ...... لم يعد هناك من اسود . خلعت
الابواب وهدمت الاسوار اصبحت ملاذ للضباع
والذئاب التي لا تجد ما تقتات عليه في قراها لذا شدت الرحال الى هذه المدينة لتزيح
اهلها ببطىء وثبات الكثير منهم يتطلع للانتقام ...انها مدينة تكبر
وتشيخ بالقادمين من مجاهل الارياف والصحاري لنشر ثقافة الصريفة
والخيمة
- المدن العظيمة
عندما تكبر لا تشيخ
- المدن التي لا تشيخ
تكبر بابناءها لا بالغرباء مع كل ما يحملوه من عقد . وذنوب لا يجرا على
ارتكابها ابليس.ما يحدث اليوم هو غزو اسوأ من غزو المغول انه غزو لاينتبه اليه احد ينساب ناعما وهادئا ويملأ
الاماكن المنسية والمهمولة بأناس نالهم من الظلم ما جعلهم يفقدو القدرة على العفو
والمسامحة متربصين ينتظرو الفرصة الملائمة للانقضاض وتدمير كل ما يقع تحت ايديهم
من يدري قد يدمرو بالتالي انفسهم....... هذه المدينة بدات تفقد براءتها اجمل ما
فيها دفن في الذاكرة ... ياسها يزداد بلا
انقطاع لم يبق منها الا اطلال لجدران
قديمة وبيوت هجرتها الاسر العريقة التي كانت في يوم من الايام
متنعمة على حساب الجائعين والمحرومين.... رقة الروح فيها بالكاد تنبض بالحياة لكنها ترفض الموت...........عند المساء ازقتها
تزداد وحشة كغابة بلا اوراق افقدها القادمون اليها و الذين شيبتهم الاحقاد كل شيء
بريء
لم تعد سوى صورة في الذاكرة وحسرة بالكاد تريد ان تصبح
فرحة
لم تعد هناك قطارات تنفذ بخارها وتصفر لتقف في محطة شرقي بغداد الانيقة في باب الشيخ
ويترجل منها السادة مع نساؤهم الجميلات وحقائبهم الكبيرة ليستقلو العربات الفخمة
التي تجرها الخيول القوية. ليصلو بها الى بيوتهم الانيقة.......... شارع الشيخ عمر
ذلك الشارع الجميل الذي تتبختر فيه الخيول وهي تجر العربات المزينة في
الاماسي تحول الى محلات لا تعد ولا تحصى
محشوة بعمال واصحاب ورش يثيرو الضوضاء طيلة النهار مع الفاظ تخدش الحياء ومتسولات
يتجولن لممارسة الرذيلة وعند المساء يعم الهدوء سوى من الكلاب والقطط السائبة
والجرذان تتجول وتبحث بين النفايات وفي الازقة عوائل فقيرة خاضعة لابتزاز اصحاب
تلك العشش البائسة التي يسكنونها
اختفى بارك السعدون بحدائقه الجميلةوممراته التي تحيطها
الزهور خلف جدران عالية وتحولت بيوت العوائل العريقة وبيوت اهل الذمة الانيقة
العالية الى اقبية لمديرية الامن ولجانها التحقيقية تلك اللجان المهووسة بسماع
سمفونية الموت تنطلق من حناجر المعتقلين
وهي تمارس هوايتها في اطفاء اعقاب السكائر في الجلد المحترق و قلع الاظافر والصعق
بالكهرباء اوحشر القناني الزجاجية في مقعدهم ويعلقو من جلودهم في كلاليب المراوح
ثم ينهالو عليهم بالضرب المبرح حتى تنكسر القناني الزجاجية في امعاءهم لينزفو
حتى الموت في سراديب امتلات بكل اجهزة
التعذيب الموجودة في هذا الكوكب ووحوش بشرية اذا ما انتهى واجبها تذهب الى بيوتها
لتتحول الى كائنات ترتدي البدلات الانيقة بوجوه مهذبة عطوفة
الموت يتعقب الاحرار في ازقتها وفرق الاغتيالات القومية
تزف الى اجسادهم الرصاص انها البداية التي ستجعل من الخصوم يردو الصاع صاعين متى
ما تمكنو من الانتصار بكل وسيلة ممكنة هكذا هو الحال عبر تاريخنا الطويل لم نتعود
على التغيير السلمي وادمنا على التغيير الدموي وهو تغيير مستمر ولا فائدة منه
اختفت المكتبات...... كورونيت والقصر الابيض ومكنزي
لم يعد احد يابه لنتاج العظماء والناس اصيبت بداء الخوف
واللامبالاة . ....متى ما وقع الواحد منهم
فريسة لرجال الامن ابتعد الباقين لمسافة امتار لينظرو ببلاهة الى من يساق الى
المسلخ وكانهم قطيع من الاغنام ثم يزاولو اكل علفهم لايهتمو الا بمعدتهم وما
بين افخاذهم...الواجهات تمتلا بمؤلفات
لذوي الجماجم الخاوية يزرقون بها العقول بحقنة مليئة بالسم سارقين المفردات الاممية ليوظفوها كمفردات
قومية يفرضوها بقوة كما فرض اراءه
اول محتال على اول احمق صادفه
تلك المدينة لم تعد كما عهدتها بمقاهيها الادبية ودور
العرض السينمائية
اجبر اهلها على الاحتفال الدموي في ساحة التحرير
حيث اجبر الكثير منهم بالصراخ كالمجانين
والدوران حول جثث المعلقة للنخبة المثقفة
التي اتهمت بالتجسس زورا وبهتانا لبلد لا
يملك ما يستحق التجسس عليه وقضو ليلتهم الاخيرة بعد اسابيع من اعتقالهم في شرب العرق والاستماع الى ام كلثوم وسط دماءهم وجلودهم المحروقة باعقاب السكائر و المكلومة بالقضبان والسلاسل الحديدية شربو حتى
الثمالة كأمنية اخيرة و سيقو دون وعي ..الى ساحة التحرير قبل الفجر ليتم
اعدامهم حيث علقو بحبال المشانق وقد طالت رقابهم بشكل غريب و البعض منهم امتلات
سراويله الطويلة الحمراء بما لفظته امعائهم..................
لم يبقى سوى مثقفي السلطة بوؤساء قاصرين متملقين اسوأ من اللصوص يقفون كالقطط المتسولة على ابواب الحاكم
لا يمتلكو سوى الطلاقة بالحديث
ينتظرو بعد المديح ان يجود عليهم
بدراهم من اجل متعة يحلمو بها والاخرون
غوغاء كسالى منافقون بلا علم علاقاتهم تقوم على الخديعة لايبيعونك شيء دون غش وكل
همهم انتظار فرصة للانقضاض كذئاب جائعة على من تتهمه السلطات بالتامر
اكتظت بغداد
بالحانات والمواخير وشقق الرفاق
والعسكر تؤمها العاهرات ليل
نهاروما يدفعهن الى ذلك رغبة رجال السياسة وحاشيتهم من التجار في خلق الفقر
وايجاده لتكتمل صورة الجاه وتنتفخ اوداجهم غرورا بالرغم من الثروة الهائلة التي
يتمتع بها البلد ....الغني هنا هو السياسي وحاشيته من التجار والمنتفعين الذين وظفو القانون لخدمتهم ليعطو من يشاءو ويذلو من يشاءو و لايتمتعو
بثروتهم الا بخلق طبقة محرومة دون كرامة
من اجل ان تتوسل وتهدر كرامتها عندها يشعرو بالرضى وتكتمل وجاهتهم فالثروة لا
فائدة منهاو لا يشعرو بها الا بوجود رجل
يتوسل ويذرف الدموع ليحصل على ما يسد رمقه ورمق عائلته وامرأة بائسة تمارس البغاء لا
يكتفو بمضاجعتها بل باهانتها وضربها . .
احيانا يقومو بحملة شرسة عندما تنتابهم الحالة الايمانية ويتم سوقها الى
محاكم صورية ويقطع راسها عند حافة الرصيف ليتدحرج وسط بركة الدماء امام انظار العامة
وهتافاتهم بالقصاص منها
وكما تعلم
ياصاحبي هؤلاء القادة هم ليسو اكثر من لصوص كل همهم هو الاستيلاء عل الحكم يحلمو بالمناصب
والمكاسب يعملو ضمن قانون اوجده لهم حثالة المثقفين من قضاة ومحامين وادباء ليوافق
تطلعاتهم و اللصوص لا يمتلكو ما يكفي من الشرف ليكونو اسوياء ويتحلو بسلوك انساني
مهذب لذا تراهم ذو خبرة بايذاء من يخالفهم الراي جاءت عبر حقب
تمتد لاكثر من ثلاثة الاف عام فهم كائنات تبحث عن المتعة بثروات سرقوها ويحاولو
تقليد بعض امراء الخليج وتجاره .
الذين تتنامي ثروتهم مع قلة عدد سكانهم
ويحذون حذوهم طالما انها ثروة طائلة تاتي اليهم متدفقة من تحت اقدامهم . والذي تأتيه الثروة من لا شيء يهون عليه كل شيء
نحن في منطقة تعج بحسان الشام و معهن فيلق من رجال العلاقات العامة من السيمي
باندر اللبناني............. . ..........وشرقا
الشاهنشاه ذلك الرجل الذي اطفى على
نفسه اللقب المثير للسخرية واستولى على كل
شيء يتمتع بثراء فاحش
ولقب قريب من لقب الاله يكاد حلمه بأمبراطورية يذهب ادراج الرياح
.....امبراطورية يحكم بها الملايين
الجائعة من شعبه تعلم على مر التاريخ ان يقدس
ويقبلو يد من يحكمهم و يقتاتو الحشيشة بدل الخبز ...الرياح المحملة
بالاوبئة تهب من كل الجهات ولا نستطيع
تجنبها بالديمقراطية الطارئة القادمة من شعوب تعلمت ممارستها عبر تضحيات لمئات
السنين .......اوالديكتاتورية المزمنة
التي ادمنا عليها وجعلت الشعب فريسة لما
تحمله من امراض الفاقة والنفاق وردود افعالها
بالعجلات المدرعة تظهر كل عقد محملة
بالمرتزقة تجوب الشوارع لتبحث عن المال والحسان .
انتهى صلاح من حديثه دون ان يلتفت الى ابو اكرم الذي كان
يصغي بانتباه وعيونه شاخصة الى الارض ووقف يوسف حاملا بيديه زجاجة المستكي
والاقداح ينظر اليهما دون ان ينطق بحرف واحد
وردد ابو اكرم
- الدم المسفوك لا يصمت على الدوام من يدري ربما تاتي الايام باناس شرفاء يمتلكو زمام
الامور ويقيمو العدل ....
- الامر في غاية الصعوبة بل اكاد اجزم بانه شبه مستحيل لان هذا الدم المسفوك لا يهدا له
بال الا بالانتقام ...... ومما زاد الطين بلة
هنالك ثروة هائلة تتراكم دون عناء .
وهذه الثروة يسيل لها لعاب مافيات السياسة من الاشرار و الانقلابيين و هناك كلمة يتحججو بها حتى كادت ان تصبح
كعبتهم بل اصبحت ملاذ لهم تدعى الوطنية
من خلالها يرتكبو افظع الجرائم وشعب
ارهقته الانقلابات ولم يعد يملك منطق وقد اصابه الاعياء و مسه شيء من الجنون
ولديه ما يكفي من الانتماءات ليكره بعضه بعضا . يسعون وراء المكرمات التي يغدق
بها صاحب الامر والنهي لذا كل ما نسعى
اليه هو بناء عش من الحراب .......لم تعد هناك من كياسة و حمامةالاخلاق لا تستطيع
مواجهة صقر راس المال الاسود فالمعركة معروفة النتائج.. مصيبتنا يا سيدي اننا
ننقاد الى ما يجب ولا نتعض بما حدث
- تقصد النفط
- انه قيء الشيطان او اللعنة الكامنة في باطن الارض تلك
الحقول الجهنمية التي تلوث الاجواء وتصدر مقابل ملايين الدولارات ليخلق
الحاكم بها طبقة من الاثرياء لاتتعدى
المئات يسخر لها الالاف من القتلة مهمتها هتك الاعراض وسلب روح الابرياء اذا ما ابدو امتعاضهم........... او
خوض حروب التنمر التي تنتهي عادة بهزيمة شنيعة تطبع شفاه جنودهم على احذية الغزاة
المغبرة انها اللعنة التي تضيء العالم
وتبث الحياة فيه من روحنا
.....هذه
الثروة لا تحتاج الا لرجل يبدأ بقتل
معارضيه ثم يتعود ان يكون سفاح يرتدي
الزي العسكري ويملأ سترته بالنياشين وكتف تحتشد عليه النجوم والسيوف والنسور ليمحو بها عقد تؤرقه ويبحث عن
مجد ومن اراد المجد ليخلده التاريخ عليه
ان يغرس حربة في صدر الضمير .
هذه الثروة لا
تنضب لعشرات السنين وما تاتي به اخشاب
ادمية تديم النار في اتون الاضطهاد ليستمر
الاستبداد والمستبد دائما ما يقود ادارة الشؤون العامة باسلوب يخدم مصالحه .
حيث يستخدم اعظم العقول لارتكاب اعظم الرذائل من خلال
تاسيس معسكرات للقتلة عيونهم سجون وافكارهم زنازين
ولا يتورعو عن حرق
اجساد البعض ونثر رمادهم على الاخرين لدفن ارادتهم وكسر شوكتهم كما فعلو في ساحة
التحرير ويفرض عليهم الايمان بما هومخالف
للقانون ليكون القانون الذي يرتكبو به الفظائع وبالمقابل التنافس بين الشرق
الاحمر والغرب الراسمالي يجعلهما يغضان
الطرف ويتوددان للحصول على امتيازات
ولسان حالهم يقول
هذه هي مبادئنا
ان لم تعجبك لدينا غيرها طالما نحن في مامن من شرورك لمعرفتنا بقدراتك الهزيلة
التي لاتنال الا من مواطنيك
عندها ردد ابو اكرم
-
يوسف...!!!ما رايك بما سمعت
- الوطن هو حيث يكون المرء بخير
-والارض التي نحيا عليها ماذا تسميها
- ارض مباركه غير ان من يسكنها يعاني البعض من البعض الى
حد الجنون
- ولم الجنون
- لاننا منذ مئات السنين نفعل الشيء
نفسه مرة بعد مرة لنغير ما نحن فيه فخداعنا لاندركه لاننا نكذب بصدق لا
ادري لعل الغزاة تركو ما يكفي في .الارحام
ليحمل البعض من احفادهم سلوكهم
واخلاقهم.و المصيبة انهم دائما يتطلعو للاستيلاء على السلطة ومثلهم
الاعلى في ذلك غلمان القوقاز الذين تربو
في قصور الولاة ثم انقلبو عليهم ناسين او متناسين بانهم كانو في يوم من الايام
تنظف اسوتهم وتعطر من اجل متعة الولاة ..........والذي اعرفه ان جند الغزاة هم
اسوأ الكائنات و اشرسها اذا لم يكونو انذلها
فكيف الحال اذا كانو في صغرهم قد
خصي الكثير منهم ليكونو مأبونين.....هكذا يخبرنا
التاريخ
قالها يوسف وبدا
يهيا مائدة تتوسطها زجاجة المستكي وتحيطها مزات من اللبن والباقلاء والليمون اخذ
يتفنن في تنسيقها التفت الى صلاح ماد يده الى المائدة
- ما رايك
- في ماذا
- فيما سمعت للتو
- الامر ليس غريبا المماليك معروفين بصبيان الولاة
القادمين من القفقاس مقابل دراهم ......ويتم اختيارفائقي الحسن فقط وعظمة الامبراطورية العثمانية كانت تتفوق
برفاهيتها عما وصلت اليه كل الامبراطوريات التي سبقتها. وخبراء التجميل فيها كانو يبرعون في عملهم بشكل لا يصدق حتى ان
بعض ما يبرعون فيه يعجز اقرانهم اليوم على الاتيان بمثله انهم كادو ان يجعلو من
الصبيان القوزاق لؤلؤا منثورا
- علاوة على الجواري و الحريم القادم من اقاصي الشرق
والغرب حقا انه عالم من الجنون
ضحك صلاح و ردد
- على ذكر
الجنون .....لا ارى الا زجاجة مليئة بالجنون
- وهذا الجنون عقار للوعي البائس الذي نمتلكه ولانستطيع
التخلص منه ليهمد هذه الليلة بما تيسر من كؤوس
- دون الخروج عن الاعتدال وانتهاك حرمة الروح
سال ابو اكرم
- وكيف
- نكف حين يدب دبيبها
- ولماذا نكف
- لاننا سننتهك حرمة الروح والجسد
- وهل تستطيع فعل ذلك
- تعلمت ان اسيس الحيوان الذي في داخلي بسوط الارادة
والا اصبح مهرج في جلسة تعج باللئام مع الاعتذار
- حسنا مارايك بكاس
- ولم لا اذا كان الامر لايتعدى حدود الكاس
- اذن فليكن كاس مزدوج
احتسى صلاح جرعة تبعها باخرى والتفت الى ابو اكرم متسائلا
- لايبدو عليك الانتماء لهذا المكان
-بل ولدت وترعرعت هنا
- في شيخ سعد
- على مقربة من شيخ سعد عند قلعة كوركيس
ردد مازحا
- .وهل هناك كوركيس غير الذي ترك لي هذا السرير وقد تبرع
به صباح اليوم
- نعم هناك كوركيس اخر في هذا المنفى
جدي لوالدتي كاترين ويمتلك اكثر من الفي دونم تمتد
من الجباب وحتى الشهابي بمحاذاة النهر والقلعة التي في الجانب الاخر لدجلة ما زالت اشجار التين تنتصب وسط الخرائب
تؤمها البلابل جيل بعد جيل تنقر لتصنع
فجوة ثم تزرق حبات التين بماء النهر
وتتركها لتعود اليها في يوم اخر لتحتسي خمرا وتغرد بالرغم من الاشراك التي ينصبونها
لتباع في اقفاص
- يبدو ان جدك
كان لديه من يحصد بعد ان يزرع الاخرون
- بل كان يزرع ويحصد مع من معه
- اعذرني اكاد لا اصدق ما اسمعه هل تمزح معي تريدني ان
اصدق الاف الدونمات مع تولستوي عراقي
- هكذا هو الامروالحقيقة عندما تدفن لايطول بقاؤها في باطن الارض ولا بد ان تنبت
مهما طال الزمان قد لا تصدق ان والدتي اول امراة في البلد قادت
تركتر لتحرث الارض منتصف الاربعينات
- وهل سمح لها والدك بذلك
- بل كان يشجعها على فعل ذلك
- جدك مسيحي
- فقط بالاسم
- تعني مسلم
- لم يعر اهتماما
لمثل هذه الامور
- وكيف ذلك
- مثلما ترى ها انذا امامك لام مسيحية واب مسلم
- وكيف .... اعني ...والدك
- والدي ابن لفلاح كان يعمل في المزرعة خطفه قايش المضخة
وقتل في الحال وبعد عام لحقت به زوجته وتكفل الشيخ كوركيس بتربيته ثم زوجه من
ابنته
- انها حكاية غريبة لايمكن ان تصدق في زمننا هذا........
والمزرعة ما
الذي جعلها مهجورة بدوانمها؟
- وزعها الاصلاح الزراعي في عهد قاسم الى عدد من الدوانم الصغيرة بين الفلاحين و سرعان ما بدات
المشاكل تاخذ طريقها لينشب النزاع فيما بينهم وخلقت العداوات وفقدت الشيوخ قدرتها
على ضبط الامور حتى تركها البعض لائذين باعمال بائسة في العاصمة ولم يعد هناك من يسعى الى اصلاحها
سبخت وعلاها الطرطيع واصبحت يبابا لا احد يسأل عنها او يعيرها اهتماما اما القلعة
تحولت الى اطلال ومع مرور الايام تحالف
الزمن مع يد الخراب التي لم تتورع ان تسرق
كل شيء يقع في متناول يدها بعيدا عن انظاري و احيانا يجرؤو على فعل ذلك امامي
باسلوب لايخلو من الوقاحة و الاستهانة او الاستخفاف مع الحيلة والدهاء في هذا
البلد لا تحترم الا خصوصية الاقوياء ولا
يوجد قوي الا من يحكم والاخرين املاك خاصة
له .......لذا ترانا كالعبيد لايطيق بعضنا بعضا وفقدنا الاحترام حتى وصل الامر الى
ان يكرهنا ابناءنا ويريدو ان يرثونا ونحن احياء بل يخاصمونا ليستولو على ما
نملك ويستبدو برايهم
بتشجيع من امهاتهم
- ما زلت تسكن فيها
- مازلت غير قادر على تركها لانني شخت و امتلا الجسد
بستين عاما ولم اعد اتحمل المزيد من اعوام
اخرى نلت من الحياة ما يكفي ولا احد
يستطيع ان يغير من قناعتي وهذا هو سبب الخلاف معهم لم يعد هناك ما اسعى اليه سوى
ان املأ حبة التين بماء دجلة لاحتسيها في اليوم التالي واغرد امامك غير اني اخاف
من شرك ينصب لي......على اية حال لايهم طالما
انا في سن بدات شعلة الاحلام تتحول
فيه الى رماد وكل ما علي انجازه هو كنسها
عندها نظر صلاح الى يوسف ليرى ما رسم على وجهه من انطباع
لسماعه ما دار من حديث ويتاكد من صدق ما سمعه من ابو اكرم ردد يوسف
-ما زالت القلعة موجودة ومعها مائتا دونم هي ما تبقى له سنزورها في جمعة ما عندما تنوي البقاء في البلدة ولا تقرر الذهاب
الى بغداد ستجدها خرائب لعهد قريب قد مضى وبلدنا مليء بمثل هذه الخرائب مصيبتنا ان
الكثير منا يحب ان يعيش في الخرائب لانه لا يطيق ان يرى ما شيده من سبقه
- ولم لم يسعى الى اعمارها
- الاعمار يحتاج الى مال ورجال لا الى ابو اكرم الذي
بدات اوراقه تتساقط ويعيش خريف العمر بنصف راتب مع امراة لا تطيقه وابن يناصبه
العداء ويرغب بالتخلص منه متى ما سنحت له
الفرصة
وهنا تدخل ابو كرم وقد ارتسمت على وجهه ابتسامة مريرة
- لا ادري لم هذا السلوك العدواني منهم او من البعض الذي يجاورني او من يفرض علي
جواره...... فجاة ودون سابق انذار...... كل ما اريده ان يدعوني وشاني لااستطيع ان
اهرب بعيدا عن اضغاث احلام تراودني وانا
في تلك الاطلال لو كان لدي غرفة مليئة بما ارغب من كتب واسطوانات لموسيقى
عالمية وقبو مليء بخمر من الكروم التي
ازرعها وما تبقى من عمر يكفي مع صحبة امثالكم ومساحة لا تتعدى الدونم مليئة
بالاشجار بعيدا عن الذين يتسللون خلسة لتجدهم يجاورونك طمعا في رحمتك ومن ثم يزداد
عددهم و اقترابهم منك ويبداو بمضايقتك
ويحولو حياتك الى جحيم وينتابك احساس
بانهم مصممين على ازاحتك بصلافة وجراة
الاف الدونمات التي ورثتها وصادرها مني الزعيم الاوحد لو
خيرت ان اعطيها لاعطيتها عن طيب خاطر مقابل دونم بعيد عن هؤلاء ......يطل على دجلة ذلك
النهر الصامت كصمت الريم الشاهد على احداث رقدت الكثير منها في جوفه..... بوجهه
الناصع كالبلور وماؤه الذي يتلون احيانا بلون الزيتون كلانا يعيش الوحدة الاليمة
يحيط بنا اناس عاشو القسوة و قلوبهم
لاتنفث دماء بل نار براكين تحرق العاطفة ......مكبلين بسلاسل الغدر والنفاق يحرضون
بعضهم بعضا على العنف قلوبهم شتى واهازيجهم
تصم الاذان وتوصد الابواب و النوافذ على الافكار لتؤسرها انهم اناس هرب
الكثير منهم من ظلم الاقطاع وعادو ضحايا يقلدو الجلاد.....هذا النهر الخالد يرمى به في ملح الخليج ومع ذلك يصر على البقاء
بانتظار الايادي القوية والقلوب الطاهرة التي تجعل من الحقل محروث والعناقيد ناضجة
بدل الضياع انه يسعى غير ان سعيه عقيم
بمياهه القادمة من الينابيع الخجولة وهدايا السحاب.... النابض بالحياة.....
بضفافه المفعمة بعطر الورود و رائحة الطين الحر مع الاعشاب الندية........ما زالت
مويجاته تشاكس خيوط الشمس والقمر ترقص محتضنة الضياء لتعكسه بفرحة.........هل انا
طامع عندما ارغب بخصوصية الزهاد.... ........ دون ان اكون ذليل لاحد او اسير بلا
ذنب ... ما رايك صلاح ؟؟؟ لعلي اترعت في
الشراب واصبحت لا اختلف عن الباقين وعدت لا املك سوى الطلاقة في الحديث والكلام
البارع غير اني لا رغبة عندي في
الانتقام وبالرغم من كرهي لكلمة التسامح
غير ان عيبي بانني لا اجد افضل
منها....نحن نعيش وسط امة وضفت الموت
ليعمل بها ما يشاء
شعر صلاح بتانيب الضمير وردد
-اسف لما بدر مني اعيب على نفسي اندفاعي احيانا اكثر من
اللازم واتفوه بكلام لا معنى له
- لاعليك هكذا نحن دائما .... خلال هذه الساعات القليلة وجدت فيك
شخص اعرفه من سنين نحن نتكلم بلغة مشتركة
لايفهمها الا امثالنا الذين لا ينحازو حتى الى رايهم اثناء احتدام النقاش
-اشكرك سيدي على اطرائك هذا غير ان هناك ما يشغلني دائما
- ومالذي يشغلك
- شيخ سعد الذي
لم اراه ولم اسمع احد يتحدث عنه
- انها اسماء المدن هكذا هي قد تتعلق بشخص ما او ندبة
جغرافية او حدث تاريخي
- ترى من يعرف لماذا سميت هذه البلدة بشيخ سعد
ابتسم ابو اكرم واحتسى ما تبقى في كأسه وردد
- انها حكاية طويلة قد تكون اغرب من الخيال لم يسأل احد
قبلك هذا السؤال
نظر صلاح الى يوسف فأجاب يوسف
-لم يخطر ببالي ان أسأل عن ذلك ولماذا أسأل لايهمني
الامر انه مجرد اسم لشيخ قد تكون هذه البلدة من املاكه سابقا ولكنك اثرت فضولي عندما قلت انها اغرب من الخيال
- انها سميت
بهذا الاسم لانها اراض يملكها ذلك الشخص
الذي يدعى بشيخ سعد ورثها عن والده
مع اخوته وهيمن عليها بعد ان ازاح اخوه
المريض بمرض لاشفاء منه لينتهي بعد سنوات وهو في عز الشباب ثم يلتفت الى اخواته
الاربعة ويزوجهن الى اتباعه مع ما ينص عليه العرف العشائري بعدم توريث الانثى
لينفرد بأمتلاكها وهى الاف الدونمات تمتد على ضفتي النهر كان مهيب الجانب يخشاه
جميع من يعرفه ولا يتورع عن استخدام سيفه او بندقيته لمن يقف في وجهه يتجول في
ارضه راكبا حصانه متدثرا بعباءته المصنوعة من جلد الحملان في الشتاء تبرز منها
فوهة بندقيته متلفعا بكوفية يحيطها
عقال وقد رمى اذيالها الى الخلف بعد ان
غطى بها وجهه ولم تظهر سوى عينيه الحادتين كعيني صقر جائلا بها في وجه من يلقاهم
في طريقه .......وفي احد الايام وبينما هو يستعد للخروج الى احد معارفه تلبية
لدعوة وجهها اليه ذلك الرجل والذي كانت لديه ابنة غاية في الجمال حيث كان هناك شبه
اتفاق بينهما على ان يخطبها .....
طلب من الطفلة
السوداء والتي تعمل على خدمته وهي لم يبلغ
الاحد عشر عاما ان تعطيه زبونه الانيق والثمين المصنوع من القطن والمطرز
بخطوط طويلة من الحرير والمصمم لمثل هذه المناسبات والذي حيك في القدس واهداها له
احد اصدقاءه من تجار الحبوب في بغداد بعد عودته من الحج حيث كان البعض وهو احدهم
يمر بفلسطين حيث القدس لاكمال حجته كما جرت العادة
تأخرت الصغيرة السوداء في تلبية طلبه ثم جاءت بالزبون
ونسيت ان تضعه تحت الافرشه المكدسة على المحمل الخشبي وكانت هذه عادتهم في ذلك
الوقت لكي القماش ولما راه كومة من الخطوط
المتعرجة ثارت ثائرته وامتلا غيظا
ثم امسك بمقبض سوطه الجلدي المظفور وفرقع بلسان السوط في الهواء وهم بضربها فما
كان من تلك الصغيرة السوداء الا ان تكومت امامه تنتظر لسعة السوط نظر اليها كان
الرعب قد ارتسم على وجهها وهي تنظر اليه نظرة من يتوسل وقد فقد الامل في رحمة من
جلاده وفجأة توقف وقد اصابه الهلع من تلك النظرة وارتخت اصابعه ليسقط مقبض السوط
من يديه فما كان من تلك الصغيرة الا ان نهضت ورفعت نفسها على ساقيها الصغيرتين
وتحركت وهي تيمم نحو الباب وتتمتم بفمها الصغير بكلمات التوسل والدعاء له
.......نظر اليها وهي تركض حافية
هزيلة واهنة بثوبها الاصفر
المهترىء وسروالها الازرق الطويل الممزق.............. وقف ساكنا لا يتحرك كالتمثال
ثم ردد مع نفسه كانت تنظر بفزع نحوي وكانني شيطان ارتعش جسده بقوة وكانما صب عليه
ماء جليدي وغزت احاسيسه موجة من الرحمة والعاطفة بدأت تزيح ما علق من صدأ في روحه
وانهار الحاجز الذي يفصله عن الحقيقة حدق في سيفه وبندقيته و زبونه الذي تكوم على
الارض وبقية الاشياء في غرفته وساد سكون يفوق احتماله وشعر بأن كل ما يفعله ليس
اكثر من غرور كاذب وان كل ما يطلبه هو الراحة حتى لو كانت الموت بعينه عليه ان
يتجرد من وحوشية تسيطر عليه لا عقل لها .....شعر بان كل ما يعرفه يغطس في اعماق
بحر الحياة ولم يبقى سواه عليه ان يعوم ليصل الى ضفاف الخلاص ..... خرج نظر الى
السماء كان السكون موحشا في ذلك الغروب التشريني..... بدأ يجري وهو كالثمل لا
يحتفظ بتوازنه يجري متعثرا وقد تحرر من كل شيء واختفى وسط الحقول المحروثة
صمت ابو اكرم وعيون من معه تحدق به تحثه ليكمل بقية هذه
الحكاية الغريبة امسك بكأسه وبجرعة واحد ابتلع ما فيه ثم تابع يقول
- اختفى ذلك الشيخ ولم يعد يراه احد ومضت السنوات سريعة
فثارت حوله الاقاويل وتبين فيما بعد بانه كان يهيم على وجهه لا يلوي على شيء وبدأت
تنسج الكثير من الحكايات حول معيشته في الكهوف يقتات على ما في الارض من جذور و
اوراق وثمار حافي القدمين بلباس بالكاد يستر عورته كث اللحية وقد نمى شعر راسه
ليصل الى منكبيه
وفي احد الايام ظهر بالقرب من دجلة وجلس على بعد مسافة
قصيرة من صيادين قدما من علي الغربي
ليقضيا ليلتهما في العراء يشويان السمك ويعملان الخبز بعد ان اوقدا النار
تحت صفيحة معدنية ....... كانا لايعرفانه ولم يسمعا بحكايته وظنا انه بائس جائع
يحتاج الى الطعام واعطياه ما يسد رمقه في صحن من الفافون وقضيا ليلتهما في ذلك المكان وعند الفجر ركبا
الزورق وبدءا بجمع الشبكة وبينما هم على هذه الحالة وسط النهر شاهداه وهو يرفع الصحن
المعدني ويتجه نحوهما اصابهما الذهول ولم يصدقا ما شاهداه اجتاز النهر سيرا على
سطح مياهه ليسلم لهم الصحن ويعود من حيث اتى لم يصدق احد حكايتهم غير ان البعض في
القرية شاهدا ما حدث وانتشرت الحكاية بين الناس ومن اثرها لم يعد احد يشاهده
ردد صلاح وكانه صدق ما سمعه على لسان السكير الذي يجلس
قبالته
- انه وصل الى قدرة تفوق قدرتنا على فهم واستيعاب ما
فهمناه في الحياة التي نعيشها ..............متى ما تطهرت الروح تصبح المعجزات
امرا غير ذي بال بنظر من يقوم بها ....انها ومضة الحقيقة التي حصل عليها من خلال الندم بعد الخوف الذي سببه
لتلك الصغيرة
- وذلك ما اود قوله..... صلاح الوعي الذي لديك تجاوز
البؤس الى اللامبالات لذا انت تختلف عن
يوسف لانك تؤمن بالانسانية بلا انتماء
وعواطف تثير الغوغاء
رد يوسف وهو يداعب بالشوكة حبة زيتون
- وما العيب في العاطفة من اجل السعي للدفاع عن
المحرومين
- العاطفة قد
تتمادى احيانا وتخرج عن الاعتدال لتنتهك حرمة الانسان و تتحول الى مقايضة للحصول
على مكاسب ومناصب
قالها ابو اكرم وهو يربت على كتف يوسف ثم تابع
- دكتاتورية البروليتارية لاتختلف عن الدكتاتورية التي
نراها في وطننا اليوم فهي تصنع اسياد ذو مخالب وانياب لاتكتفي بافتراس اعداء
الثورة التي عادة ما يصنعها ابطالها ويرثها انذالها الذين سرعان ما يفترسو شركائهم وتساق شعوبهم من اجل الوطن كالعبيد الى
محارق نزواتهم وما نسمع به ونراه الزعيم
الشيوعي لايختلف عن الاخرين في المعارضة
ضميرا دون سلطة وفي الحكم سلطة دون ضمير .. ........وحتى العبادة فرضت على الفقير
لينسى ما هو فيه من بؤس ومن فرضها يجعل من
نفسه ولي امر الرعية ولا احد يجرأ على مسائلته لانه جعل من الله كما وصفه بني اسرائيل ليخدع به اغنياءهم
فقراؤهم ونسى ان الله هو الرحمة التي نهبها للاخرين عندما يكونو بحاجة اليها و
العطاء واعطاء جزء مما نملك لمن يحتاج عن طيب خاطر
تبرا ماركس من الماركسية لانه عرف ان من ياتي بعده سيجعلها مطية لاستلام السلطة وبحجة العدل يخلق ديكتاتوية ويسلط الرعاع و الغوغاء لينكلو
بالاخرين دون المرور بصندوق الاقتراع
.....بالرغم من كرهي لها فالراسمالية
ضرورة تاريخية لا يحددها زمن تعطيك التطور و الانتاج الغزير لخلق
الوفرة..... والوفرة تخلق الوعي الذي يعطيك . طبقة وسطى مثقفة تلك الطبقة التي
تسعى حثيثا من خلال الديمقراطية نحو الاشتراكية
شيئا فشيئاو لايمكن لرجل السلطة والذي عادة ما تقوده نرجسيته الى ان يكون
شيطانا امام الجهلةو غبي يثير السخرية امام المتنورين الشرفاء ولا يستطيع ان
يخدعهم بكلامه الثوري المعسول مثلما يخدع
السذج من الجاهل المتعاقل الذي يتحين الفرص وينتظر اللحظة المناسبة للبطش بمن
يخالفونه الراي ويهزأو من غباءه وهذا هومصير الثورات في المجتمعات التي يسودها
الجهل تلك الثورات التي لديها القدرة على تحطيم كل شيء ولا تستطيع اعادة بناءه
واذا ما استطاعت البناء فانها تبنيه مشوها
وبصوت لايخلو من عتب وكانه قد تعود على ما يكيله ابو
اكرم من كلمات قاسية للماركسية اللينينية
- وهل الراسمالية
تمتلك الضمير
- من قال لك ذلك....بعض الانظمة الراسمالية كالنظام
الامريكي خطا ارتكبته الحضارة وقد يكلفها وجودها .....المصيبة ان هذا
الوحش بدا ولا يعرف كيف يتوقف .....وهو لا
يستطيع ان يرجع بالزمن الى الوراء ليبدا من جديد العالم ......بات رهين اليد التي
باعت نفسها للشيطان ....انها ارض البنوك التي صممت لتربح بافعال بغيضة يمليها الوغد
الذي يملكها على اناس جفت ينابيع الانسانية لديهم وباتو شبه الة تطيع الاوامر مهما كانت جنونية . وهو يحرك
المجتمع وفق ارادته ومتى ما شعر بالخطر ملأ حقائبه وفر بنقود جمعها من السذج وترك المجتمع يتخبط يمينا
وشمالا ولان السلطه لا تريده ان يهرب سعت جاهدة لحمايته من خلال يد تمسك
بزناد لتطلق النار على من يخالفها الراي و
احيانا من اجل المتعة وبناء على نصيحة الغول تجتاح العالم وتعبر الحدود لتبحث عن المتاعب وعندما تجدها
يتم تقديرها بشكل خاطىء وتطبق اساليب خاطئة لعلاجها وتترك شعوبا لا تطيق رؤيتها
وتترك جروح لا تندمل... امريكا لم تتعلم شيئا من التاريخ لانها لا تملكه لذا تراها
دائما تستخدم الوسائل القذرة لتحقيق غايات نبيلة وبالتالي تتحمل وزرتلك الوسائل
دون تحقيق تلك الغايات.... يا صديقي الفرق
بين السوفييت وامريكا هو ان الاول يسمح للفقراء بان يكونو فاسدين من خلال المناصب
الحزبية التي يحصلو عليها بالرياء والتملق
والقسوة المفرطة والوطنية الزائفة بل لم يكتفو بذلك تقاسمو النفوذ عبر الانقلابات
واطلقو يد غلمانهم للفتك بالشعوب المغلوبة على امرها بحجة دكتاتورية البروليتارية
والثانية يتربع اغنياءها على عرش الثروة التي غنموها من خلال الجريمة المنظمة والغش و الفساد ضمن
الحرية التي تضمن لهم الحماية من المسائلة واقناعا ملزم للاخرين من الطبقات
الكادحة بان ينتخبو المتحذلقين والمنافقين
من مافيات السياسة كل اربع سنوات في احسن الاحوال او نصب جنرالات الانقلابات التي
يخطط لتنفيذها في البلدان النائمة
كلاهما يصنعا رجال بلا اخلاق ويتم
اطلاقهم على العالم كوحوش كاسرة
- وما البديل برايك
- لو كان هناك بديل لما وصلت الامور الى ما هي عليه
هنالك عدالة دون قوة اصابها الاعياء ورقدت تحتضر... وقوة دون عدالة مستبدة فعالة لا تتورع عن ارتكاب الحماقات و لايردعها
احد باستطاعتها وعبر مكر شيطاني ان تمتلك
بارومتر لقراءة نوايا الناس والنيل منهم . .....
كل شيء يتغير نحو الاسوا الا الانسان فهو الذي يصنع الاسوأ ولانه كائن كسول
فهو يصنع الكثير من الاشياء المفيدة
لاشخاص عديمي الفائدة يتغلب عليهم الطمع و ابواب السلطة مقفلة لا يملك
مفاتيحها الا ذوي الطموح وهذا الطموح مركبة تندفع بجنون تسحق كل من يقف بوجهها
مزودة بوقود الانانية من اجل السيطرة والتمتع باذلال الاخرين والطماع عادة ما يقع في شرك غرائزه ويجر معه
امة انانية غافلة.... لذا تستمر الحروب والتي هي اقرب الى الجنون لان من يمارسها
يمارس نفس الشيء مرة بعد مرة ويتوقع
ان تؤدي الى نتيجة مختلفة ...
الكثير منا ما زال اسير بهيميته انها كامنه فينا وتظهر
باستفزاز ينتابنا يتحالف مع الغرور و
المصيبة ان هذه البهيمية تمادت في حماقتها
ولم تعد تابه بكوارث محتملة كنتيجة لهذه الحماقة نحن بطبيعتنا كائنات نتكاثر بجنون لاستنزاف كل ما حولنا من موارد
عبر تسخير الالة دون عناء يذكر او التفكير بما ستؤول اليه الامور مما خلق حالة من العدوانية المستمرة للنيل من
بعضنا البعض ثم من الكائنات الاخرى حتى وصل
الامر الى حد وضعها في اقفاص في احسن الظروف هذا اذا لم نعمل على ذبحها لا
لاكلها فقط بل لتجميدها واكل القليل منها ثم رمي ما تبقى في المزابل
او التزين بجلودها وتخريب ما انجزته الطبيعة خلال ملايين السنين من يصدق خلال مائة عام تضاعفنا اكثر من عشر
مرات بالرغم من الحروب العالمية وتكاثرنا انصب وبال على كل ما يحيطنا لينقرض الاف
الانواع من بيئة وحيوان ونبات نحن لا
نختلف عن بعض الضواري عندما تترك سوائلها لتحذر الاخرين وترسم حدود مكانها انها الاقليمية التي لا نستطيع التخلي
عنها...... بها وجدت الخارطة للجغرافية السياسية
غير ان الفرق بيننا وبين الكواسر شيء مهم يبين انها اكثر حكمة منا بما
تمتلك من النواهي الغريزية والتي يكف
فيها المنتصر احيانا عن الفتك بالمهزوم الذي يعلن هزيمته باظهار الاماكن التي يمكن
ان يفتك بها غريمه عالنا بذلك الكف عن الصراع وبامكانك ان تلاحظ ذلك عند الذئاب
والكلاب
من بين الحروب
القادمة خلال المائة سنه القادمة هناك
الحرب الاخيرة
- الحرب
الاخيرة....؟؟؟؟سال صلاح وهو يصغي كانه وجد من يتكلم بما يفكر
- الحرب امر
لايستطيع البشر مهما ملك من نوايا طيبة ان
يتفاداها . . انها مثل بقية الاسرار التي يدعي العلم معرفتها ويقف عاجزا عن
تجنبها . .كالاعاصير والزلازل تاتي على حين غفلة ولاسباب غامضةولاتعطي سوى انذار
بوقت لا ينفع وكانما هنالك قوة اكبر من
الارادة التي نمتلكها بالحفاظ على حياتنا
...... الحرب على مر التاريخ
استمرت لسبب بسيط .... قديما كانت
هناك فسحة للافلات منها لمن لا يرغب في خوض غمارها والعالم لم يكن مكتظا بمدن
الملايين كما تراه اليوم و لا يوجد جيش لايقهر لذا الذين لايرغبون بخوضها بامكانهم
الفرار الى اصقاع اخرى قبل وصول الغازي
حيث لا عسكرية الزامية ولا حدود لا جوازات ولا اجهزة ترصد و تعتقل ثم تقتل اما اليوم استطاع الانسان ان يطور من
ادوات الفناء ما يقض مضجعه و ينذر بكارثة
كما ان الزيادة المطردة بعدد السكان والتكاثر المرعب بشكل يخالف نواميس الطبيعة ويخل بموازين الحياة
...... جعل من الحياة شيء لا يطاق ....منذ
الالاف السنين عاش البشر بادوات
بسيطة وباعداد محدودة يعتمدو على ثروات لا
تنضب .... فندق الارض لم يعد يتحمل الكثير من النزلاء و التكاثر اليوم يدفع الكثيرين
بجنون محموم للاعتداء والفتك ببعضهم و بالشركاء الاخرين من حيوان ونبات لذا
بدا التوازن البيئي يختل........ الكثير
لا يعلم ان الطبيعة ترفض ان تروض من قبل كائن اناني ولديها ما يكفي من وسائل و اسرار تدافع بها عن نفسها و تفاجاه بها
اذا لم يرعوي فنحن نعيش في كوكب محشورين فيه لانملك غيره ولايمكننا التخلي عنه
ومغادرته الا بشق الانفس والى المجهول ....محدود بموارده ولا يكفي لاشباع نزواتنا العلمية واشباع غرورنا والهيمنة
الكامنة في نفوسنا . اننا نصل دون علم الى عتبة التغيير ونصر ان نفتح كيس ايولوس . طالما بقيت الحضارة
بمزيتها العسكرية ولا بديل مقنع غير هذه المزية التي تندفع ويندفع
معها الافراط المرعب في امتلاك ادوات الفناء التي ستجد طريقها بالمستقبل
المنظور الى الامم المتخلفة وتردم هوة الفوارق التكنولوجية ومع اذكاء النزعة
القومية والدينية وبالتالي نحرض انفسنا بغباء على استخدام ادوات فنائنا
دون وازع من ضمير اننا ضحايا ما صنعنا لاننا نقتات على الطبيعه ولا نستطيع
تعويضها لذا ترتكب الاخطاء من خلال التجديد الذي يرافق النمو المضطرد خلال المائة
عام التي مضت........ وكل ما نفعله وسنفعله نخالف به ناموسها وهي شديدة المراس
متزنة ذات تجربة تمتد لملايين السنين و ليست مثلنا حديثي عهد بما نفعل بتجربة لا
تتعدى بضعة الاف من السنين مليئة بالاحباطات.... فاذا ما اخطات تستطيع ان تعود
ادراجها لتصحح ذلك الخطا فالتوازن الرائع لديها يجعلها غير مبالية بالاخلاق بل بما
هو اهم والاهم هو ما نسبة وجودنا الملائم
لوجود الاخرين من كائنات....... . لذا مهما حاولنا وبذلنا من مجهود لصياغة ما هو
مخالف لها تؤدي تلك المحاولات الى فشل لاتحمد عواقبه لاننا نسلك طرق سهلة تؤدي الى
لا شيء من خلال تكرار كذبة لنصنع منها حقيقة نخدع بها انفسنا قبل غيرنا
........عبر الاغلال التي نبجلها وجدنا امم تتفوق احداها على الاخرى وتتباهى بهذا
التفوق بل تستهين بالامم الاقل شانا استهانة تصل احيانا الى الغزو ونهب الثروات
وزرع الافكار المنحرفة لذا خلق بون شاسع بين امم متعجرفة غنية واخرى فقيرة جائعة
تتطلع بعين الحسد وتنتظر اللحظة المناسبة للانتقام عبر سلوك عدواني لا يعير اهتماما
للنتائج المدمرة. فتلك الامم البائسة التي تشعر بالمرارة مع مرور الوقت تزداد
يقينا بأنها لاتملك ما تخسره سوى الاغلال المفروضة عليها لذا تخدع نفسها و تؤمن
بالتطرف الذي قد يهدم المعبد على من فيه ولسان حالها يقول اذا مت ضمان فلا نزل
القطر ...... وقد تشهد العقود القادمة زيادة في السلوك العدواني المتطرف تدفع
بالبشر الذي يعاني من شظف العيش الى النظر بعين الحسد والحنق والغضب ليصل الامر الى سلوك التمادي
دون رادع والتفكير بالاستشهاد الذي
يضمن الفردوس مقابل الفتك بالاخرين وبلا رحمة لذا الحروب القادمة لاتحدد من هو
المصيب لانه لايوجد من هو الباقي والحروب
التي مرت خير دليل على ذلك تصورو معركة
اوفر لورد او ما يطلق عليها انزال نورماندي
للحلفاء على السواحل الفرنسية في الحرب العالمية الثانية بدات عند شروق
الشمس وانتهت عند غروبها ذهب ضحيتها اكثر من ربع مليون باسلحة لا تعد شيئا امام
الاسلحة الموجودة في عالم اليوم وما يخبأه المستقبل القريب من مفاجات علمية منحرفة
نهض ابو اكرم بعد ان اجهز على ما تبقى في الكاس واطبقت
شفتيه على فلتر سيكارة بغداد وكانت الاخيرة في العلبة ......انتصب شد حزام بنطاله
و غادر صاحبيه مرددا
- البطولة احيانا تنجب الرذائل ومن هذه الرذائل ترتكب افضع ا لحماقات
لو تعقبنا ما
نطلق عليهم الفاتحين العظماء عبر التاريخ
لوجدناهم كالبعوض يتكاثرو في مستنقعات الفقر و الجهل ويتطلعو الى المجد وعندما تاتي اللحظة
المناسبة سرعان ما يمتلكو جناح وخرطوم مدبب صلد ينقضو به في غفلة من الزمن على النائمين او الصامتين
او المهادنين ليمتصو دماءهم وينقلو مرض الفوضى التي سرعان ما تندفع من خلال
فتحات مرجل يغلي بجنون ليصب غضبا عبر مواسير الفتوحات ليجتازو الحدود وينشرو
الموت والدمار......
التاريخ ليس
اكثر من اساطير لشخوص تتوزع بين من يكرهها ويحبها والاساطير ...... اكاذيب نعشقها
لانها تمجد اوتنال حسبما نهوى و نريد عبر ما سمعناه من الاهل على مر
الاجيال.....خذ مثلا على ذلك نابليون وهتلر وستالين والمئات غيرهم على مر التاريخ.
وقبل ان يفتح الباب ليخرج
دخل ابراهيم ومع
دخوله انطفات الكهرباء بعد ان جاوزت
الساعة منتصف الليل بدقائق . وساد ظلام
دامس ومن خلال العتمة سار ابراهيم ملتمسا طريقه بيده ملامسا الجدار
وهو يتمتم مرحبا
بفتور بالذي خرج للتو واجتاز الممر
الى الباحة ووقف يتفحص الشخص الذي جلس الى جانب صلاح وهو يردد
- من ابو
يعقوب
- اهلا ابراهيم
قالها يوسف ببرود وساد صمت وسط الظلام ومرت فترة قصيرة
دخل خلالها ابراهيم الغرفة واضاء الفانوس وغير ملابسه وخرج رافعا ذلك الفانوس
يتمعن في وجوه الجالسين ونظر الى ما تناثر على الطاولة من بقايا انتصبت وسطها
زجاجة المستكي الفارغة تحيطها كؤوس ثلاث وردد هازئا بابتسامة من زاوية فمه
- صلاح كيف وجدت
حديقة الفلاسفة
- مفعمة بعبير الافكار الرائعة
-ولكنها خطرة اذا ما سمعها احد الرفاق
- وهل يفهم الرفاق شيء منها
-انهم شياطين تربو في احضان الشيوعية قبل ان ينقلبو
عليها
- ولكنهم اليوم شركاء في الحكم
- شراكة الذئب والحمل
متى ما اختلفو نال القوي من الضعيف
التفت صلاح موجها السؤال الى يوسف
- مارايك
- في ماذا
- فيما سمعت
- دعك منه بتقيته لا يستطيع احد ان يدينه فهو مع القوي
اذا ما تطلب بقائه ذلك وقد لا يرحم المساكين امثالنا
- وهل يستحق صاحبك الهرم العبقري السكير الذي اودع كل
امكانياته الهائلة في صندوق الخيبة الرحمة
اعطاه الله جوزة . غير انه لم يجرؤ على كسرها ليتلذذ بماؤها ولبها....... تاركا المزرعة
والقلعة والعائلة واللغات الثلاث التي يتقنها علاوة على اللغة العربية وهي اختصاصه
كمدرس واكتفى بنقاشات بائسة تتبادلان فيها
الكذب ثم يصدق احدكما الاخر.... تريدان
تغيير العالم وانتم في برجكم العاجي تحتسيان الجنون كاسا بعد كاس حتى
اخذتكم تلك الكؤوس وها انتم اسرى لها تجلسان
تحت ظلال البرحية ......حقا انتما مخادعان لا يدرك صلاح خداعكما لانكما
تكذبان بصدق..... هذيانكم لا يحتاج سوى مكنسة عسى ان تظهر الحقيقة ويكون هناك فعل يرضي من ينتظر
منكم ذلك الفعل
- هذا الهرم السكير والد خطيبتك
- عندما طلبت
يدها لم اجد سوى والدتها..... حينها كان
يقضي عقوبته في منفى الشهابي بعد
ان ضاقت البلدة به ذرعا ثم عاد ثانية بعد ان سرق تلاميذ الابتدائية قنينة المستكي
من حقيبته وهو في غفوة تحت ظلال شجرة اثناء سفرة مدرسية للتلال الخضراء هناك وقضو
عليها بعد ان صدقو ما ادعى عندما قال لهم
بانها دواء للديدان وثارت ثائرة الاهالي بعد ان عاد اليهم اطفالهم شبه
سكارى تفوح من افواههم رائحة المستكي..... ليعود مرة اخرى الى الثانوية خوفا . من
انتقام سكان الشهابي وهاهو كما تراه يقضي معظم نهاره بعد الدوام في العبارة يحتسي
العرق وكانه ماكنة بشرية لا تتحرك الا
بوقود المستكي المخبىء في جيب سترته ولولا استاذ محمد مدير الثانوية وطلاب السادس
الادبي وحاجتهم الماسة اليه لما عاد الى شيخ سعد على اي حال انه شخص غير مرحب به
في عائلته طرد منها منذ ثلاثة اعوام لاصراره على التمسك باطلال ارض قفر لارغبة
لديهم بالعودة اليها.....وهو غير قادر على
احياءها ولا ينوي بيعها كل ما يربطه بهم
هو نصف راتبه يعطيه لزوجته بداية كل شهر مرغما وعلاقة سيئة مع ابنه ولا احد منهما
يطيق الاخر..... كثيرا ما يتخاصمان ويهدده
ذلك الولد العاق بان نهايته ستكون
على يده في يوم من الايام بعد ان حرمهم
من ثروة تجعلهم يسكنون اجمل القصور بارقى
الاحياء في بغداد
- واكرم الا تخشى ان يعرف وانت ستتزوج اخته قريبا
- يعرف ماذا
- سلوكك المنحرف في الاغواء مستغلا خيبة الامل للمتزوجات
والفضول للاخريات
ضحك ابراهيم حتى دمعت عينيه عندها ازاح نظارته ومسح
عينيه ثم ردد
- لاتخف رفيق اكرم طالب الاعدادية وعضو الاتحاد
الوطني نذل يثير الاعجاب . امثاله لا يختلفو بشيء عن سويلم.... يشاركني
مغامراتي وهو حليف يمكن الاعتماد عليه في حرب الاغواء السرية بمجرد ما اكشف له
مكان تواجدنا حتى يتسلل كالعنكبوت لتجده امامنا مصرا لنيل مراده مجبرا العشيقة على
الرضوخ خوفا من الفضيحة ولا يجرؤ على تانيبي خوفا من ان يصاب بالفاقة . ويعود الى
ممارسة الشذوذ والسديمية مع رفاقه
الاخرين.... وعدته بان اتحرر من ذل
الشهوة واصبح مجرد رجل ذو ماض ....رجل ترك الجنس مدفوع الثمن ليختار المجاني
بالرغم من غلاءه الفاحش . .... لذا نصحته بالاستفادة من الدروس المجانية التي يتلقاها دون مقابل سوى
صمته ... لاذنب لنا في ذلك هكذا هو الامر الله خلقهن جميلات والشيطان جعلهن
مغريات... وكما تعرف ... نحن ابناء عائلة سيئة السمعة طرد ابونا من الجنة بعد ان خدعته امنا لياكل من
الشجرة المحظورة و ارتكب احد ابنائه جريمة بحق اخيه غيرة وحسدا.... كل الزعماء في التاريخ قتلو او
قتلو من اجل سلطة لارضاء امراة
- والحب الا تؤمن بالحب
- الحب لا ينفع الا امثالك لديك من الخيال اكثر مما لديك
من الذكاء.... الحب بضاعة كاسدة هذه الايام... المرأة كائن عملي يعشق الذهب و ورق
البنكنوت هكذا خلقت . كالارض متى ما
وجدتها صالحة للاغواء كل ما عليك هو نثر
بذور الكلمات المعسولة وسقيها بالود والهدايا وانتظر لتحصل على ثمرة ذلك في
السرير
-تقول ذلك لانك لا تستطيع ان تحب
-بالعكس استطيع ان احب
وابذل الجهد في ذلك لايام حتى اصل
الى الربع ساعة التي انهي بها ذلك الحب اذا وجدت من تبادلني اياه ...... الحب لا
يختلف عن الكاس الذي تشربه للقضاء مؤقتا على الملل الذي يسكننا انه جنون مؤقت
علاجه الضراب يبدا بقبلة تهدم اسوار العفة
لتغزو قلعة الجسد
- لجوئك للجنس يدل على انك انسان محبط
- وهل لجوئك للطعام والشراب يدل على انك محبط ما هذه
الترهات يا صاحبي انها الحياة هكذا هي منذ ملايين السنين ...خلقن و زودن بفسلجة
تبحث عن الاستقرار و القضاء على الملل لذا زودن بالغريزة ليتبادلنها معنا تلك التي
تبدا مبكرة ولا تنتهي عند بعضهن حتى بالزواج ....انهن البهاء الذي نتصوره بل اكاد
اجزم انهن لسن سوى ذكور محورة وممارسة الحب معهن
ليس اكثر من نرجسية للتغلب على الخيبة التي تسكننا من اللا جدوى في تلك
الحضارة التي علمتنا كل فنون الكسل والنفاق ........و العائلة مع مرور السنين
ستكون عبأ لا يطاق لان شراسة وطمع
الراسمالية جعلت من الزواج الجحيم بعينه من خلال السعي المحموم لخلق مجتمعات كل همها هو الفوز بماوى مؤثث
وتنافس محموم للنيل من الاخرين من اجل حفنة من الدولارات وسيارة حديثة وانتماء
تملقي الى رجال السلطة والمال....تلك
الحضارة التي بداتها المراة
من اجل الاستقرار لانها تعاني من
بطىء الحركة بعد ان اثقلها المزروع في احشاءها بملىء ارادتها في
عصر الصيد وجمع القوت والتسكع بين القارات
فسعت لحماية النظام عبر السلطة
ووفرت ظروف لظهور المتسلط الذي
وجد محتال يعينه ليصدقه الحمقى ...ومع
التطور خدعت وكانها تريد ذلك لتتخلى عن
قوتها البدنية والتفتت الى شؤون المنزل وتربية الصغار وتدريجيا تحولت الى اداة
للمتعة بل اصبح الامر في الشرق العربي وبالا عليها لانها اصبحت رمزا للعفة لاقدرة لها للحفاظ عليها لانها سرعان ما تقع في شباك
الغريزة التي تسكن جسدها اما الغرب
الامريكي فالامر اسوأ حيث نالت من الحقوق ما يكفي لتكون دمية جميلة وممتعة في مكاتب السياسيين ورجال الاعمال واصحاب النوادي الليليه ومتى ما شعرو بانها
تمتلك شيء من الكرامة او تقدم بها العمر و
وجدو من هي اصغر و اجمل منها طردو ها
لتتسكع في الشوارع مع المنحطين والمشردين
ثم انني لاذنب لي في ذلك لااستطيع
ان اغوي انثى الا بارادتها وانت تعرف انهن
يمارسن الجنس مع من يردن ونحن لا نمارسه الا مع
من تسمح لنا هكذا هو القانون والا اتهمنا بالاغتصاب وافرغت علينا القوانين
و التقاليد جام غضبهما
- وقد يفلت امثالك من فعلته ويلوذ بالفرار اما المسكينة
تصبح نذر للتقاليد وتحز رقبتها سكين الشرف
- هكذا هو الحال دائما الغرائز تدفعنا وهوة التقاليد
تستقبلنا والتفسخ مصيرنا
- الا يعكس
الالم الذي تسببه للاخرين شيء بداخلك
تكلم صلاح
بعد صمت طويل وهو يطوي الكتاب الذي بين يديه وشخص بصره نحو ابراهيم ثم تابع
- ليس الغرض من الحياة هو الاستمتاع بها على حساب الاخرين بعد معرفتنا بانهم اضعف منا .....هذا
النوع هو فعلا كما قلت خداع يمارسه من يحب
نفسه .... بتصرفك هذا تبدو و كانك اسير
لشهوة اذلتك فاردت ان تذل غيرك لانك وارجو
ان اكون مخطئا رجل تعاني من الاحباط
...... قد لااعير للحب الصبياني اهمية فهو ليس اكثر من وهم اخترعناه لنمارس
الجنس ولكن هنالك ما هو اهم انها الرحمة
هي ان تكون ملزما بالتفكير فيما
يصيب الاخرين من ضرر لتصرفه عنهم اذا وجدت
لذلك سبيلا ومتى ما امتلكت الارادة تجد نفسك غير ملزم بان
تمارس فعل السوء وهذه الارادة اذا ما تمتعت بها تشعر بالرضا لانك ابتعدت عن الانا القذرة الساكنة
فيك. قديما كان لدينا خيارا بان نكون بين صف الشياطين و الملائكة وغالبا ما كنا
نختار الاختيار الثاني في اغلب الاحيان اما اليوم بات الكثير منا يخشى من القادم لذلك تمادينا كثيرا وادمنا على التحالف مع
الشيطان وذلك نذير شؤم وكارثة قد تحل بنا اصبحت العلاقة الشرعية والمحرمة وسيلة
للتباهي بفحولتنا امام انثى ننصب لها المكائد لننال منها لا لشيء سوى ارضاء
لغرورنا وحتى.. لو واجه احدنا جراة من امراة لتوقعه في شباكها .....حسنا ليفكر قبل
ان يقدم على فعل شيء هل جسدها ملكها ام هناك من يفرض وصاية مميته على ذلك الجسد و
لا تنسى ان الايمان الكاذب هو عندما يكون الرب في قلبك والشيطان في سروالك عند
ذلك يكون
الامر اسوا من الالحاد وهذا هو ما تتمتع به انت وامثالك.... النساء ما زال
يسكن في اعماقهن سلوك الجواري المفروض عليهن منذ الاف السنين بعد ان تخلو
عنهن بصفتهن من يخلقن الرجال في ارحامهن واستعاضو عن ذلك بزخات المطر التي تقذف بها السماء لتتسلل الى
رحم الارض وتنبت البذور ..لذا لم تعد تصرفاتهن اكثر من كفاح للحفاظ على قيم الحياة وسط مجتمع ذكوري
متنمر معتمدا على مخالب وانياب سخرها له اناس لا تفقه شيء من الدين سوى الاساطير
التي تخدم نزوات السلاطين .. عند الصفوة هنالك ما هو اكثر تشويقا من الجنس..
والشريف غير مستعد ان يرمي مسكينة اسيرة لغريزتها مغلوب على امرها الى نار الاعراف
والتقاليد التي بدل ان تكون مرشدا تحولت الى سجان لايرحم لا اعظك بصفتي متدينا
مثلك ولكن هذا هو الحال شئت ام ابيت
ساد صمت ونهض صلاح دون ان ينتظر جواب من ابراهيم وحاول
يوسف ان يلطف الجو المتوتر غير ان ابراهيم اثر الصمت بعد هذا السلوك المفاجا من
قبل صلاح وتسلل الجميع كل الى مخدعه بعد ليلة حافلة بوجهات النظر المتباينة والتي
ستترك اثرها على العلاقة بين من حضرها
صباح اليوم التالي استيقظ . وشعور غريب ينتابه.. هي
المرة الاولى التي تخونه ساعته البايلوجية و ايقن بانه كان منهك بما فيه الكفاية
ليجد الساعة قد جاوزت الثامنة بدقائق ولا احد غيره في البيت وبدل ان يوقظه ابراهيم
في الساعة السادسة كعادته منذ مجيئه خرج و
تركه يغط في نوم عميق...... نهض على صوت الباب يفتح برفسه ذكرته برفسة كوركيس وهو
يفتحها خلال الايام الثلاث التي مضت ولوهلة كان على قناعة بان القادم هو كوركيس
لاغير ولكنه تفاجا بشخص يرتدي دشداشة بنية و تدلت من رأسه كوفية احاطها بعقال كان طويلا اشقر ضخم مائل الى السمنة بعيون بنية
و بشرة بيضاء مشرئبة حمرة
- . صلاح
....... لاتقل لي انك تعمل هنا...... يا الهي لا اصدق ذلك يا لها من صدفة
- كاكا
مقديد ما الذي ترتديه يكفي لورنس انكليزي كيف تطيق زي من لا تطيقهم كنت انتظر قدومك على
احر من الجمر لم يخطر ببالي ان اجدك
هنا.... ما الذي جاء بك الى هذا المنفى ؟؟؟
- وأنا أسألك السؤال نفسه عندها ضحك صلاح ومد يده مصافحا
ومعانقا ثم سأله
- جئت من خانقين
- بل من السليمانية
- السليمانية ؟؟!! وبهذا الزي !!! مقديد اعرفك جيدا !!
لابد هناك شيء ما جعلك ترتدي هذا الزي ثم مالذي تفعله هناك ؟ لم يخبرني كوركيس
- انها حكاية
طويلة ......متى غادر كوركيس؟
- صباح امس
....حسنا سأعد الافطار وبعدها نذهب الى الثانوية سوية
- جاوزت الثامنة صباحا اذهب انت لايمكنني الذهاب الان . سأعد الافطار
- ما الذي جعلك ترتدي زي الرعاة؟؟؟ هيا اخبرني بدأت أشعر
بالقلق
- قلت لك انها
حكاية طويلة
- اسمعها منك عند عودتي .أيعلم ابراهيم بفدومك؟
- ارجوك لا تخبر
احد لم يعد الامر يثير اهتمامي انا على وشك الانقطاع عن الدوام بشكل نهائي جئت
لاودع الجماعة ومن حسن الصدف ان اجدك هنا ....... كوركيس لم اتمكن من رؤيته وقد لا
اراه مرة اخرى لذا لم يبقى سوى ابراهيم
ويوسف وابو اكرم انا اسف صلاح كنت اتمنى
البقاء معك لفترة اطول على اي حال امامنا النهار والليل بطوله اراك عند عودتك
- لابأس اراك بعد الظهر
الحفاظ على الشخصية خير من استعادتها
اصعب ما في الحياة هو الاختيار بين جسر نعبره ونحرقه
واخر نعبره ونتركه
ابرام صفقة مع الشيطان خير من الخنوع لاحد اتباعه
لا فائدة العالم وضع على سكة نهايتها هاوية سحيقة يمكنك
القضاء على مجرم ليحل مكانه اخر الالاف
بالانتظار والماكنة البشرية تسير نحو حتفها لا يفصلها عن ذلك سوى زمن لايتعدى عقود
قادمة وما الحرب العالمية الاولى والثانية الا عوامل تسبق التفاعل
خرج
ناشدا الثانوية و الساعة قد جاوزت الثامنة والنصف وعند دخوله .المدرسة كانت الساحة
خالية سار الى غرفة المدير وهناك وجد استاذ محمد منكبا على الكتابة القى التحية
رفع استاذ محمد راسه ثم نظر الى ساعته وابتسم ابتسامة ذات مغزى فما كان من صلاح
الا ان اعتذر عن تاخره وهم بمغادرة الغرفة الى الصف غير انه سمع استاذ محمد يردد
وراءه
-
لاعليك حل مكانك استاذ ستار تفضل بالجلوس اعذرني لدقائق حتى انهي ما في يدي
-
لاباس لم يوقظني صاحبك صباح اليوم ارجو ان لا يكون متحاملا بما سمعه مني مساء امس
-
لم يسعني ان امر بكم كنت منشغلا باجتماع حزبي للرفاق من الشهابي والبلدة وعلي
الغربي ....من كان معكم
-ابو
اكرم ويوسف
-
اوووه يا الهي كم اشتاق الى الجلوس معهم ما رايك بهم
-تقصد
ابو اكرم ويوسف
-
وهل هناك غيرهم لابد انها ليلة حافلة
-
فعلا انها ليلة حافلة غير اني اثرت حفيظة ابراهيم بكلام لا يليق وباسلوب غير مهذب
-
لايهمك انه حيوان سرعان ما ينسى انا اعرفه جيدا ولا يتخلى عن طبيعته..... علمته
طريقته في الاغواء ان يكون كالاسفنجة يمتص الاهانه ولا يثور غير انه اذا اصر على
الاغواء ينال ما يريد ولو بشق
الانفس.....بالرغم من سلوكه السيء مع يوسف غير انه يوده بشكل خفي ولولا صداقة يوسف
لابو اكرم ومعاقرتهم الخمر وكرهه لابو اكرم لكانو على خير ما يرام
-
ولم يكره هذا الرجل؟؟
-
زود بجرعات وحقن بسم الكراهية عبر ام
خطيبته . .. .
-
ما رايك بيوسف
نظر
استاذ محمد الى صلاح نظرة ذات مغزى وعقب وقد علت وجهه ابتسامة ورد قائلا
-
هذا الاحمر ملاكا تتجسد فيه طيبة البصرة غير ان عيبه متى ما يحتسي الخمر ينال من الرفاق ولو بشكل
خفي .....اذا اقتربت منه تحبه واذا ابتعدت عنه تحبه اكثر
- بالرغم من انك لاتوافقه في الراي
-نعم
لا اوافقه ولكنه من اعز اصدقائي
-
الاتخاف منه
- ولماذ اخاف منه .بل اخاف عليه ولكن ما الذي
تقصده بالخوف منه
-
تتأثر بافكاره....... فالشيوعية وباء فكري لديها سحر ينال من الاخرين عندما يقعو
في شراكها ولا يستطيعو التخلص منها الا بجرعات عالية من القراءة
-
وهل سحرك بافكاره
- لا أأؤمن بها
-
اذن انت تؤمن بافكارنا
-
بل بالاشتراكية الفابية بعيدا عن الاممية والقومية
ضحك
وردد
-
وما هذه الفابية بربك الايكفينا ما نحن
فيه من نزاعات بين الاممية والقومية
-
الاشتراكية التي انبثقت من انكلترا وبقيت فيها بالرغم من عظمة الذين امنو بها
والتي قلمت اظافر الاستعمار البريطاني لما تحمله من مضامين انسانية
-
ومن هؤلاء العظماء الذين امنو بها
-
يرناردشو .... ويلز ... هكسلي
-
ولماذا لم تنتشر
-
انتهت الحرب بظهور العملاق الراسمالي والشيوعي لذا انزوت انكلترا بجزرها البائسة
تلعق جراح المخالب الهتلرية بعد سبعة سنين عجاف فقدت فيها اكثر مما تملك حتى كادت ان تتحول الى سجن نازي واثقلت كاهلها
بديون لا طائل لها على تسديدها لذا لم يبق على الشعب البريطاني المشهور بذكائه سوى
ان يطلق العنان لقادة الفكر ليزيحو الحطام ويرتبو البيت الداخلي لهم بما يضمن
استمرارهم في الحياة بعيدا عن الحروب التي لا طائل منها وتم ايجاد نظام اجتماعي
يعتبر من ارقى الانظمة الانسانية في العالم عبر التوزيع العادل للثروة وحفظ كرامة
المواطن من خلال السكن اللائق والاعانات الاجتماعية للعاطلين عن العمل ومشاركة
العمال للهيئة الادارية في ادارة المؤسسات
الصناعية باعتماد الصراع الانتخابي والتداول السلمي للسلطة عبر صندوق الانتخابات
بعيدا عن التهميش . وخلق الطبقة الوسطى المثقفة مجانية التعليم الابتدائي والثانوي
-
وهذا ما يجري في العراق ما عدا الانتخابات وانت تعلم هناك جبهة وطنية
-
ولكن هناك حزب حاكم لا يؤمن بالديموقراطية
-وهذا
هو ما يؤرقني ويجعلني في كثير من الاحيان اعيد حساباتي وينتابني الشك في المسيرة
النضالية للحزب ...الاوضاع تتازم ولا احد
يعلم ما تخباه الايام من مفاجات غير سارة ولهذا قلت لك اخاف على يوسف بعد ان علمت
بان حملة اعدامات نالت من بعض الجنود المكلفين بحجة التنظيم السري في القوات المسلحة
ساد
الصمت ونهض المدير ليضغط على زر الجرس معلنا انتهاء الدرس الاول واندفع الطلاب الى
الساحة بعد ان تقياتهم الصفوف لم يشا صلاح ان يخبر المدير بقدوم مقديد بناء على
رغبته منتظرا نهاية الدوام ليلتقي به كما اتفقا
.
. . وتسائل مع نفسه لابد ان شيء ما جعل مقديد يتصرف بهذا الشكل الغريب انه يعرفه
جيدا فهو من النوع الذي يجعل من السلاح طريق لنشر الوعي يغفر لاصدقائه غير انه لا
يغفر لخصومه اذا تمادو في اذلاله حتى لو اعتذرو . لانه يعتبر الاعتذار تمهيد
لاساءة مستقبلية انه شخص خلق للحرب شجاع لايخاف شيئا متعصب بما يكفي لينحاز الى
العدل غير ان عيبه هو انحيازه الى قوميته
اكثر و بلا تردد بعاطفة غالبا ما تسبق العقل.غير انها عاطفة تناصر الحق يلجمها متى
ما حامت الشبهات وراوده الشك حول قناعاته.......وعاد صلاح يفكر هذه المرة في وضعه
الجديد الى متى يبقى في هذه المدينة التي لا يسمع فيها نهارا سوى دوامات الريح
محملة بالغبار وشوارع بالكاد يشاهد فيها بشرا او كلب او قط اما من يراهم
اغلبهم من مربي الجاموس في الجانب الاخر من النهر بجهلهم
المطبق وامراضهم التي لاتشفى وبؤسهم الذي لا رجاء منه.... ذهب كعادته بعد نهاية
المحاضرات الى المركز الصحي لمرافقة ابراهيم الى البيت كانت الساعة قد جاوزت
الثانية عشر بدقائق .وشعر برغبة في المرور بالمستوصف والجلوس في الصيدلية حتى
نهاية الدوام ولكن
عند
دخوله البناية انتابه القلق من العيون التي شعر بها وهي ترصد كل شاردة وواردة وشعر
بان هناك من يراقبه خلسة كغريب يجب التصرف
معه بلؤم لمعرفة نواياه وهكذا هو الحال في
اي مكان حيث الكامن من البهيمية عند البعض يجعلهم عدوانيون دون مبرر ولم يرغب
بالبقاء والحالة هكذا لذا قرر مغادرة
المستوصف و الذهاب الى البيت دون ان يلتقي
بابراهيم وبعد خمسة دقائق وصل الى الدار .
ارتمى على السرير وتناول رواية ذكريات من منزل
الاموات مستغرقا في قراءتها ولم يشعر بالوقت يمضي حتى انتبه الى باب الدار يفتح
وبعدها اطل مقديد بقامته المديدة وجسده
الضخم ونظر صلاح اليه متسائلا
-ما
الذي جاء بك في مثل هذا الوقت
-
منتصف النهار يوووه اربع ساعات مضت
-
قلقت عليك اين كنت خلال هذه الساعات
-
انه يوم حافل بالاحداث وانت اين كنت طوال هذا الوقت
-
في الثانوية كما قلت لك صباحا مضى اسبوع على الدوام كما تعلم مررت في طريقي الى
المستوصف ولكني لم ارغب في البقاء لذا اثرت العودة الى البيت دون مشاهدة ابراهيم
-
وكيف هي الاحوال هناك
-لم
ينتظم الدوام بعد والمدير منشغل بتنظيم الجدول
-سال
عني
-لم
يسال عنك ولم اخبره بقدومك بناء على رغبتك
-ولكن
اين قضيت الساعات الاربعة
- حسنا عرجت الى القلعة عند ابو اكرم
تغيبه عن العبارة هو ما جعلني اذهب
الى بيته
-
وكيف عرفت انه هناك
-
لم اعرف . ولكنه كعادته اذا لم يكن في العبارة تجده في بيته...... اردت رؤيته
.
-
هذا ما كنت اتوقعه .وماذا عن المباشرة.
-
لم اعد اشعر برغبة في تعليم من لا يريد ان يتعلم
-
وما الذي تفكر به .....مزاولة العمل مع الوالد؟؟؟؟
عندها
ابتسم وردد بصوت يكاد لا يسمع
-
نعم العمل العمل معه في جبال كردستان
-
ماذا امرك عجيب ؟؟؟؟ وما الذي تفعله هناك
-
ما يفعله الكردي عندما يشعر بالخطر نحن من
رحم الصخور لذا تجدنا بصلابتها غير اننا
قساة لا ننكسر طالما عاشرنا البرنو
.....هكذا هو الامراتذكر عند المزاح وبعد كؤوس من المستكي كنت تقول لي انتم
الاكراد اطفال الجبال تهربو الى احضانه كما يهرب الصغير الى حضن امه عندما يشعر
بالخطر اعطتكم الالهة وطن وحليف بمواجهة الغزاة!!!!! لم ولن يتمكن الرعاع من لي ذراعكم ولن تكونو لقمة سائغة مثل
البقية من الاقليات في هذا الوطن الذي
يمضغ الضعيف و يبصقه........... متى ما شعرتم بان هناك من يضمر لكم شرا تختفو في الكهوف والمفارز
والضخور الهائلة مع حريتكم وكرامتكم .ما
رايك بالهروب معي لمواجهة الغزاة
-
غزاة!!!! عن اي غزاة تتحدث اتقصد كلا لا اصدق يبدو ان الامر تطور بشكل خطير!!!!!
وما الذي تريدني ان افعل احمل السلاح لاقتل انت تعرفني جيدا مثلي لا يجرأ على
ايذاء ذبابة
-
ولم لا هنالك الكثير من هم بشاكلتك معنا .....قضيتنا عادلة والقضية العادلة كل العالم وطن لها هذا ما سمعته منك سابقا عندما كان يحتدم النقاش
كنت تقول كل الاقليات دفعت الثمن باهضا في بلد يحكمه دائما كادر لئيم متخصص في
الاستيلاء على السلطة والتنمر على ناسه
...... . بل يسعى الى وجود مثل تلك الاقلية حتى بين العائلة الواحدة وجل هؤلاء يبدأو سويلم وينتهو كبارا .......
ولو اخذت عينة منهم وفحصتها ستجدها تنتمي الى احفاد الغزاة الذين حرثو وزرعو
بذورهم في ارحام المتبضعات ولم يبقى سوى الاكراد متى ما شعرو بالخطر صعدو الجبال
ولم تتمكن سلطة من اللحاق بهم على مر
التاريخ على عكس اليهود والنصارى الذين لم يجدو ما يلوذو به فتركو الوطن والمال هاربين الى منافي العالم
-
لم انكر ذلك وما زلت مصرا على رأيي
-
اذن كل ما تحتاجه هو بندقية تحملها على كتفك وجبل تلوذ به
-
اعذرني لم افكر يوما بالانتماء الى معسكر
يطلق النار من اجل قضيه حتى لو كانت عادلة
-
الدفاع عن النفس حق مشروع كفلته الطبيعة
-
وانا ادافع عن نفسي بالهروب وعدم المواجهة واتقاء الاشرار
-
ما عهدتك صوفيا وحجتك التقية
.....ما أعرفه انك تعتبر التقية
اكذوبة .... بل هي في رأيك ليست حكمة
بل خوف وتردد
-
لست تقيا ولكني اعرفك جيدا انت لا تختلف كثيرا عن اي قومي متطرف
بل تتمادى احيانا الى حد
يجعلك هذا التمادي في خطر محدق غير
ان الحظ يقف الى جانبك ما زلت اذكر اللكمات التي ادميت بها وجه عضو الاتحاد في
المعهد بعد ان منعك من توزيع المنشورات وهروبك قبل ان تقع في ايدي جماعته ولكن ليس
في كل مرة تسلم الجرة
-
مصيبتك انك رجل مثقف جدا ولا تختلف بشيء عن ابو اكرم لذا لاتحب ذبح الطيور ولكنك
تحب اكلها......... لاطعم للحياة دون صراع من اجل قضية تلك المواجهة هي التي تجعل الدماء تفور في
عروقك..... ثقافتك هي السبب في تردي سلوكك
و ترددك انها جعلتك كالقط المدلل تبحث عن دفأ ووسادة تتمدد عليها وطعام جيد يصلك
واسترخاء لقراءة رواية تعيش احداثها بأستمناء ذهني بعيدا عن وطنك الذي يحترق
-
وانت رهنت ارادتك بيد الاخرين و اصبحت
لاتختلف عن الرفاق .....بل . تنفذ الاوامر
ولا يسعك الا الطاعة . تطوعت لمواجهة اشخاص لا تعرفهم وانا لا قدرة لي على فعل
ذلك........ الشجاعة التي اتمتع بها هي ان ارثي لامثالك عندما يمسكو بتلك الحديدة الباردة و يضغطو على الزناد دون
معرفة ضحيتهم التي يردونها بدم بارد
-
هذا الهراء الذي تقرأه افسد عقلك ولم يعد بأمكانك ان تميز بين الضحية والجلاد لولا
هذه الحديدة الباردة لما بقينا احياء طيلة اربعة الاف عام
-
في العالم الذي نعيشه لم يعد هنالك فرق
بين الضحية والجلاد انهم غالبا ما يتبادلو الادوار
-
الا تضطر احيانا الى الانتقام ممن سعى الى
ازدرائك و اغتصاب ارضك ثم اذلالك؟؟
-
ليس كجندي يمتثل لاوامر اسياده............... لا اود ان اكون فردا ضمن مجموعة
مقاتلة تسمى جيشا فأي جيش في العالم لا يتردد عن تخريب و سرقة اي
شيء يقع في يديه تلك هي لذة الانتصار في الحروب عبر التاريخ ثم يسعى قادته
بتسخير اصحاب الاقلام الرخيصة الى تجميل صورته بحكايات اخلاقية قريبة الى الاسطورة و لا تمت الى الواقع
بصلة التاريخ ليس اكثر من صالون تجميل في
خدمة عروس اسمها انتصار..... احاول دائما ان ابتعد عن الاوغاد ولكني اذا اضطررت و
اردت الانتقام .....انتقم من شخص بعينه سبب لي الاذى وهذا هو الفرق بيني
وبينك انا لا انتمي لاكون قويا وانت تنتمي
لتكون ....تبا لنظامك العسكري ذلك النظام هو
وليد سلسلة طويلة من القوانين
صاغتها اعوام من الصراع بين انظمة مستبدة
لقادة نرجسيين من اجل التمتع بالسلطة ومزاياها انهم قياصرة كل عصر وهم بحاجة الى امثالك من العبيد لاشباع رغباتهم
-
حسنا لم تفاجأني برأيك ما زلت كما تركتك قبل اكثر من عامين كما انك لاتستطيع ان
تغيرني ولا اريد ان اغيرك لنحتفظ كما تعودنا بهذه المسافة بيننا ونبقى اصدقاء كما
كنا دائما
-
ومن قال لك اني افرط بهذه الصداقة كاكا
مقديد لولا احترامي وثقتي بك لما تفوهت بكلمة مما سمعت الان غير اني انصحك
بأن تكون حذرا
- حذرا
هه عن أي حذر تتكلم .... الحذر لم
يعد كافيا ....... بالأمس...... صدق او لا
تصدق لم يكن بيني وبين الموت سوى باب هرمة
من الصفيح والواح خشب الصناديق...... عندما
تركت فيها رفيق السفر عند دخولنا حي الاكراد بعد اجتيازنا كراج النهضة
والكوازة لزيارة العشيقة التي كنت اتوق لرؤيتها على احر من الجمر وما ان دخلت
الدار ولم اكد اتفوه بكلمة وأنا اراها مقبلة نحوي حتى سمعت صوت اطلاقات نارية لم
اخرج بل نظرت من شق الباب الخشبية الهرمة لاجد صاحبي تمدد وسط الطريق نهاية الزقاق
يلفظ انفاسه الاخيرة ورجلين ملثمين
احدهما بكوفية جنوبية والاخر بكوفية بيضاء يحمل كل منهما مسدس ويعدوان ليبتعدا عن مكان الحادث مددت يدي مرتبكا من هول
ما شاهدت لافتح الباب ولم اعرف من اين يفتح واليد الاخرى تمسك بالمسدس كنت انوي
الخروج لهؤلاء الاوغاد واطلاق النار
عليهما غير ان المرأة ارتمت واحاطتني بذراعيها متوسلة لكي لا اخرج وانتظر ليبتعدا
و اضطررت الى الامتثال لارادتها ولا ادري هل خوفا عليها وعلى والدتها ام خوفا على
نفسي وعدم قدرتي على مواجهة شخصين مسلحين وقد يكونو اكثر.......
نظر
صلاح الى مقديد وسحابة من القلق ظهرت على وجهه فجأة ثم ردد
-
اتعرف الرجل جيدا
-
انه من سرية اخرى التقينا في منتصف الطريق عند نزولي الى سفح الجبل بعد مغادرتي المجموعة
كان مكلف بايصال رسالة الى شخص لا اعرفه في حي الاكراد بالخندق ......رحمه الله
كان غاية في الطيبة ودماثة الاخلاق قضينا
معا جنبا الى جنب نتبادل الاحاديث
طيلة السفر و لاكثر من سبع ساعات ما بين
السليمانية وبغداد
-
وماذا حدث بعد ذلك
-
خرجت والدتها اقتربت منه وسمعته ينطق بالكردية طالبا الماء وقبل ان تسعف طلبه لفظ
انفاسه الاخيرة
-
وانت ماذا فعلت حينها
-
طلبت مني هي ووالدتها وبالحاح البقاء في المنزل ومنعتني من الخروج حتى فجر اليوم
التالي وزودتني بما ارتديه الان
-
ماذا احقا ما تقول لاشك انك تمزح اومجنون لتواصل رحلتك الى هنا
-
هذا ما حدث ولكني اؤؤمن بأن القدر أبتسم
لي في ذلك اليوم
-
انت واهم لابد انهم كانو يتعقبونكم واختفاؤك المفاجيء في بيت عشيقتك قد يؤخرهم غير انه لايمنعهم من اقتفاء اثرك و
معرفة وجهتك عليك ان تغادر البلدة بسرعة ودون تأخير ولكن انصحك بالخروج عند حلول
الظلام دون المبيت حتى صباح الغد ارجوك قل لي هل شاهدك احد عند ذهابك لزيارة ابو
اكرم
-
احتطت لذلك وسرت عبر الزقاق الضيق المهجور الذي يجاور البيت ومنه الى الشارع خلف
الاكمة بمحاذات السوق المهجور بعيدا عن الدوائر الحكومية ثم الطريق الترابي الذي يؤدي
الى مزرعة ابو اكرم
- في الصباح
عند مجيئك هل كان هناك احد في العبارة
-
أمرأة عجوز ورجل مسن كان الوقت مبكرا
-
جيد كل ما أطلبه منك هو الانتظار هل شاهدك ابراهيم ؟؟؟
-
كلا
-
وكيف وصلت الى الدار اقصد بنفس طريق الذهاب الى ابو اكرم
-نعم
-
حسنا سأخرج لدقائق ثم اعود
-
الى اين
-
لابد من الاستطلاع لاراقب ما يجري من امور في مركز الشرطة والناحية
-
ما هذا التوجس والخوف عهدتك حذرا لا جبانا
.... اللعنة عليك جعلتني اشعر بالقلق
-
بل انا حذر والحذر واجب في مثل تلك الامور يا الهي ارجو ان يمر كل شيء بسلام اشعر
بمسؤولية اتجاهك يجب ان تغادر هذه البلدة بسلام ولا اريد ان اتورط بتفاهاتك ...... كل ما اطلبه منك ان تبقى في
البيت ولا تخرج واغلق الباب واصغ الى صوتي لتفتحه .......الدوام لم ينتهي بعد
امامي نصف ساعة قبل مجيء يوسف وابراهيم
خرج
من البيت وشعور من القلق يتسلل ويتحول الى رعب مقيت يجتاحه وكل خشيته ان يفتضح امر
المختبأ في البيت من خلال عيون تراقب خلسة ما يجري وهذا المتنكر الذي من السهولة
التعرف عليه من قبل ابالسة الحزب في مجتمع نصفه يتجسس على النصف الاخر وعندالشاطىء
جال ببصره يمنة ويسرة كان كل شيء يبعث على الاطمئنان مديرية الناحية ومركز الشرطة والمنظمة تلك
الابنية التي تجاور بعضها البعض ساكنة مثل كل يوم ولاشيء غير مألوف يبعث على القلق
فيما حولها تنفس الصعداء وقفل عائدا الى البيت وعند الباب طرق طرقا خفيفا ثم اتجه
نحو النافذة وبصوت يكاد يكون همسا وعيونه ترصد ماحوله ردد
-
افتح الباب
وماهي
الا ثوان حتى فتح مقديد الباب عندها دخل
صلاح وهو يهمس
-
لاشيء يبعث على القلق....استحم وننتظر ابراهيم لتناول الغذاء وبعدها ندبر لك مخرجا
وبينما مقديد في الحمام دخل ابراهيم واراد ان يكلم
صلاح حول ما جرى صباح اليوم وضرورة التقيد بالدوام والتحلي بضبط النفس امام
الدكتور وزمرة سويلم غير ان صلاح لم يعر اهتماما لما سمعه من ابراهيم وغير مجرى
الحديث حول القادم الجديد والاحداث التي جرت في بغداد عندها ساد الصمت لثوان ثم
سأل ابراهيم
-
واين هو الان
-
في الحمام
-وماذا
عسانا ان نفعل لا اريد ان نتورط بمثل هذه الامور
-
سنجد حلا عند حلول الظلام ..... تأخر يوسف
-
احيانا يتاخر في عمله بتنظيم حسابات وجدول الرواتب
-
بأمكانك الذهاب الى الكوت وبهذا تتخلص مما نحن فيه
-
وانت
-
احاول ان اتدبر الامر
-
حسنا ساقضي ليلتي عند اقاربي هناك اراك غدا
-
ان سار كل شيء على ما يرام
وبينما
فتح ابراهيم الباب كانت هناك طفلة وصلت للتو
في يدها وجبة الغذاء والذي بدوره
اخذه منها وسلمه الى صلاح وخرج مسرعا وكانه يتخلص من عبأ ثقيل ......
قبل
المساء دخل يوسف الدار ورحب بمقديد اشد ترحيب وعرف بما جرى ولم يشأ صلاح ان يخبره
بتصرف ابراهيم خوفا من ان يسمع مقديد
.....وسرعان ما تغيرت ملامح يوسف ونظر الى صلاح نظرة ذات مغزى وكانه تذكر شيء حدث
قبل قليل وانتظر خروج مقديد من الغرفة وهمس في اذن صلاح
-
توضحت الصورة لدي وارجو ان اكون مخطئا
-
ماذا هنالك
-
سمعت رد مدير الناحية على التلفون وحديث مطول من الجانب الاخر عرفت منه بان هناك
من هو قادم مساء اليوم الى الناحية كان يتكلم بجدية وتملق وخوف مما يدل على اهمية
ونفوذ من يكلمه
وقبل
ان ينهي يوسف حديثه دخل مقديد وراى الوجوم و القلق على الوجوه
عندها
قال
-
تكلما لابد هناك ما يشغل بالكما
نهض
صلاح بعد ان ارتدى حذائه ووقف وسط الغرفة وبصوت خفيض اشار بيده الى مقديد قائلا
-
هيأ نفسك سنخرج الان لامجال للانتظار
-
ماذا انها بداية المساء
-
لاخيار لنا الدقائق القادمة ستكون نهايتك ونهايتنا اذا ما بقيت في البيت لابد انهم في طريقهم الى
البلدة اتوقع وصولهم في اية لحظة .....يوسف مهد لنا الطريق وعند نهاية الشارع اذا
وجدت كل شيء على ما يرام اوقد سيكارة لارى عود الثقاب مشتعل واذا ما رأيت شيء يبعث
على الارتياب عد بعد ان تمد يدك في جيبك وكأنك نسيت شيئا ما وانا اراقبك من
النافذة
-
حسنا
خرج
يوسف وسار بتمهل حتى وصل نهاية الشارع مبتعدا لمسافة مائة متر عن البيت ووسط عتمة
لظلمة تكاد تهبط للتو وقف وماهي الا ثوان حتى اشعل عود الثقاب عندها خرج صلاح
يتبعه مقديد ووصلا الى مكان يوسف والذي ابتعد نحو الشاطىء ليوقد عود ثقاب اخر وعند
الشاطيء بعيدا عن العبارة والدوائر الرسمية باتجاه الاعدادية المقفلة في مثل هذا
الوقت وصل صلاح ومقديد حيث يقف يوسف كانت الساعة تشير الى الثامنة مساء همس صلاح
طالبا من يوسف العودة الى البيت عندها رد يوسف
-
وانت ......كيف اترككم في مثل هذه الحالة
-
لا تشغل بالك يمكنني تدبر الامر طالما ابتعدنا عن الخطر ارجوك عد الى البيت وبسرعة
وكن حذرا ولا تلفت انتباه احد
ابتلعت
الظلمة يوسف ولم يبقى سوى صلاح ومقديد حيث توجها نحو المقبرة ومنها نحو غابة الغرب
واختفيا وسط الاشجار المطلة على دجلة حيث تقابلهم الجزيرة التي تقسم النهر......
جمعا ملابسهم على راسهم وربطا تلك الملابس بحزام وعبرا النهر الى الجزيرة ومن الجزيرة الى الجانب
الاخر وبعد ان ارتديا ملابسهم سارا لساعة من الزمن عبر مزارع مهجورة حيث وصلا
الطريق العام عندها ودع مقديد صلاح وغادر في منشأة قادمة من البصرة الى بغداد اما
صلاح سار لمسافة بمحاذاة الطريق العام ومنه الى الشارع الذي يؤدي الى العبارة ووقف
ينتظر قدومها بعد ان راها تعمل في هذا الوقت المتاخر على غير عادتها وانتبه الى
وجود سيارة لاند كروز حديثة فيها اربعة اشخاص صعدت الى العبارة وقد نزل احدهم بعد ان سارت العبارة واقترب من صلاح وسأله
-
هويتك
-
ماذا
-
سمعتني ولا اريد ان اكرر ما قلته
فما
كان من صلاح الا ان اخرج هويته واعطاها لذلك الشخص الذي القى نظرة سريعة عليها
واعادها الى صلاح متابعا
-
مدرس ؟
-نعم
-منذ
متى
-
منذ اسبوع
-من
بغداد
-نعم
-
واين كنت في مثل هذه الساعة المتاخرة
-في
الكوت
-وما
الذي تعمله هناك
-تملكني
الضجر فذهبت الى نادي الموظفين ولم اشأ المبيت لالتحاقي بالدوام صباح الغد وبدل ان
اعبر الى البلدة بزورق حالفني الحظ بوجود العبارة في هذا الوقت المتاخر
وقفت
العبارة وزمجر محركها وهي تستدير
وقبل
ان يصعد اللاندكروز ليلتحق بجماعته ساله
-
اين تقيم بامكاننا ان نوصلك الى البيت
-
اخشى ان يكون ذلك عبئا عليكم
-لاتفكر
في ذلك هيا اصعد
صعد
معهم حيث تركت اللاند كروز الناحية والمنظمة واتجهت الى المركز الصحي ومنه الى
الشارع الذي يقع فيه البيت وقبل ان تصل البيت طلب صلاح النزول لوصوله . عندها نظر
ذلك الشخص الى صلاح وردد
-
هذا هو البيت
-نعم
-امر
غريب ونحن ايضا قادمين الى نفس البيت
-
ماذا اتعرف احدا من الموجودين في البيت ؟
-
ومن هم الذين يسكنون معك ؟
-
انا ويوسف وابراهيم
-
وهل ابراهيم ويوسف في البيت؟
-
ابراهيم في الكوت ويوسف قد يكون في البيت اذا لم يكن قد خرج الى المقهى
نزل
الجميع من اللاند كروز ودفع صلاح الباب دخلو . ....اختلس النظر اليهم كانو انيقين
تفوح منهم عطور فرنسية غير انهم ينبضون حقدا شعر بانهم مزودين بمخالب وانياب غير
مرئية تجسدت بمسدسات خبأوها وراء الستر الثمينة شدت بالاحزمة الجلدية اعلى
خلفياتهم فوصلت فوهاتها الى المفرق بالقرب من الاست مزودين بعربة حديثة رباعية
الدفع.....
تنفس
صلاح الصعداء عندما وجد البيت خاليا وايقن ان يوسف لابد قد خرج الى المقهى تجول
الاربعة في البيت وداهمو الغرف الواحدة تلو الاخرى فتشو كل شبر وعجزو ان يجدو
الشيء الذي يبحثو عنه فعلو كل ذلك وصلاح يراقبهم وقد رسم الذهول على وجهه ولما
لاحظ هدوءهم سأل الرجل
-
عن ماذا تبحثون
- لا شيء مجرد زيارة للتعارف
-
اهلا وسهلا بكم بأمكانكم الجلوس لشرب الشاي
-
ولم لا لايرد الكريم الا البخيل
ولم
تمض سوى دقائق حتى كانت هناك خمسسة اقداح من الشاي توزعت بين الجميع حيث جلسو في
باحة البيت تحت البرحية وابتسم صلاح وهو يفكر بين جلسة البارحة وجلسة اليوم حيث
انتبه احدهم الى ذلك وسال صلاح
-
ما الذي جعلك تبتسم
-
لا اصدق ان زيارتكم هي للتعارف لابد ان هناك ما تبحثان عنه باستطاعتي مساعدتكم لو
عرفت ما تبحثون عنه
حملق
الرجل فيه وقتا طيلا وقال
-
يبدو انك لاتعرف ما يجري هنا
-انت في بيت مرزا المجوسي .....يشاركك العيش شيوعي ترك حزبه لانه
يعيب عليه انتماؤه للجبهة و اخر ينتظر الغائب ليقيم العدل على رؤوسنا وهؤلاء
لايهموننا بشيء وهم ليسو اكثر من عجول في
الحظيرة ما يهمنا هو الكردي الذي شوهد في مراب الكوت متوجها الى هذه البلدة وانت
يا صلاح نعرف عنك الكثير نصيحتي لك كن
حذرا
ان من يشارك
الكلاب مخدعهم تعيش عليه البراغيث
عندها
صمت الجميع ومضت الدقائق ثقيلة على صلاح وحاول ان يصطنع الكياسة ودماثة الاخلاق
حيث وجد الى ذلك سبيلا ومضت اكثر من نصف
ساعة على وجودهم عندها نهض ذلك الرجل ونهض الاخرون وهمو بمغادرة البيت حيث
رافقهم الى الباب صافحهم مودعا اياهم طالبا منهم تكرارالزيارة متى ما تسنى لهم ذلك
وبعدها تحركت اللاند كروز لتختفي ولم تمض على مغادرتهم سوى دقائق حتى اطل يوسف
برأسه ليجد صلاح مسترخيا يراقب دوران المروحة تركه واختفى في الغرفة الاخرى ثم ظهر
وفي يده قنينته الاثيرة وشمر عن ساعده لاعداد المائدة بما تيسر من لبن وخيار
وابتسامة تعلو وجهه مرددا
-
شتان ما بين الامس واليوم و لا احد يدري بما سيأتينا به الغد
.
مضى
اكثر من اسبوع وسرعان ما اصبح صلاح جزء من
مجتمعه الجديد حيث الامسيات مفعمة باحاديث شيقة مع ابو اكرم ويوسف واستاذ محمد
الذي كان قد زارهم وقضى امسية رائعة معهم
. ونمت عرى صداقات كانت نهاية الصيف فيها من اجمل الايام........و بالذات
ايام الجمع حيث السباحة في دجلة والعبور الى الجزيرة بزورق عبعوب بعد الاتفاق مع
هذا البخيل على ايجاره ليوم او يومين وتحميله بما يتيسر من الثلج وقناني البيرة و والفحم لشواء اللحم ثم
قضاء الليل بطوله عند الجزيرة التي تبعد عن البلدة ثلاث كيلومترات بعيدا عن اعين
المنافقين كانت ايام لا تنسى جميلة بكل ما فيها من لهو ولعب لكرة القدم على الرمال
الناعمة ثم الذهاب اكثر من مرة مع المدير
واحمد استاذ اللغة الانكليزية وابن الاعظمية بعد اضطرار والده للاستقرار هناك
لعمله مديرا للبريد .....كان شابا وسيما
الى الحد الذي يلفت الانتباه
بدماثة خلقه وطيبته التي فاقت كل حد وعشقه لشيكسبير ووردزورث وايمانه
بالماركسية وسعة اطلاعه ..... الاعرج الذي
اصيبت ساقه عند صغره بشلل الاطفال كانو يسافرو معه الى العمارة حيث منزلهم الواسع
الجميل في بستان عواشة والمبيت معه و تناول العشاء والفطور من يد والدته الامراة
الطيبة التي لا تتوانى عن خدمته لانه
وحيدها وخدمة اصحابه بما تجيده من طعام لذيذ
--------------------
نهاية
ايلول والصيف يوشك ان يغادر وبرودة لذيذة تفرد اجنحتها في الشارع المغبر مع دفء
الشمس لفجر ناصع وفي الطريق ظهرت مجموعات صغيرة من اطفال ارتدو ملابس زينت الشارع
المهمل والذي لم يشهد حركة منذ اشهر
حيث دبت الحياة في هذا الطريق مع كلمات وضحكات
ترفرف في الهواء واقدام صغيرة تتقافز وهي تغذ السير نحو المدرسة لتتجمع الحشود امام ابوابها بانتظار بداية
العام الدراسي
ربت
صلاح على راس احدهم متسائلا وابراهيم يسير الى جانبه في طريقهم الى عملهم
-
ترى اين كانو لم اشاهد طفلا طيلة الايام التي مضت
-
مختبئين مع اهاليهم عند اقاربهم بعد ان فرو خوفا من التهجير وهاهم يعودو بعد ان
خفت وطات الحملة وعلمو بان السلطات لم تعد تابه بمن تبقى منهم ولا نية لديها
لاعادة الكرة بعد ان نالت من سيئي الحظ وحشرتهم شبه عراة نساء ورجال واطفال في
احواض الايفا العسكرية مكدسين كالمواشي لترميهم عند الحدود في الشهابي الى مصير
مجهول وسط الصقيع والضواري
-
وهؤلاء مصيرهم معلق بما ستؤول اليه الامور وبما سيقرر القائد الذي لا يتوانى عن
اتخاذ قرارات بعد ان اطمأن وعرف انه امام
شعب مستعد ليرسخ اعتقاده بما يخالف القانون ويساهم بارتكاب الفضائع شعب
تعلم حكامه عبر قرون لكي يحكمو
باستهتار لابد ان يخوفوه ليطيع ومن الخوف تحولت اعينهم سجون وافكارهم
زنازين وسكنت في نفوسهم الرغبة في الانتقام من بعضهم من اجل ان يحصلو على هبات هي
اسوا من الاقتراض وشبيهة بالتسول
مع
مرور الايام زاول صلاح عمله كمدرس للاحياء وبدات ردود افعاله المتشنجة تختفي
تدريجيا غير ان الطلبة في الثانوية كانو على يقين بأن هذا القادم من بغداد تختبا
وراء سعة اطلاعه وثقافته شخصية مشاكسة
شرسة يبدأها بمزاح ثقيل ثم لا يتورع ان يتبعها بلسان يكيل الشتائم ثم يمهد لضم قبضته لذا فرض
احترامه ولم يشا احد من مراهقي البلدة ان يمازحه كما تعودو مع ستار وابو اكرم..
وفي
احد الايام انهى صلاح الدرس الاول الوحيد
في ذلك اليوم وعاد الى البيت مرهقا وبعد نوم لاكثر من ثلاث ساعات نهض كانت العتمة تزحف للتو في ارجاء الغرفة وقف وسطها .... الفراش مشوشا والوسادة بدات
عليها اثار راسه وبجوار السرير منضدة عليها مجموعة من الكتب وعلبة معدنية امتلات
باعقاب السكائر وتوسطت الغرفة سجادة قديمة اهترات حوافها دخل يوسف وانار المكان
زخات
متقطعة من مطر غزير تهطل مبكرة وجو دافيء لشتاء حل مبكر ثم يسود هدوء تعقبه اصوات
متعاقبة لرعد يصم الاذان .... ..ظهر يوسف وكعادته بدا
يمهد لليلة يحتسي فيها من المستكي ما يكفي لينسى همومه ..ساد الهدوء لدقائق
و انبرى صلاح مستغرقا بقراءة رواية
ولايود ان يشارك يوسف فيما هو فيه بل اكتفي بنظرة عابرة الى ما يفعل دون
التعليق و حاجز من الصمت المطبق ساد جو الغرفة
اما ابراهيم غادرهم الى المقهى حيث محمد مدير الاعدادية واحمد استاذ اللغة
الانكليزية بعد ان تركو الباحة التي تتوسطها البرحية مع حلول الشتاء لبرودة المكان
واحتمو بالغرفة
وبينما
هم على هذه الحال سمعو الباب يفتح وبعدها اطل ابو اكرم وقد نال المطر من بدلته الاثيرة فروة السبع كما
يطلق عليها ابراهيم وراسه مبلولا مما اثار استغراب من في الغرفة واسرع صلاح يناوله
المنشفة ويطلب منه خلع سترته وبنطاله.... نزع ما يرتدته سوى لباسه الداخلي الطويل
عندها
نظر صلاح اليه خلسة وكانه يراه لاول مرة كان هزيلا بشكل لا يوصف هو اقرب الى
المومياء منه الى شخص يسير على قدمين جسده غادره اللحم والشحم منذ زمن بعيد ولم
يبق سوى عظام يغطيها جلد اسمر مطعون بزرقة الاموات
وسرعان
ما انتبه يوسف الى الدهشة المرسومة على وجه صلاح والذي بالكاد حاول يخفيها بادر
بالقول
-
دع البطانية حول كتفك
عمي ابو اكرم تذكرني وانت على هذه الحالة بشخص
حرر الهند
عقب
ابو اكرم وهو يجلس القرفصاء وكانه مومياء من كهوف البيرو مادا يديه ملتمسا الدفا
عند قمة المدفاة القديمة بلهبها الذي يشع ليومض صفرة وزرقة والتي اوقدها للمرة
الاولى يوسف لتبعث الدفء في هذا الجسد الهرم المتعب بعد ان نالت منه زخات المطر
المتعاقبة
-
تقصد غاندي
عندها
ضحك يوسف وصاح
-
من يجرؤ ليكون غاندي ..... .بل نصف ما كان عليه غاندي قد لايبقى له اثر ومن بعده امه واخته لا يسلمو
من الاغتصاب الجماعي في نقرة السلمان....
وقف غاندي بجراة بعدما عرف ان خصمه متحضر
ذو سلوك مهذب ولولا الديمقراطية العريقة للشعب البريطاني لما ورد في التاريخ اسم
ذلك المحامي الهارب من عنصرية الحكام في الجنوب الافريقي
وبعدها
صمت ابو اكرم للحظة وهو ينظر الى يوسف ثم
استانف حديثه
-
خرجت من المدرسة قاصدا القلعة واردت ان اتحايل على ما في السماء من غيوم تسللت لاقطع المسافة في طريقي الى القلعة غير
انها انتبهت لما اردت فعله فصبت علي بمزاح
ثقيل مطرا مدرارا دون توقف وانا وسط
العراء والبلدة ورائي اقرب الى مسعاي لذا اثرت العودة قاصدا بيتكم محتميا بدياركم
طامعا بكرمكم
-على
الرحب والسعة عم ابو اكرم ما رايك بكوب من الشاي يدفاك
غير
ان ابو اكرم قاطعه مبتسما
-
ولم الشاي طالما مستكي يوسف يسري في العروق وينشر الدفأ
عندها
شمر يوسف عن ساعديه وهو جالس الى سرير ابراهيم وامامه منضدة انتصبت عليها زجاجة
ممتلأة ازال غطاءها وملا الكاس دون ان
يضيف شيء من الماء وناوله الى ابو اكرم الذي
تناولها بجرعة قضى على نصف ما في الكاس وصلاح يحاول ان يغطي عريه
بالبطانية و يلفها حوله وهو يجلس متكئا الى
حافة السرير بجانب يوسف بعد ان بدا الدفأ يسري الى جسده وسال
-
اين صاحبكم
-منزويا
في ركن عند مقهى فرهاد يلعب الطاولي مع
استاذ محمد
-
الا يكف عن القمار
-عندما
يكف عن النساء
-لا
عليك للعائلة قيود غير مرئية
المراة
والطفل يجعلونك اغلب الاحيان حذرا تخاف الموت وترضخ لناموس الحياة انهم قيود
تمتلكهم ليفعلو بك ما يشاؤون
هكذا
هي الامور نحب ونتزوج ونمضي قليلا في ذلك
الحب ثم نعمل من اجل البقاء وبعملنا يتبدد
ذلك الشعور ويتلاشي تدريجيا لاننا لا نستطيع ان نفي بوعودنا في هذا البلد
صممت ادارة الحكم ليعمل امثالنا كي
يبقو فقراء متعبين خاوين الجيوب ثائري
الاعصاب
كانما
هناك من يخطط ليجعل من الامور هكذا تسير ومتى ما شعر بالخطر عمل على
اشعال جذوة الحرب وافراغ ما نشعر به من احباط
على شعب اخر بحجج واهية تقف على راسها الوطنية
والا الرجل بطبيعته غير مدني يميل الى الفوضى هكذا هو
منذ اكثر من خمسمائة الف سنة متناغما مع ما هو موجود من حوله يميل الى الصراع
والفتك لاشباع حاجاته الفردية من جنس وطعام ومتى ما وصل ارذل العمر ازاحه احد
اولاده ليتبوأ مركزه مثلما تفعل الاسود حتى جاء عصر التجمع والاحتماء بالاسوار
ليولد التنظيم القسري عبر العائلة ثم تولد الاقليمية وترسم الحدود ويخترع النحاس
ثم الحديد و البارود و تظهر الاديان وتسطر
الروايات الرومانسية وتنظم الجيوش ليبدا صراع الامم من اجل السيطرة والهيمنه
احداها على الاخرى عبر الحروب التي استمرت دون انقطاع حتى يومنا هذا ..... بدل ان
يسعى الفرد لاشباع رغباته سعت الملايين لاشباع رغبة فرد واحد سرعان ما يؤله نفسه من
خلال الاطراء والمديح للمتملقين من حوله ويزج بالجميع في محرقة الدفاع عن الوطن
ومنجزات الوطن او يظهر اخر ليشعل ثورة للانقضاض على الطاغية ليحل مكانه و يتمتع بمزاياه هكذا هي الامور
العالم يسير في حلقة مفرغة والامور تزداد سوءا مع هذا التطور المرعب الذي بدا منذ
مائة عام وما يزال يتقدم باضطراد وكان الامر خرج عن السيطرة
اكمل صلاح حديثه ونهض كانه ينوي الخروج
- الديمقراطيه بامكانها ان تكبح مثل هؤلاء
- ساذج من يؤمن بذلك..... الديمقراطيه سلوك وجد طريقه
خلال القرنين المنصرمين ليقوم من سلوك
البدائية الساكن في اعماقنا منذ
ازمنه سحيقة تمتد لمئات الاف من السنين الغارقة بالوحوشية المرعبة وبالطبع
هي غير قادرة على ذلك لاننا بها نختار بين ناكر ونكير ولكنها مع ذلك اهون الشرين انها تجمع الاصوات من
الفقراء والمال من الاغنياء بحجة حماية كل منهم من الاخر...اما السلوك المهذب
لدينا هو ليس اكثر من جبل الجليد الظاهر فوق سطح الماء بل الاكثر من ذلك ان
الديمقراطيه هو سلوك مهذب ظاهريا و خبيث . خنثي يخدع بعض الحالمين انفسهم بها .... وظفته امريكا
ليسخر في خدمة الاثرياء واكثرهم من اليهود
تلك الكائنات المصممة لجمع المال على مدى
التاريخ ومتى ما شرعو قي ذلك تخلو عن رداء
الرحمة وارتدو الربا والكثير حاول ان يشابههم في ذلك غير انهم لم ينجح على المدى
الطويل و قد استثني من ذلك زبال البلدة طبعا وقد سعت الامبراطورية الامريكية من
خلالهم لحماية مصالحها عبر الصفقات الجهنمية اليس هو حكم الاغلبية ..... والامرلا
يختلف عن قطيع الاكثرية من الذئاب يحسمون
امرهم مع الاقلية من الخراف عما سياكلون وقت العشاء ثم ان من يؤمن بالديمقراطية
لحل النزاعات واهم.... درء الخطر لا يتم الا بما تملك من وسائل فتاكة ترهب بها
عدوك وهذه الوسائل قائمة طويلة ليس من بينها شيء اسمه الديمقراطية .لم تستطع
انكلترة مواجهة هتلر الا بتشرشل الذي ازاحه البريطانيون فور انتهاء الحرب
القوة هي الوسيلة الوحيدة منذ القدم وستبقى لتحسم بقاء الفرد او المجتمع وتتلخص هذه الايام
بان تضرب لتصيب الهدف بدقة و من مسافة ابعد من مدى السلاح الذي يستخدمه عدوك
- الى اين في هذا الجو العاصف
-اعتقد ان السماء تنوي ان ترمي بما تبقى من ثقلها رذاذا
احب السير تحته
-هل سمعت ما يدور من احاديث
نظر صلاح وابو اكرم الى يوسف بعيون يملاها الترقب
ماذا هنالك قالها ابو اكرم
عندها اجاب يوسف
-هنالك انباء متضاربة عما يحدث بايران
عقب ابو اكرم
- انها بداية ثورة عارمة المظاهرات تعم المدن لايستطيع
الجيش ان يقف بوجهها بعد ان عجز رجال الامن والشرطة
لم يبق لهذا
الشاه المتبجح الارعن شيء طيب الذكر في نفوس امته... بسطوته وبذخه وحرمان الاغلبية من حقوقهم ادخل
ايران دوامة عنف لها بداية وليس لها نهاية
- يقولون ان هنالك شخص معمم ملات صوره جدران الشوارع في
اوربا
-انه بركان سيقذف بحممه على من حوله
-وسيل الحمم بلا شك سيجد طريقه الى هذا الوادي البائس
سيء الحظ
-وماذا عسانا ان نفعل
- لاشيء سوى الترقب و الانتظاراو الفرار مما يخطط له
صدام لمواجهة حمم البركان الايراني.......لان الترقب يجعلنا رهن الاشارة عندما
يامر القائد بالدفاع عن الوطن
-لم يعد هنالك شيء اسوا مما نحن فيه
- الايام السيئة تلك التي لم نراها بعد
قالها صلاح وتركهم يتمتعو بما لديهم وخرج فاتحا الباب
مستنشقا هواء باردا مشبعا برذاذ المطر الذي بدا يهطل للتو وعينه شاخصة الى السماء
التي تلبدت بغيوم تقطعت اوصالها تشق طريقها مسرعة نحو الجنوب وقد توسطها قمرا
مكتملا يشع بضوئه الباهت سرعان ما اختفى لتتراكم الغيوم مرة اخرى وسادت ظلمة يلفها
الضباب وقدكسى الطريق غموض ووحشة وظهرت رؤوس
اشجار النخيل والحمضيات كاشباح تطل من وراء السياج الذي يعلو لاكثر من اربعة امتار
بمنظر سحري يخلب الالباب وقطرات تتساقط من اوراقها
امعن في السير دون وجل او خوف ورهبة غير انه سمع فجاة
وقع اقدام تتخبط في برك الماء و تسرع لتختفي في الزقاق الضيق امعن في العتمة
وبالكاد راى شخص سرعان ما ابتلعته الظلمة شبح طويل هزيل لم
ينتبه الى وجوده في بداية الامر وايقن ان الامر يبعث على الريبة انه لاشك كان
قريبا منه عند خروجه من البيت بل على بعد خطوات منه وصل الى بداية ذلك الزقاق نظر
بتمعن كانت الظلمة تلف المكان وكانه فتحة لكهف ...... دخل الزقاق وسار بحذر وسط
الاوحال وقد استنفر كل حواسه وقطع الطريق ليجد نفسه عند الشارع المحاذي لدجلة
وتسائل مع نفسه اين اختفى بهذه السرعة وايقن بانه كان ينصت الى ما يدور من حديث
خلف النافذة وراودته الشكوك وقال مع نفسه لاشك انه انطلق هاربا بعد
خروجه من الغرفة وقبل ان يفتح باب الدار ..... لاشك انه..... لا من غير
المعقول ان يكون هو
عاد مرة اخرى ليدخل ذلك الزقاق ويعود من حيث اتى هبت ريح
باردة واكفهرت السماء مرة اخرى وحشدت غيومها لمنازلة اخرى ومع الظلمة ازداد الضباب
شيء فشيء اشعل سيكارته اومضت السماء كاشفة عن ابنية منخفضة داكنة صغيرة بائسة على
جانبيه وقد تراصت و استندت بعضها الى بعض
سار بحذر يلتمس بقدميه طريق موحل يخشى
الانزلاق وعند منتصف ذلك الزقاق استرعى انتباهه ضياء لباب نصف مشرعة
لم يراها عند دخوله وكانها شرعت
للتو وعند اقترابه تناهى الى سمعه صوت سعال حاد متواصل ثم همس ولغط لصوت انثى
ورضيع يبكي لم يعر اهتماما للامر غير انه وامام الباب الخشبية القديمة التي صفت
اخشابها بغير عناية شاهد بقعة موحلة اراد
ان يجتازها وبينما هو يحاول ذلك فغر فاهه
امام منظر وكانه لا يصدق ما يرى ووقف مشدوها وعيونه شاخصة انها فريدة لايشك بذلك
للحظة وهذا هو مهجعها جلست وامامها طشت
كومت ثوبها في حجرها وكشفت عن افخاذهاوقد ارتدت ثوبا اخضر اتسعت فتحة الصدر
بحيث ابدى مابين النهدين وتمادى ليكشف عن الحلمة بوضوح وجلاء كانت امامه شبه عارية
لم يكن يتوقعها بهذا النضج و الامتلاء وقف مبهوتا للحظة وهو يرى تلك الصهباء
بجسدها البض الابيض المشع رغبة والتقت عيونها الزرقاء بعيونه انها هيلين طروادة قد
اتى بها اسيرة الى هذا المكان البائس
امثالها يسكنو القصور يامرون وينهون ومضت لحظة وهو لاينبس ببنة شفة وحاولت
ان تغطي جزء من عريها بلا اهتمام وهي تنظر اليه بجراة قائلة بلكنة اعجمية
- ما بك..... تكلم ما الذي تريد.......... ما الذي جاء
بك في هذه الساعة
تلعثم وهو يحاول الرد على اسئلتها
لا ..... لاشيء
.....
نظرت اليه من خلال العينين الزرقاويتين غير مبالية ولم
تهتم كثيرا بستر ما ظهر من مفاتنها...
ضجرة مما هي فيه وبكلمات لا يخلو تصرفها من الاستهانه بالذي امامها.... دون ان
تكلف نفسها عناء النهوض من مكانها او ستر
ما ظهر من مفاتنها
- تتلعثم وعيونك تتلصص منتصف الليل وتتبع النساء حتى
بيوتهن ولاتخاف من الفضيحة ما رايك لو صرخت لتكون عبرة لامثالك
وقف مشدوها ولم ينبس ببنة شفة نظرت اليه وابتسامة ساخرة
بالكاد ترتسم في زاوية فمها وهي تمد
ساقها لترفس الباب
في وجهه فما كان منه الا ان استانف سيره ولم ينتبه لحاله الا وحذائه الموحل يدق
اسفلت الشارع وهو يخرج من ذلك الزقاق و
شحنة من الاسى تعصر قلبه و تستولي عليه سرعان ما طردها من راسه وعرف كم
الزمن ملعونا كي يناصب العداء لكائن رائع
مثلها و
يبتليها بهذا المرض الذي لاشفاء منه وبينما هو على هذا الحال قطرات باردة من المطر صفعته لتغسل وجهه وتبلل
شعره ثم تتساقط من انفه ونفذت اليه رائحة القداح للاشجار الوارفة المطلة اغصانها
من خلف السور على امتداد الطريق وكانها ارادت ان تواسيه ومن البعد لاحت اضوية المقهى وتدريجيا عاد الى
وعيه بعد ان حاول ان يلغي من مخيلته صورة تلك الافخاذ المغرية والصدر العامر
المرهون بتلك الرئة الباردة المتقيحة والابتسامة الجريئة التي ارتسمت على ذلك
الوجه الملائكي الاصهب وتلك العيون الزرقاء والرموش الحمراء لتحيله الى وجه يثير
الرثاء بدل الاغراء لتنال منه الاشهر القادمة وتهتك بذلك الجسد لتحيله الى ركام ...استانف سيره نحو المقهى
مارا بالبيت ومن خلف النافذة تناهى الى سمعه ضحكة يوسف الذي ما زال يعب من المستكي
مع ابو اكرم اجتاز البيت وما هي الا دقائق حتى كان في باب مقهى فرهاد الانيق بما
احتوى من تخوت وحصران من القصب الناعم بخطوط ملونة ويستعيض عنها في الشتاء بسجاجيد تغطي المقاعد
في تلك التخوت الهرمة والنشارة غطت
الارضية في ذلك اليوم الممطر وجدران امتلات بصور الائئمة تتوسطها صور تملقية للبكر
وصدام ازيح البكر قبل اكثر من شهر وبقي الثاني بناء على اوامر من المنظمة وسماورات
فارسية اصطفت لتصل السقف في ذلك الركن الذي يحوي على قوارير من الخزف توطرها اسلاك
معدنية وقد طبعت عليها صور الملوك والزعيم يفصل المقهى عن الشارع جدار من خشب
الصاج بنوافذ طويلة اطرت بشكل مبالغ فيه واحتوت على زجاج ملون لطيور واشكال هندسية
ونباتيه ارتفاعها جاوز المترين
داخل المقهى اضيء بمصابيح تعدت العشرة انه مكان يعبق
برائحة الماضي والزمن الجميل يروي عن فترة الاربعينات ورثها فرهاد عن ابيه وورثها
ذلك عن جده
عند باب المقهى تعالى ضجيج الاحاديث وصوت قطع الدومينو
وهي ترتطم باصابع غاضبة متشنجة على سطح الفايبر وشاهد في الزاوية ابراهيم مستغرقا
في مباراة حامية مع محمد مدير الثانوية وقد احاط بهم مجموعة من المدرسين وبعد كل
رمية نرد تتبادلها الاصابع تنهال الكلمات البذيئة من لسان ابراهيم السليط
......دخل الى المقهى و لفحة وجهه رائحة الشاي والسيكائر ودفء المكان المزدحم تلك
الليلة بكل الاصدقاء لم ينتبه احد الى وجوده بقي لفترة وانتهت المباراة بخسارة
شنيعة لابراهيم ليدفع في ذلك المساء نصف راتبه ثمنا للعشاء لاكثر من احد عشر رجلا
نالو ما يرغبو من تكة وكباب ومعلاق مع اقداح الشاي وبعد هذه الخسارة لازم الصمت
ممتعضا بعد ان نال النزال من سمعته كافضل لاعب في البلدة ولم يبق معه وهو في بداية
الشهر سوى النصف الاخر والذي لا يتجاوز الثلاثون دينار
غادرهم صلاح دون ان يثير انتباه احد من الحاضرين بل ان
احد لم ينتبه لمجيئه
خارج المقهى اضيئت السماء ببرق شمل كل ما حولهما حوله
تلاه رعد يصم الاذان وانهال المطر غزيرا وبقطرات كبيرة تضرب الاسفلت بقوة ويسمع
ارتطامها بالسقف الذي يغطي السوق وعبر
صلاح الشارع ليقف عند بداية السوق المهجور وتحت السقف الذي يقابل
مقهى فرهاد في الجانب الاخر
كانت الساعة قد جاوزت الحادية عشر والنصف عندما اطفات
الكهرباء سادت ظلمة حالكة ...... بدأت هبات الريح تسوق بوحشية المطر الذي بدأ
ينهمر بشدة وتزداد مع مرور الوقت عندها خرج الجميع من المقهى اسرع البعض بالمغادرة
مسرعا وبقي الاخرون ينتظرون عند باب المقهى عسى ان تخف حدة ما ينزل من السماء بعد
ان ترمي حمولتها محتميا تحت المظلة الخشبية اما صلاح كان في الجانب الاخر عند فتحة
السوق واقفا في العتمة لا يراه احد وهو يستمع الى احاديث شتى لرؤوس تجمعت تتخللها
ضحكات ونكات تنال من ابراهيم بعد خسارته الثقيلة امام احمد لم يشا ان يعبر
اليهم ولم تكن لديه رغبة في الانضمام الى ما يتحدثون به وفي نفس الوقت تملكته
الرغبة في الذهاب الى البيت وفجاة استدار ليجتاز السوق ضاربا تحذيرات من يعرفهم
عرض الحائط هازئا مما سمعه منهم فهو اصلا
لايؤمن بمثل هذه الخزعبلات من ارواح واشباح هائمة وما هو الا كائن لايختلف عن بقية الكائنات سخرت
له الحياة بضع سنوات ثم يهرم ويموت اذا ما حالفه الحظ في ذلك دون ان يتعرض الى مرض
او حادث يسلب منه ما تبقى من عمر ليوارى الثرى ويصبح وجبة دسمة للديدان ثم يستحيل
الى هيكل عظمي ملفوف بخرق بالية هذا اذا لم تناله نزعة لمستبد شاءت الاقدار ليحكم بمقامرة انقلابية لينتهك
حرمة الاموات ويجرف القبور ويجعل من جمجمته كرة تتقاذفها اقدام الصبية بانفعال
وخوفا يعبرون عنه بصراخ هستيري يخرج من افواههم وهم يركضون في كل الاتجاهات......
ابتلعته الظلمة بعد ان سار لمسافة داخل السوق يتلمس طريقه اصبح الهواء ثقيلا
وتسربت الى انفه رائحة كريهة غير انه تمنى
ان تكف السماء عما تفعله مع مرور الوقت و بعد اجتيازه لمنتصف المسافة واثناء سيره وهو يختار طريقه بحذر شعر بان
الارض تحت يابسة وسمع تكسر العيدان تحت
قدمه..... لم تتسرب اليها مياه الامطار عندها عرف ان السقف ما زال جيد متماسك
بالرغم من قدمه ومن خلال البرق الذي ينفذ من النوافذ الجانبية لذلك السقف تسلل الوميض ليظهر المحلات قسم منها مغلق والاخر شرعت
ابوابه ونهبت محتوياته وبعد دقائق من السير بحذر وسط الظلمة خفت حدة القطرات التي
تضرب السقف حتى انه بالكاد يسمعها بعدها
اختفت ليسود هدوء مريب وخيم على المكان
صمت مطبق كصمت القبور لايسمع سوى وقع حذائه يكسر بعض العيدان اليابسة قطع ثلثي
المسافة و بالكاد لاحت من بعيد فتحة السوق المطلة على النهر وبدات بشكل مفاجأ هبوب ريح عاتية هوجاء
تحرك الصفائح المعدنية للسقف تزداد مع مرور الوقت وانتبه الى صراخ الريح الذي بدا تدريجيا يتحول الى نواح بالكاد
يسمعه من خلال ضجة الالواح التي تغطي السقف وارتطام بعضها ببعض بدأ الشك يراوده
وانتابه قلق استفز كل حواسه و بدأ يتسائل
مع نفسه هل هو صوت الريح ام شيء اخر غير
مألوف وشعر بحركة مريبه خلفه اشعل عود
ثقاب والتفت ينظر بتمعن كان هسيس جرذ كبير فر مذعورا بين الصناديق الخشبية الفارغة
المحطمة المركونه عند واجهة المحلات والمرمية هنا وهناك انطفا العود عاود السير
شعر بالخوف يتملكه اسرع يحث الخطى ازدادت
المسافة بين خطواته وقبل ان يصل النهاية بامتار سرت قشعريرة ببدنه عندما انتابه
احساس بان يدا امتدت من خلفه لتلامس كتفه التفت مذعورا وبينما هو مشغول بايقاد عود
اخر انتبه الى كثافة سوداء اكثر حدة من
غيرها في ذلك المكان الغارق في العتمة تتحرك ببطىء شديد ولا تبتعد سوى امتار قليلة
عنه تراءى له انها لاشخاص يتحركون دون ان
تطا اقدامهم الارض استعد صلاح للدفاع عن نفسه في تلك اللحظة اضاءت السماء وانزاحت
الغيوم ونفذ شعاع القمر الى وسط السوق عبر نوافذ السقف وبدل ان يركض باتجاه
النهاية اخذ يتراجع موليا ظهره للمخرج
مواجها العتمة التي امامه وشعر بان المتبقي من السوق طويلا وكان الزمن قد تمدد
بخوفه وفجاة علت اصوات لجمهرة من الناس في مكان مزدحم وكانها جزء مما تبقى من رياح
اندفع راكضا كالمجنون واخيرا تنفس الصعداء
بعد ان وجد نفسه خارجا من هذه المصيبة التي
ورط نفسه بها وهو لا يصدق ما شعر به غير ان فكرة طالما راودته وهو يرى بعض
احلامه تتكرر في اليوم التالي او النبوءات
تتحقق بما يقدر المتنبىء من زمن و الدارويش يغرزون السيوف والاشياء المدببة
في احسادهم ان ما وراء الطبيعة هي طبيعة لاشياء لم نعرفها بعد وعجز العلم لحد الان
عن تفسيرها..... ترك السوق وعبر الشارع
المقفر الخالي من كل شيء سوى الظلال العميقة لبعض الاشجار الهرمة وسار بمحاذاة
دجلة انزاحت الغيوم واضاء القمر كل شيء انعكس وتشظى على مويجات دجلة وشيء فشيء عادت السكينة الى نفسه وهو يرى بعض
الاضوية تتغامز كيراعات من بعيد عبر النهر عند الضفة الاخرى حيث تقبع قرية المعدان
وشعر بارتياح عميق يدب في جسده ضحك من
نفسه وتكلم بصوت يكاد يسمعه
- اية ليلة هذه شبح اختفى كان ينصت خلف النافذة بالرغم
من المطر المنهمر عليه وامراة جميلة شبه عارية توبخني وتهزأ مني بأبتسامة تشجعني
على التمادي وسوق مهجور ما زال يعج بارواح من رحل من اصحابه
سار بمحاذاة النهر لا يفصله عنه سوى سياج من الخرسانة
بطول ذراع يمتد مع امتداد المقتربات الخرسانيه والتي تنحدر بزاوية حادة لتنتهي عندالجرف وعلى طول
هذه المقتربات التي تمتد من بداية البلدة وحتى نهايتها اربعة سلالم تنتهي عند
الشاطىءوتشكل مع ذلك النهر منظرا رائعا
كان يقصدها اهالي البلدة في زمن مضى قبل كارثة التهجير القسري ويقال ان الانكليز
انشاوها قبل خمسين عاما وروعي في بناءها لتترك اثرا طيبا وكانهم ارادوها لتبقى كي
تروي عنهم شيئا جيدا التمعت في السماء الاف النجوم وقف عند مرسى العبارة كان
المكان يفوح بعفونة السمك تناهى الى سمعه اصوات مويجات تتكسر عند حافة السلم
القريب منه لفحة من هواء بارد مضمخ برائحة الاعشاب البرية المبللة تتسلل الى انفه
انعطف الى شارع المستوصف تاركا خلفه زقاق الصهباء متجنبا
برك الماء بقفزات يمنة ويسرة ومن ذلك الشارع الى البيت وعند اقترابه كان هناك شخص
يقترب عبر بقع من الظلال بمواجهته استطاع ان يميزه انه ابراهيم لاشك في ذلك وبادره
ابراهيم متسائلا
- من صلاح ....
بربك اين كنت
- احب التجوال في مثل تلك الساعة
- وسط المطر و الشوارع المليئة ببرك المياه
-لايهم طالما يعقب ذلك قمر يتوسط السماء.
- كم تمنيت لو كنت معك لما حدث ما حدث
- كنت تتجنب هذه الخسارة الموجعة مع احمد
- خسارة موجعة
ثم تابع
-وكيف عرفت بذلك
- كنت قرب اثير
-حقا ما تقول
- واثناء خروجنا اين كنت لم اشاهدك او اسمعك
دخلا البيت وفي الغرفة
التي كانت خالية من ابو اكرم و
يوسف تاركين على المائدة فوضى لليلة اترعى زجاجة كاملة لينسحبا الى غرفة يوسف ويغطا في نوم عميق
-كنت اقف في الجانب الاخر عند بداية السوق محتميا من شدة
المطر حين انطفات الكهرباء
-ولكني لم اراك وانا قادم الى البيت
- تجنبت المرور تحت وابل المطر الذي فاجأني فاحتميت بسقف السوق واجتزته الى شارع النهر
-ماذا هل تمزح لا اصدق ما تقول اعلم يا صاحبي ان التهور
ليس شجاعة
-انها ليلة حافلة مليئة بالمفاجات لارغبة لدي بسردها و لاوقت لديك كما اعتقد بسماعها
-غدا كما تعلم موعد تمتعي بالاجازة .
-حسنا سيفتقد
شيوخ وعجائز البلدة . الكارمنتف لراحة المعدة وطرد الغازات
صباح اليوم التالي خرجا معا حيث العبارة .
كان كل شيء يرتدي حلة شفافة بيضاء متبلة بالرذاذ
.....اشجار النخيل والكالبتوس الهرمة بالكاد تظهر اشباح عملاقة وخلفها منازل دثرها
الضباب واختفت فيه.......... سمعا هدير المحرك دون ان يلمحا العبارة و اشخاص من العابرين يصعدو السلم الخرساني الى الشارع
غير ان خلف ذلك الضباب استرعى
انتباههما ومن بين القادمين شكل ادمي غير
مالوف في هذه الاصقاع تمعنا عرفا انها امراة سافرة ومعها حقيبة سفر كبيرة لم يعرا
للامر اهتماما واستانفا سيرهما متوجهان
الى المستوصف وبالكاد سمعا عند الضفة الاخرى نباح كلب . كان يجثم فوق
النهرغيم كثيف بعد امطار الامس وبرد الصباح..... قطرات ثقيلة من الندى تسقط من
اوراق الشجر و رذاذ يلامس الوجه......
اجتازا تلك القادمة والتي بالكاد شاهداها من خلال الضباب كطيف شاحب غير ان عطر
الياسمين تسلل اليهما مع رذاذ ناعم كثيف وفجاة سمع صوتا لشخص مجهول من القادمين
بالعبارة ينادي
- ابراهيم ....ابراهيم
التفت ليعرف مصدر الصوت غير ان الصوت عاد مرة اخرى دون
ان يعرف مصدره
- انها طبيبة ....تريد الوصول الى المستوصف
اقتربا منها وتوضحت معالمها جميلة انيقة طويلة انسدل شعرها الفاحم رطبا ناعما على جيدها تلفحت
بمعطف من الصوف اسود واشرقت بوجه خمري تزينه عيون حوراء واسعة وقد بدت شفتيها
وردية ملتمعة غارقة في ضوء ضبابي....وقفت منتصبة والرفاهية تطغي على سلوكها
المتحضرتكلمت بنبرة تنم عن ادب جم وخلق
راقي
- صباح الخير
- صباح النور انا ابراهيم اعمل في الصيدلية وهذا استاذ
صلاح مدرس الاحياء في الثانوية ارجو المعذرة انا على وشك المغادرة صلاح سيرافقك
الى المركز الصحي
بعد ان
غادرهما ابراهيم مختفيا وسط الضباب بانتظار قدوم العبارة . اسرع صلاح وحمل الحقيبة طالبا منها السير معه
-- هل المستوصف بعيد
- دقائق ونكون فيه
سارا معا وبعد خطوات وجد نفسه يسير امامها فما كان منه
الا ان ابطا لتكون الى جنبه غير انها وبشكل متعمد
تركت مسافة بينهما راودته شكوكه اللعينة وردد مع نفسه لاشك انها قصدت من تصرفها هذا ان اكون غلاما يحمل حقيبتها
اشباعا لغرورها بالرغم من سلوكي المهذب معها وبالمقابل حث الخطى وبدا يسرع فما كان
منها الا ان تسرع وراءه وسط الضباب و هي تجتاز بصعوبة اسفلت الشارع المليء بالحفر
الموحلة غير انه ترك مسافة كادت لاتراه فيها مما اضطرت ان تنطق اسمه لاهثة
-ارجوك انتظر
لااقوى على مجاراتك
انتظر ولحقت به غير انها عاودت مرة اخرى تصرفها الذي
اغاضه فما كان منه الا ان ترك الحقيبة جانبا ووقف
--الحقيبة ثقيلة ما رايك
- كيف كنت تحملينها من ......؟؟؟؟؟؟
- بغداد .....لم اقوى على حملها جئت مع اخي وهو في طريقه
الى العمارة حيث يعمل مهندس في شركة الزيوت
واوصلني الى العبارة
- بغداد ....ومن اي منطقة ؟؟؟؟
-شارع 52
قرب التحريات
- انها منطقة جميلة لاتبعد كثيرا عن بيت اهلي
- واين بيت الاهل
- المشتل قرب الاعدادية
اثناء الحديث بدات المسافة تقصر بينهما حتى كادت ان تسير
معه جنبا الى جنب
- مالذي جاء بك الى هذا المنفى
- التدرج الطبي
- التدرج الطبي؟؟
- وهل هناك غيره
-لم اكن اتصور ان القانون يشمل طبيبات الاسنان
- وهذا ما يزعج في الامر
- الم يكن لديك معارف يختارو لك مكان افضل
لاذت بالصمت وفي نفس اللحظة كانا على وشك الدخول الى
البناية حيث اشار الى سويلم بحمل الحقيبة
الى عيادة طبيب الاسنان اخر الرواق اسرع ذلك يحملها حيث مكان د فائز ..و عند خروجه
التفت ليجد فريدة قادمة والتقت عيناهما .... رمقته بنظرة جريئة لا تخلو من السخرية وكانها تقول له ها
انذا جئت لرؤيتك ما رايك
حاول ان يتجاهلها
وكان الامر لا يعنيه من بعيد او قريب حيث .وعند .باب المستوصف الداخلية
وقفت بانتظار المعاينة وهي تلتفت خلسة الى صلاح لتبتسم من طرف خفي كانها تعلم انها
سببت له ارق وهو يتلهف الى مطارحتها الغرام بادلها نظراتها واقتربت منه .. . القت عليه التحية صفاء وجنتيها وزرقة عينيها
وحمرة حواجبها ورموشها اجهزت كاللظى لتذيب ما تبقى من تردد وقضت على اخر جدران
الخجل الجليدية وتمنى ان يضمها اليه في تلك اللحظة اراد ان يهمس في اذنها غير انها
ابتعدت لتتلذذ في اللوعة التي تركتها فيه لم يعد يملك من الفضيلة ما يكفي ليزدري سلوكه في الاستسلام للرذيلة بل
حتى باجتنابها .نظرت اليه مباشرة وقد غمر وجهها شعاع شمس اشرقت للتو ونفذت من خلال
النافذة لتزيدها اشراقا وخصلة من شعرها الاحمر الملتهب فرت من تحت العباءة تداعب
وجنة تشع فرحا مضيئا تتبخر فيه شموس هذا
اليوم البهيج بعد ضباب كثيف
انصت الى ماكانت تقول غير انه لم يفهم شيئا تردد
للحظة في النظر اليها بالرغم من انها كانت تتامل وجهه ذلك الوجه الذي
غذته الشيخوخة وهو في منتصف العقد الثالث وانشب وحش المعرفة مخالبه في عقله لتمتد
الى قلبه ليخفق باللا يقين وامام جراتها
استعان باخر اسوارالحياء خوفا من نفسه ومن ردود افعالها ومن العيون التي تتلصص غير انه سمعها
بوضوح والتفت اليها يتامل جراة عينيها
التي لا تابه بما حولها
- العاشرة مساءا ادفع الباب تجدني بانتظارك
نظر اليها وابتسم بأدب واحترام ثم اقترب منها وهمس
- اعذريني سيدتي
لاتسيئي الظن الصدفة هي التي جعلتني امر في ذلك الزقاق لاقف عند بابك
ولانية لي بما يخطرببالك
- اتخاف
- لاافهم ما تقصدين
- لاشيء كل ما في الامر انك لا تمتلك الجرأة للبوح عما
يختلج في صدرك
- انا لا اخاف احد
- بل تخافني
- انت واهمة ومما اخاف
- لايتردد امام دعوة أمرأة الا الجبان
- لايسعني الا ان اغفر لك اهانتك
تركته وعند الباب التفت اليه وابتسامة ذات مغزى ترتسم
على وجهها ردد مع نفسه ما اجملها وما اتعسها حقا ان الحياة غير منصفة خلقت لتبعث المرح والمغامرة تملك كل ما يبحث
عنه الرجل ليقضي على الملل لولا امثالها
لما كان هناك مغزى للعيش
جاء الليل وكانه على موعد مع الغيوم التي احتشدت في كبد السماء للتو بعد
نهار صحو مشمس ...... كان كل شيء صامتا رذاذ المطر الذي بدأ يهطل للتو يكاد لايسمع له صوت وكانه غلالة من حرير
ابيض تنزل من عتمة الفضاء...... الهدوء يعم الزقاق الضيق ولا يسمع سوى صوت حذائه
وهو يسير وقد لونته الاوحال وسط الظلمة لم
يكن هناك سوى بقعة لدائرة من ضوء بيتها
يزيح شيء من تلك العتمة لايوجد احد غيره المطر يهطل بنعومة وتنساب القطرات التي
تتجمع على جبينه لتسقط على وجهه الملتهب
شوقا الى تلك المغامرة وقبل ان يصل الى بقعة
الضوء تفقد كل ما حوله بعناية وحذر ثم دفع الباب و دخل بسرعة وجدها تنتظره
- جئت اذن ..... تاخرت
- نعم
- ادخل
- اين
- في الغرفة
نظر اليها وردد
بصوت تكاد لا تسمعه
- ماذا لو كان هناك من يراقبنا
- لااحد هناك
- الناس سيعرفون
- لا احد يعرف شيئا
وسط الغرفة
الباردة مدت ذراعيها وقالت مبتسمة
اشعر بالبرد اقترب اريد ان تدفأني
نظر مباشرة في
عينيها و وقف مبتعدا عنها مسافة ذراعيها
لم يتكلم ......بالرغم من جو الاستهتار الذي يعم الغرفة.... قالت مازحة
- لماذا تقف كالصنم تخشى مني
-ولماذا اخشى منك
- خائف على نفسك
- ممن اخاف
- مما تعرفه
لم تستطع ان تكمل
لانه قاطعها قائلا
- نعم خائف من الناس
- الناس فقط
نظر الى باب الدار وتابع لايرغب في سماع المزيد منها
- ماذا لو دخل زوجك او شاهدتنا تلك العجوز التي تقبع في
الغرفة المجاورة نعم انا أخشى من الفضيحة الا تخشين انت
- كلا لا اخاف احد فليذهب الجميع الى الجحيم لم اعد اخشى
احد
- الا تشعرين بالندم
- يا لك من احمق جئت لتلقي علي موعظة في الاخلاق
......يشعر بالندم من يفقد شيء لا يستطيع ان يسترده وانا لا املك شيء اصلا لاخسره
احتاج اليك في تلك الساعة ولا تجعلني اقف هكذا اقترب انت
تملك ما يعجبني كانثى لااطمع الا في ساعة حب من رجل مثلك......
كنت في يوم ما احلم بأن اعيش حياتي معه...
اشمأز من نفسه وهو ينظر مترددا الى ذلك الوجه الجميل
الناعم الابيض المفعم بالعافية التي تابى الخضوع لذلك الداء الوبيل
بشعرها الاحمر كانها شمعة تشتعل
ولكنها تذوي على حين غفلة
.
بما سمعه شعر انه خفيف يحلق في مهب ريح هذه
الكلمات جعلته يقترب منها
غير ان عقله بدا يامره بان لايستجيب لتوسلات جسده وجسدها
ويقف الامرعند هذا الحد عليه ان يهرب من قيود غريزته التي استجابت وباذعان لتلهب
مشاعره........ ليترك هذه المراة وشانها انها متزوجة تتملكها الوحدة يحيطها الضجر
والوباء
قذفت بها الصحاري الى هذا البؤس العفن لتكون عند كل مساء في احضان زوج تفوح منه رائحة
الجثث وبعد اطفاء ظمأه واشباع غريزته عمل عندما علم باصابتها بمرض لم تتهيج كوامنه بعد
بالتخطيط ليهجرها ولم يعد البيت سوى مأوى يوم او يومان في الاسبوع لينام
بعيدا عنها ويفرض عليها حصارا قاسيا وبخلا برع فيه دون غيره منتظرا ان تذوي وتذبل
تلك الزهرة البرية لتفقد الامل
بان تحيا من
جديد بعد ان قطفها القدر من حدائق اسطورية
مجهولة و رمى بها على الحدود وسط الصحاري و الرعاع ليقايضها هذا
اللئيم بعدة رؤوس من غنم عجفاء
ويحرق جسور العودة
لم يبقى لديها سوى هذا الجسد الذي بالرغم من عافيته
يسكنه موت مؤجل ينسج شباكه بلا رحمة وهو
اخر الاسلحة المميته لها قبل غيرها تواجه به
اعقاب الرجال وذخيرة القاذورات الادمية وتحلم بحب لا
يستطيع ان يهبه لها وهو البائس الذي يعيش
للمستقبل و لا يجد في نفسه سوى انانية الحاضر......لم يعد الحب عنده مشاعر بل حذر يهيمن على المشاعر ... نعم انصت الى ما قالته عينيها الجميلتين لان
امثالها لسن سوى طيور ذبيحة لاتمتلك اجنحة تحلق بها عاليا هاربة من جور التقاليد
التي لا ترحم...
عرف انه مهما حاول ان يكون كما يريد لا يستطيع ان يقنعها
بما جاء من اجله ربما راودتها قناعة تامة
بأنه ليس اكثر من غبي مهتاج جاء اليها لانه شعر بحاجته الى ممارسة الحب معها ومما
زاد الطين بلة فاجاته دون مقدمات و تعرت
امامه ولم يبادلها برد فعل يناسب ما اقدمت عليه و يقدم على فعل ما يرضيها في تلك
اللحظة انتابه احساس بالضالة وبلادة لم
يعهدها في نفسه من قبل وشعر بالخزي امامها وهو يقف مترددا وخائن للشجاعة التي
عهدها في مثل تلك الامور فما كان منه الا ان
تقدم نحوها فبادرته بان شبكت يديها حول عنقه كان جسدها
دافئا شعر به وهو يمد يده الباردة ليلقيها على كتفها ثم الى ظهرها ويشدها بقوة
اليه وهي تستجيب له وقد اغمضت عينيها حملها بين يديه ولامست يده فخذها اللدن واردافها المغرية وبكل
هدوء القاها على الفراش شعر بان وجهه مثل وجهها يشتعل رغبة وهي تستسلم له بلا حراك
لثمها من عنقها استلقت على الفراش ككائن فقد الحياة لمس وجنتها برقة طبع قبلة على
خدها لمس جسدها الناعم فسرت قشعريرة وارتجفت من المتعة اغمضت عينيها و
امسكت بقوة شعر راسه واخذت تتلوى
تحته وكانها تريد ان تحثه على التمادي في
امتلاكها تاوهت ثم هدات
ومدت ذراعيها لتحيط بعنقه ورائحة
الجسد المفعم بانوثة لم يجدها في امراة اخرى تتسلل الى انفه
نظرت اليه بعين مشوبة بالعاطفة وبابتسامة مفعمة
بالرضا وقد فاجأها تصرفه سالته
- اراك مترددا هل أنت نادم
- انا كلا على الاطلاق غير اني ماكنت اعيب على غيري
فعله اردت ان افعله للتو ...ما اغرب
الحياة
- ولم لا تفعله؟
- لا رغبة لدي في فعل امر قد اندم بعد فعله
- تشمأز نفسك مما تناهى الى سمعك جئت لاني دعوتك ورفضت
لانك تخشى مما انا فيه ولعلك الان تكرهني
لاني اردت ان اغويك
- لا ابدا ولكن لا مكان لمثلنا في هذا العالم....... ما
فعلناه ليس خطيئة ....الخطيئة في الخارج في خوفنا من بعضنا
نهض قبلها ضحكت
كان يراها لاول مرة تضحك للحياة بهذا الشكل وهي ترتدي ثوبها لتوصله عند الباب
- اغفري لي
حماقتي وترددي لا لانك مريضه ولكن لاني احبك قد لا ازورك ثانية ولكن تاكدي باني لن اتركك تعانين من شظف
العيش مهما كلف الامر سيدتي ليس الحب ان ترمي امراة عارية على السرير وتنهال عليها
لتفرغ شحنة من العواطف وكانك تريد التخلص منها
الحب اكبر من ذلك بكثير
- لا اطمع باكثر من ذلك
يكفيني ما رايته منك ولكن لدي سؤال ارجو منك الاجابة بصدق
- كيف الوصول الى الشهابي
- هل تكلمت مع زوجك بهذا الشأن
- ذلك الكائن هل تحسبه
زوجا يحميني في السراء والضراء هجرني منذ زمن انه
يحسب كل شيء بحساب الربح والخسارة هكذا علمته الحياة ولا رغبة لديه اصلا
لتلبية مثل هذا الطلب مذ تزوجته
- وكيف تدبرين امورك
- بالقليل المتيسر متى ما مر على البيت يرمي ما في جيبه من دراهم وبما تبقى لديه من ضمير
وانت تعرف الشر ليس مطلقا والخير كذلك هكذا نحن كائنات نخضع كل شيء لما نحب ان
نراه
- بأمكانك الوصول الى هناك. متى ما رغبت
سأكون رهن اشارتك وبامكانك ان تأمريني بما تحتاجينه من اجل السفر
- اردت ان اسأل عن الطريق فقط ..... ما انا فيه يقع على
عاتقي وحدي
- الامر في غاية السهولة كل ما عليك هو عبور النهر ثم
الطريق العام المؤدي الى العمارة وصولا الى الطريق المحاذي لنهر الجباب و انتظار
اي عربة للمسافرين لتقلك الى الشهابي ولكن ما الذي تريدينه من وصولك الى هناك
- اعبر الحدود الى ايران اشتقت الى اهلي و ارضي ....لسنا
سوى كائنات اسيرة لذكرياتنا نقتات على
الماضي لنسبر غور المستقبل
- ماذا؟؟ هل انت واعية لما تقولين هل تسمح لك صحتك بسفر
شاق كهذا
- اشتقت الى امي و اخواتي واود زيارتهم ولو لمرة واحدة
قد لا اراهم بعدها
- وهل تعرفين اين هم الان
- اعرف اماكن رعيهم في تلال حمرين وعندما اصل الى هناك
ترشدني عاطفتي التي تزداد اشتياقا اليهم
كلما طال الزمن
- الا تعتقدين انها مغامرة لا تناسب امرأة في مثل عمرك
ارجو منك قبل اقدامك على ذلك ان تخبريني بأمكاني مساعدتك اعرف من يرشدني الى
المهربين
- احذر من فعل ذلك جميعهم يعرفونه لانه عمل وما زال يعمل
معهم ......ارجوك ليكن الامر سرا بيننا
- سيبقى الامر سرا بيننا على ان تعديني وتقسمي لي ان لا
تقدمي على خطوة كهذه قبل ابلاغي عن الموعد
وان تقبلي مني هذا المبلغ يصل اليك كل شهر
بيد امينة ليكون عونا لك
ترك عشرين دينار على المنضدة لم تشأ ان تأخذ النقود
امسكت بيده ليأخذها فتناول يديها بكلتا يديه و لثمها
واصر على ان تحتفظ بالمبلغ
- بما اقدمت عليه من دعوتك الى الدار وبهذا المبلغ اشعر
بأنك تعاملني كعاهرة
- ارجوك لا اريد ان اسمع منك هذا الكلام ما دفعك الى ذلك
يدفع اي امراة اخرى دون التفكير في
العواقب هنالك في هذه الحياة ما هو أسوأ من الجحيم وبشر أسوأ من الشيطان ورب
امهل فأستهتر الخلق
التمعت عينيه و ذاب ذلك الوجه القاسي في رقة العاطفة و
حاول ان يشيح بوجهه عنها وهي المرة الاولى في حياته يصبح هكذا امام امرأة تهدج
صوته وهو يردد
- يا امرأة احبك بصدق ومستعد ان افعل ما تامريني به
عديني
ان لا تقومي
بحماقة دون علمي
احمروجهها واشاحت به عنه .دمعت عينيها ووقفت امامه دون
ان تنبس ببنة شفة وظهرت كأنها صورة رسمت للأسى طغت على وجه ملائكي
خرج وسار في
الزقاق التفت وجدها تراقبه اختفى في الظلام وبدا كل شيء ساكنا توقف المطر ومن بين
الغيوم ظهر القمر كرة بيضاء صغيرة ملتمعة في كبد السماء
فكر بها بحنان لا حدود له وقال في نفسه انها كائن مهجور
كل ما يستطيع ان يفعله هو الرثاء لحالها لاتختلف عن الكثيرين من بنات جنسها ربطن
بسلاسل غير مرئية الى وتد الرجولة المتنمرة عبر تاريخ طويل من الاحكام الجائرة
انها جنس ارتضى لنفسه في هذا المستنقع بان يكون لطيفا وضعيفا.......
لايريد ان يترك سهما مغروسا في قلبها يكفيها الدم الذي
ينزف من راتيها وايقن انه لاحولة ولاقوة ولا يتعدى دور المتفرج في هذه الماساة
فالوعي جعله بائسا لان الزمن الذي يعيشه افقده حريته دفعة بعد اخرى قد يحتاج الى
بهجة الحب ولكن شدة المرارة لم تترك له فسحة لذلك. لذا لم يبقى امامه سوى ان
يساعدها دون ان تقدم على الهروب لوحدها بعد ان طفح الكيل ويهرب هو الاخر الى حيث
الغربة قد تكون الاقامة في الغربة سيئة ولكن الهارب من الجحيم لا يخشى الرماد
الساخن
...........في اليوم التالي بداية المساء اثناء عودته من المطعم رأى ذلك الشخص الذي اثار
لديه مرارة مركزة دفعته الى البحث عن زجاجة المستكي بشكل اثار الاستغراب لدى يوسف
ليجرع ثلاث كؤوس وبسرعة وكانه يريد
الانقضاض على وعيه بانتحار مؤقت
قصير شديد
السمرة غاصت رقبته بين كتفيه مع طول وقوة في الذراعين يثير الانتباه وهو يدفع
العربة المليئة بالنفايات بيسر
كائن بدا بمظهربائس يرتدي اسمال بالية اجتازه
وتبعته رائحته التي لا تطاق ....... من ينظر اليه لا يتوقع
انه مستعد لمواجهة مجتمع مزود بكل اسلحة الرذيلة من مخالب وانياب تنقض على العفة بلا
رحمة و التي تطورت على مدى تاريخ حافل باساطير سومرية عن الانوناكي ومافعلو بعد ان
قدمو من نيميرو لاشك ان هذا
القميء فلت منهم وبقي بعد ان نزل
من الاشجار لينتصب ويبقى كما هو بتاريخ حافل بالهزائم والانكسارات حتى وصل الامر
الى سلوك غريزي تعلم منه ان الكثير من حوله
يحتفل مع الذئب ويبحث عن الحمل مع
الراعي لذا اصبح لزاما عليه ان يهيا نفسه
ليحارب بنفس هذه الاسلحة بل زاد عليها بانحطاط اخلاقي لاغتنام الفرص وجمع ما يقع
في يديه من نقود لا احد يعلم اين يخباها ............. لايسخط على ظلم سواء وقع
عليه او على غيره بل يتحاشى الامر وكانه كلب متسكع اذا رمي بحجر فر هاربا ولكنه
اسد هصور عندما يتعلق الامر بتسديد دين..... مابين الاهانة والانتقام اختار اهون
الشرين فتحمل الاهانه لذا ارتدى درع
الدونية لتنكسر عليه نصال الخيانة فلا
تصيب سوى جثة كرامة او رجولته التي لايعرف منها سوى ما ينتصب بين ساقيه.... خبيثا
بما يكفي ليشق طريقه ويصل الى مسعاه دون لهاث .......حفر قبور للذكريات المريرة التي عاشها لايعرف ولا يتذكر من
الاخرين سوى ما ياخذه منهم من نقود بعدما قتلو ضميره بالجوع ..... لا يقدم خدمة دون مقابل اما الربا ياخذه
برهن مضاعف واحيانا يزيد عليه اذا ما فات موعد السداد وقد تفوق بذلك على
ادهى تجار اليهود ......
يتسلل الى الحياة عبر موجة الفرصة السانحة التي يركبها
متى ما وجد اللحظة مناسبة ......... انقض على متجر ولي نعمته وخطط للفوز بحسناء
فارس مقابل قطيع صغير من الاغنام خدعها ليقول لها انه مسؤول البلدية في البلدة ثم
يفاجاها حين تراه يدفع عربة الازبال وبالرغم من انه تعود ان يطفا نور الماضي
بالفراق متى ما يراه مناسبا ليرتدي ثوب اخر وفي مكان اخر وزمن اخر ويقينه الوحيد
كل ما يمر حلم يتبدد وكل ما ياتي يجب ان يكون مكسب ..... كل شيء ممكن ان يفقده الا
ما يخباه من نقود وفريدة التي لايستطيع ان يهجرها ولا تستطيع ان تهرب منه لايكترث
بما ستؤول اليه الامورحتى لوشك بخيانتها .....يقينه ان الاخرين لا يعطون
لذا عليه ان ياخذ منهم اخذا بنظر الاعتبار ان النقود ذخيرة لمواجهة عدو اسمه المستقبل لذا اذا دخلت
مستودعه لاتخرج الا وتعود منتصرة ومعها
امثالها
سأل يوسف واراد ان يكون سؤاله عابرا لكي لا يثير ريبة
هذا الشيوعي الذكي
- كم عامل يجمع القمامة في البلدة
ضحك يوسف قائلا
- وهل تحتاج هذه البلدة الى عامل قمامة بيوت خاوية ومن تبقى يختبا مذعورا لا يجرؤ على
كشف تواجده بما يرميه من نفايات وليس هناك سوى هذا الرجل يقوم بجولته الصباحية
والمسائية وما بينهما تجده منكبا على
العمل دون كلل او ملل و عقد الصفقات واقراض من يحتاج بفائدة
صمت لفترة وضحك وهو يكمل الكاس الذي في يده
- هذا القادم من المجهول شخص دؤوب لا يكل ولا يمل عندما
يتعلق الامر بصفقة مهما كان ثمنها فهو يعمل بجد ونشاط طيلة النهار حتى انه لايستحم
الا نادرا عندما يقترب تشم رائحه الجيف
كان الله في عون فريدة كل ليلة يقضيها معها تخصم من
لياليها في جهنم
انه مسخ سخر لجمع المال والقمامة
حقا انه الرأسمالية دون رتوش
- وفريدة ما رايك بها
-هذه الانثى كائن
بري لاتحتمل وجودها في قفص هذا النتن
نال السل من رئتيها بعدما ايقنت
انها اسيرة في خربة يطلق عليه جزافا اسم
بيت.... مظلمة.... رطبة ايلة للسقوط.... في زقاق ضيق تشقه ساقية بالكاد
تسير فيها المياه الاسنة لتنتهي عند النهر اقسم لك لم اجد طيلة عمري من هي
اجمل واتعس منها
سوء حظها جعلها تقترن بمثل هذا الوسخ
تدور الشبهات حول سمعتها غير ان لها لسان سليط لايجرؤ
احد على الاقتراب منها
تعلمت من كثر عراكها مع زوجها ان تنازل الرجال وتكيل لهم
الصفعات واللكمات قبل مجيئك سحلت سويلم في
الشارع عندما حاول التحرش بها وكانت معركة اصبحت حديث الجميع لايام
- وهو الم يثار لها
- قدم شكوى وطالب بتعويض
ادعى بانها فقدت سوارها وحصل على عشرة دنانير دفعها
سويلم صاغرا وتبين فيما بعد كذب ادعاءه
كان الكل يشتهيها والان الكل يخافها مما فيها ومن سلاطة لسانها
غير ان ذلك الامر لايعنيه بالرغم من معاشرتها وهي على هذا الحال الا انه
لم يصب بهذا المرض المعدي
وكل همه هو ان يقضي ليلته معها بصفته زوجها
تثور ولا يابه لثورتها حتى يصل الامر الى صراع بالايدي
مع اقذع الكلمات بالكاد يفلت من بين براثنها تاركا لها البيت لثلاث او اربع ليال
يقضيها في اماكن خارج البلدة وبعد استفحال مرضها وبصاقها المدمي اوجس خيفة و لم
يعد يراها مع صغيرتها الا نادرا
تسكن معها تلك العجوز التي جاوزت المائة عام يقال انها
كانت امراة لضابط عثماني قاتل الانكليز في
حصار الكوت اثناء الحرب العالمية الاولى واستشهد تاركا اياها حينذاك في
الاربعين من عمرها دون اطفال او اقارب لم تشأ ان تغادر الى تركيا مع من غادر
بالكاد تتكلم العربية اضطرت بعد ان فقدت
زوجها ان تبيع الدار في بغداد وتشتري اخر بالقرب من المقبرة العثمانية ليستقر بها الامر في الكوت بالقرب من قبره الذي لم تعد تزوره منذ زمن بعيد بعد ان اعيتها شيخوختها اضطرت الى بيع الدار في الكوت
لينتهي المطاف بها مع فريدة بعد ان وهب لها ميرزة قبل وفاته هذه الغرفة ويقال انها
اشترت البيت من ميرزة وما زال البيت باسمها لذا لايجرؤ هذا الخبيث على طردها والغريب في الامر ان هذه العجوز لها عالمها الخاص حيث تخرج احيانا من
الدار لاتكلم احدا ولا احد يكلمها تتكا على عصا محدودبة الظهر امتلا وجهها بتجاعيد
كادت تخفي معالم لجمال غابر ونمت شعيرات
عند ذقنها وفقدت الكثير من شعرها واسنانها ثم ظهر لها اسنان صغيرة مشوهة مرة اخرى
بالكاد ترى الطريق من خلال عيون صغيرة كانت في وقت ما خضراء فطغى على خضرتها عكرة
بيضاء تختفي لساعات لااحد يعلم اين تذهب لتعود الى الدار مع اكياس صغيرة من السكر
والشاي وبعض اقراص الخبز ............. يحبها الصغار لما تقدم لهم من عرض لا يقدمه
في العالم غيرها و لا يخشونها بالرغم من شيخوختها والتي هي اكثر بشاعة مما يسمعوه
من ذويهم عن السعلوة التي تخرج من النهر لتخطف الصغار وما يدور من اساطير للبيوت
القريبة من النهر .... يزورونها ويجلسو عندها وهي تقص عليهم بعربيتها الركيكة قصص
عن الجن و السلاطين والاميرات غير ان هذه الحكايات يتحملو سماعها على مضض لتكرارها
بانتظار العرض الاخير الذي لا يملونه وهم يتحرقون شوقا اليه ذلك العرض الذي
يعجبهم ايما اعجاب ويخيفهم حتى تقشعر ابدانهم و
يلتصق بعضهم ببعض وعيونهم شاخصة الى ما تقوم به واذا تكلمو عن ذلك لاهاليهم
لا احد يصدقهم ومع مرور الايام جعلتهم يحبون ما كانو يخافونه
بصوت خفيض غريب تصدره مع طقطقة
غير مسموعة من اصابعها اليابسة المتغضنة وانتظار لعدة دقائق يخرج بعدها النمل
والعناكب والعقارب والصراصر من
جحورهم يلتهمو ما بين اصابعها من السكر
ونثار الخبز المغموسة بالمرق وبعد ان
يتناولو وجبتهم ويحمل البعض ما يستطيع حمله يعودو ليختفو في شقوق الجدران لينتهي
العرض الذي لا يملونه ليختفو ليوم او يومين ويعودو مع ما يحملوه من طعام الى هذه البائسة ليشاهدو ما يخرج من
الشقوق مرة اخرى
التحق ابراهيم صباح الخميس عند الساعة التاسعة بعد ايام
قضاها في المقدادية وسط اهله وجاء بخزين من احاديث شتى لم يشا ان يحدث صلاح
بتفاصيلها بل كان يلمح الى ما يدور من امور خطيرة في البلد ....الايام تمضي وشارف
الشتاء على الانتهاء بشائر الربيع حلت مبكرة مع مجيء شباط وتعالى لاول مرة مواء
القطط ومطاردة الذكور للاناث بعد منتصف
الليل دون ان يراها طيلة مكوثه لاشهر في
البلدة وبدات البراعم ندب جميلة تنبا عن حياة جديدة بعد شتاء بارد وازدادت جراة
الشمس لتسلط شعاعها وتنشر الدفىء في ساعة مبكرة من الصباح توطدت معرفته بالدكتورة من خلال زيارته احيانا لابراهيم ومع مرور
الايام استطاعت بما تملك من تلقائية وثقة بالنفس ان تفرض وجودها ووجدت لها مكانا
للحديث معهم بعد فض المراجعين بل تعودت السفر الى بغداد مع صلاح نهاية كل اسبوع و
حتى انها تجرات و طلبت منه مرافقتها الى
الكوت للتبضع من الاسواق المركزية والعودة عند المساء اكثر من مرة بالرغم مما سبب
ذلك لغطا وبدات الالسن تتناول ما يحدث من انسجام ومودة بين صلاح والدكتورة على
انها علاقة حميمية وصداقة يجب ان تنتهي بشكل رسمي والا يعتبر امرا مخالفا للتقاليد
والعرف الاجتماعي ومع ذلك لم تعر الطبيبة للامر اي اهمية ولم يجرا احد على سماعها
ما يدور في خلده غير انه اراد ان يقتصر
الامر على السفر الى بغداد فقط ولم يشا ان يصارحها بذلك بل بدا يتحجج باعذار واهية
المرة تلو الاخرى خوفا على سمعتها لمعرفته بالسلوك الشائن للبعض من المتنفذين
وفعلا صدقت ظنونه ولم تمض فترة طويلة حتى ارسل مدير الناحية في طلبها للتعرف عليها
طالبا منها زيارته متى تشاء ومستعد لخدمتها وتسخير سيارته لتوصيلها الى مراب الكوت
كل ظهيرة خميس او مرافقته للتبضع متى تشاء ... عندها وقفت بوجهه وانذرته بان تصرفه
هذا قد يكلفه سمعته ومركزه اذا ما قدمت شكوى الى المحافظة او النقابة وصرخت في
وجهه بان هذه المرة الاولى والاخيرة لتصرفه الاخرق ولاتود ان تسبب له فضيحة وهو
رجل متزوج له صفة رسمية تجعله المسؤول عن حماية القانون حينها انتشر الخبر في
البلدة وثارت ثائرة صلاح واراد ان يتعرض له ليلقنه درسا لن ينساه غير ان يوسف هدا
من ثورته وحول الامر الى سخرية عندما سال صلاح عن سبب ارتداء مدير الناحية النظارة
السوداء دائما ويخشى ان تفارق وجهه عندها سال صلاح عن السبب ضحك يوسف قائلا انها
ضريبة النضال من اجل الامة العربية عندها ساله صلاح ماذا تقصد بذلك اجابه في بداية الستينات حينها كان هذا الاعور صحيح
العينين عندما تخاصم اثر نقاش سياسي حاد في بهو الكلية مع احد الشيوعيين وانهال
عليه ضربا بلا رحمة وكان ذلك الشيوعي على عكس هذا الاعور صغير الحجم ضعيف البنية
وبعد ان شبع لكما ورفسا امتدت يده لاحد القناني الزجاجية وهشم قعرها وقذفها بوجه
خصمه لتنبت في عينه اليمنى وتفقاها لذا يجدر بك ان تهزا منه بدل من ان تورط نفسك
معه يكفي عندما يمر بالمقهى ان تذكره بعينه الماسوف عليها وتابع يوسف قائلا بربك
صلاح الا يتوجب عليك اذا كنت لا تبتغي علاقة لمشروع زواج مع تلك المراة ان تكف عن
مصاحبتها الى الكوت وانا على ثقة بانك لا ترغب بان تلوك السن التافهين وتنال من سمعتكما.... بتصرفك هذا تشجع الاخرين
ان ينالو منك ومنها وانا على يقين بان ما تفعله هو امر لايعدو اكثر من تلبية
لرغباتها لانني اعرفك جيدا واعرف ما يدور في خلدك من امور هي بعيدة كل البعد عما
يثار في السن الجهلة المهووسون عندها هدا صلاح ولم يشا ان يخبر يوسف عن تردده
وتحججه لكي لا يذهب الى الكوت معها واكتفى بان يقرر مع نفسه مستقبلا ان يقتصر
الامر على الذهاب الى بغداد فقط
- لم نعد نرى ابو اكرم قالها متسائلا وكأنه يريد ان ينهي ذلك الحديث
- . لديه عالمه
وقد اكون احيانا جزء من هذا العالم اذا اراد ذلك
لا ادري ما الذي جعله يتوارى عن الانظار....احيانا ينتابني شعور بانه غريب
حتى عني يظهر متى يشاء ويختفي متى يشاء
حل الربيع مبكرا و
بعد اسبوع من الالفة المفعمة بالعرفان و عند الساعة الثانية عشر من ظهيرة الخميس
ساد الهدوء بعد ان خفت وطات المراجعين حيث قدم صلاح كعادته جلس مع ابراهيم
يتمتعان باشعة الشمس التي تنفذ من خلال ظلال اوراق شجرة التوت اليانعة والنسيم
الرطب يلامس الوجوه بعد ليل ممطر الى جانب الباب الحديدية نمت اعشاب برية وارتفعت
طرية يانعة تتراقص مع كل هبة نسيم
في السماء بقايا
قطعان من الغيوم تسعى مبتعدة جنوبا وبمرورها تحجب اشعة الشمس احيانا وكانها
تشاكسها
وبينما هما جالسان يتمتعان بهذا الجو البديع خرج د خليل
من عيادته ليشاركهم وتقدم
يسحب كرسي ليجلس قرب ابراهيم الذي استغرق في جرد وتدقيق ما بين يديه من
طلبية لادوية وصلت قبل مجيئه بيوم واستغرق في حديث لايخلو من مزاح مع صلاح الذي
بذل مجهودا في جلبها من الكوت مع الدكتور حيث بدات تنمو عرى صداقة بينهما بعد ان ايقن كلاهما بان الامور تسير على ما يرام
وان ما حدث سابقا لا يتعدى اكثر من سحابة عابرة ولا يمكن لامثالهما ان يضمرا
العداء لبعضهما بل الاكثر من ذلك كان صلاح
يلبي عن طيب خاطر رغبة الدكتور في استعارة بعض كتبه ومناقشة ما فيها باسلوب لا
يخلو من سعة اطلاع لكلاهما
كما سبق وان دعاه
الى زيارته ولبى الدعوة عن طيب خاطر وتناولا العشاء و استغرقا وقت طويلا قضياه في
احاديث شتى وتمنى ان يزوره مرة اخرى حيث وجد الدكتور ان صلاح يتمتع بثقافة رائعة
وسعة اطلاع وسلوك مهذب نادرا ما يجده في شخص اخر وبينما ابراهيم والدكتوراستغرقا في مراجعة ما ورد في الطلبية لاذ صلاح بالصمت
وانشغل بما يدور في باله من هموم يراوده القلق مما سيحدث غير انه لم يرد ان يجعل
من ذكاءه فريسة لوحش التشائم عليه ان يتصرف بحكمة وهدوء ويبتعد نحو ذاته ولكن تلك
الذات سبق ان خبرها وهو يعرف انها تجعل من بداية كل شك يقين غير ان الصراع بين
انسانيته وما يتطلب الامر حتى يعيش لمصلحته جعل من هذا اليقين يتلخص حول كل ماهو ات سيكون اسوا مما فات مما جعله يشعر
باحساس غريب وانتابه قلق و قشعريرة من الرعب عندما شعر بانه اسير
رد لرسالة رابعة ينتظر قدومها
بتلهف بعد مرور اكثر من عام استلم فيها
ثلاث رسائل تطلب منه امور لا قدرة له على تنفيذها طالبين منه ارسال ما يثبت كفاءته
في الرياضيات واللغة الانكليزية ليتمكن من اكمال دراسته الجامعية في كلية الطب
بجامعة ستوكهولم مما جعله يستخدم انكليزيته الجيدة للرد مع شهادة حصل عليها من احد المعاهد الاهلية مقابل
مبلغ بسيط يحتفظ بها ولم يشا ان يرسلها ليثبت لهم انه اجتاز دورة تقوية في مادة
الرياضيات خوفا من عدم اقتناعهم بذلك وبقي بانتظار ان يطلبو منه ذلك..... ان ما
حدث خلال هذا العام هو اشارات معتمة هي قريبة من الرياضيات بمعادلات مخفية وارقام
غامضة وغير خاضعة للصدفة لعلها اللغة التي كتب الله بها الكون عبر زمن سطوع لابداية
له ولا نهاية لتتسرب ومضات منها الى
عقولنا البدائية مما جعلنا نبقى على قيد الحياة
طيلة وجودنا وسط مخلوقات جميعها مزودة بوسائل افضل من الوسائل التي
نمتلكها.....لا شك انه الاحساس الغامض بالخطر القادم والتنبا بما سيحدث خلال الزمن
القادم
كان على وشك المغادرة
.لم يبق من ليالي الخميس و الجمعة شيء يبعث الفرحة في بغداد التي كانت
سابقا بشوارعها التي تشتعل بواجهات ابنيتها ضوءا براقا ملونا وقببها التي تتاجج
اشعة الشمس عليها ليبدو كل بريق اخر زائف لم يبقى سوى ذكريات تنبض بالالم والحسرة
بعد هذا التراجع السريع وغير المتوقع خلال هذا العام المشؤوم بقيت تلك الذكريات
التي ما زالت بكل تفاصيلها تراوده في
احلام اليقظة...... كانت مليئة بالمفاجات السارة هنالك الفرق التي تقدم عروضها
الراقصة في النوادي العريقة والراقصة اليونانية الشقراء التي تعرف عليها و رقصا
معا ما زال يتذكرعطرها الساحر ....... تبادلا النظرات ورفع كاسه لتتجه اليه
مرحبا بها فما كان منها الا ان تجلس الى مائدته حيث دار حديث شيق اثار اعجابها وبالتالي اغتنم الفرصة لمواعدتها حيث تناولا
العشاء في فندق بغداد وكان في وداعها عندما قررت العودة الى بلدها وبعدها تبادلا
الكثير من الرسائل كانت تصله من بلدان مختلفة وطلبت منه السفر الى اثينا حيث تنتظره هناك واعتذارها عن المجيء
الى بغداد بعد السلوك الشائن لبعض الرواد في النادي وما زال السقف شاهدا على ذلك حيث اثار الاطلاقات النارية و
دورالعرض السينمائية التي تعرض اخر نتاجات العالم والضرر الكبير بعد حجب الافلام
عنها والتراجع السريع الذي حولها الى ماوى مظلم بارد ايام الصيف اللاهبة يؤمه الجنود المكلفين حيث تكتظ بهم الشوارع و الكثير
من اصحاب الشذوذ الذين وجدو شارع الرشيد والباب الشرقي و السعدون ملاذ لهم .......
لم يبقى من مؤنس سوى غرفه مكتظة بالاف
الكتب العربية والانكليزية والمجلات المصورة العلمية الملونة والانيقة
بطبعتها اللندنية و حتى البيت المتواضع في البتاوين والذي تحول الى مسرح يؤمه مع
الاصدقاء لمشاهدة العروض الجميلة لفرقة مسرح الفن الحديث بقيادة العبقري يوسف العاني والادوار الرائعة التي يؤديها لم
يسلم من التغيير ودارت الشبهات حول ذلك المسرح واتهامه باليسارية واختفى الرواد
والممثلين ومنعت السباحة في نهر دجلة حيث
الجانب الاخر هو قصر الحاكم بل حجب الجانب
الاخر من دجلة عن اعين الناس واختفت خلف النهر بين الاشجارقلاع وقصور لايجرؤ
احد حتى الى النظر اليها تحيطها ابنيه
صغيرة للحرس و اقبية لخبراء التعذيب الذين
يمارسون هوايتهم باحترافية قل نظيرها في النيل من المعارضة وتلاشت تلك الايام التي لا تنسى .....اختفت مواسم
الاعياد و بدات العوائل ذات السمعة الطيبة
تهجر البلد شيئا فشيئا وشعور يراودهم بقرب
وصول عاصفة التغيير القادمة من جهنم وكانهم يسمعو زفيرها دون الاخرين
وبينما هو مستغرق في تلك الذكريات تسلل عطر الياسمين مع
النسائم الباردة في ذلك النهار الربيعي المشرق تناهى الى سمعه صوت خجول متردد
بالكاد يسمعه التفت ليجدها وراءه و قريبة منه تنظر اليه بود مبتسمة كعادتها مثل كل
مرة
-اخير جاء الخميس بطيئا
كعادته ما رايك هل تنوي الذهاب الى الاهل
-نعم انوي الذهاب....
-.السفر الى بغداد فيه الكثير من المشقة كما خبرناه
بالكاد نجد مكانا وسط زحمة الناس واكنظاظهم في مراب النقل كما سمعت
- لا تشغلي بالك بامكاني تدبر الامر
- ارجو الا اكون عبئا عليك
قالتها وكانت تقصد بشكل غير مباشر لتغمز من طرف خفي الى
اعذاره الواهيه لامتناعه عدة مرات من الذهاب الى بغداد وعن مرافقتها الى الكوت
وفي تلك اللحظة تكلم الدكتور
- بامكانكم المغادرة الان لتصلا قبل المساء
- لاباس حقيبتك معك
- انا بانتظارك ان كنت جاهزا
وهكذا وجد نفسه وقد ارغمه الحياء مثل كل مرة على مرافقة اميرة وهو مكلف
برعايتها وحجز مكان لها في زحمة مراب النقل في بغداد او في الكوت ذهابا وايابا والخروج مع امراة مثلها يتطلب صبر و شجاعة وسط حشد من جند مكلفين ذوي سلوك مليء بالمشاكسة ولا يخلو من التحرش والذي يزداد
مع زيادة عددهم و قدم خدمتهم و الكاكي الذي يرتدونه اصبح رد فعل للاذلال الذي يلاقونه على يد الضباط
وضباط الصف والتي لا يكبحها سوى تواجد الانضباط العسكري علاوة على سكان القرى البائسة تلك المخلوقات شبه الادمية المشمولة بقانون التطهير الوطني عبر
اقامة الدولة العلمانية التي يسكن في احشاءها سفاح الطائفية الديكتاتوري لتجعل
منهم بهائم اجسادها حطمها البؤس وسوء
التغذية والمرض تفوح منها رائحة لا تطاق مهمشة فرضت عليها سنن لا يحتملها حتى العبيد عبر حقب الظلم التي لاتطاق من خلال
نواميس الاذلال والاهمال والمهانة ورضيت به جيل بعد جيل ولسان حالها يقول ان الانسان حيوان يتعود.....
لاتملك من امرها شيئا سوى ما فرض عليها من حب للقائد الضرورة والحزب وتصحيح
تربيتهم الخاطئة ليكونو رفاق مخلصين مزودين بوثائق ذلك التطهير من خلال تسليط
البعض على بعض لتفتح امامهم ابواب الرزق
الشحيح ويشملو بهبات تجعلهم على قيد الحياة في زرائب نتنه..... قطيع مستعد للسير
نحو مصير مجهول رسمه لها من تخاف منه وتخشاه اكثر من خشيتها من الله يتملكهم الحنق
على بعضهم يميلون الى الفوضى بعيدين كل
البعد عن السلوك المهذب
قد يهون الامر
عندما يكون بمفرده بينهم تعلم ان يشرب من النهر الذي شربو منه بدل من ازدراءهم بما هم فيه ولكن هذه المتحضرة اكثر
من اللازم بملابسها الانيقة الضيقة كشفت
من جسدها اكثر مما خبأته دون مبالات او الشعور بان ذلك السلوك و في هذه الاصقاع ليس
كما عهدته في شارع 52 بما بقي فيه من
ارستقراطية واناقه مبالغ فيها والذي هو اخر القلاع لمن تبقى من عوائل العهد المباد
و على العكس من بنات جنسها في تلك الاصقاع اللاتي تم ستر جوعهن وذلهن بعدة طبقات
من الاقمشة السوداءالكالحة التي تخفي وجوه خجولة خائفة متعبة بالكاد بقي فيها ما
يدل على ادميتها تعيش على ارض سبخة لا ينبت فيا سوى الطرطيع الذي لا تستسيغه حتى
البعران ونال سوء المعاملة منهن والعمل الشاق في الحقول التي لاتنتج شيء يذكرحتى
تحولن الى كائنات للتفريخ تنتهك ادميتهن بدرزن من المواليد تضاف اليهن زيجات اخرى او
يطلقن ويتركن الى مصير مجهول اذا لم يستطعن الانجاب او ينجبن الاناث دون الذكور
ويتحملن وزر بعولتهن..... يوبخن بكلمات نابية ويعاملن بمفردة تكرم اثناء ذكرهن في
حديث عابر وهي مفردة تستخدم اثناء ذكر الحمير وبقية الدواب وهكذا تم تعطيل نصف
المجتمع بيد النصف الاخر والذي هو اصلا شبه معطل جاهل مليء بكل العادات والتقاليد
السيئة المثيرة للضحك والرثاء
كان الكراج مكتظا بهم وجهتهم بغداد لزيارة المراقد و النذور عسى ان يتخلصو مما يعانونه بعد ان مات الامل او زيارة الاطباء الذين ينتظرون كالضباع للانقضاض على الجيف
والمتلهفين لسلب ما جمعه هؤلاء البؤساء
خلال عام او اكثر بعد ان استعصى المرض
سار خلفها بحذر حاملا الحقيبة وكالعادة بدأ يغلي حنقا ويصمم مثل كل مرة على الحديث
معها بضرورة التقيد بملابس محتشمة ولا
يجرا على ذلك مع علمها ان الكثير يختلس النظر بفضول وتمادى البعض من الباعة
المتجولين حيث بادرو الى الغمز من طرف خفي
بالصراخ والصفير بحجة الاعلان عن بضاعتهم
حتى وصل الامر الى حد لا يمكن تغاضيه او السكوت عنه غير انه تجرع ذلك على
مضض يامل في كل مرة ان تكون المرة الاخيرة
و تغير مما ترتديه.... كان يشعر
بانه يسير وسط وحوش مفترسة لولا خوفها لما تورعت عن ارتكاب افظع الحماقات وبالاخص
اذا ما تجرا احدهم لينقض حينئذا قد يتبعه الكثير من الباقين دون خشية وكانهم
ينتظرون من يشجعهم على فعل ذلك.... حاول ان يتحاشى مثل هذا الفعل بالابتعاد عن
الزحمة طلب منها الانتظار في ركن قصي وتقدم عسى ان يجد مكانا لهما وسط هذه الفوضى
وبعد اكثر من نصف ساعة لم يستطع الحصول على مقعدين بل على مقعد وبطيب خاطر اراد
شخص ان يتخلى عن مكانه ليوفر المقعد الاخر
غير ان صلاح اشار له بان يبقى وشكره على ايثاره قائلا له لاباس هنالك حافلة اخرى
وسرعان ما لفت انتباهه سائق العبارة وقد ياس عن حجز مكان له فما كان منه الا ان
افرد له مقعده صعد وعيونه مملوءة بالعرفان
وعند مغادرته الحافلة كانت هناك اخرى تتهيا لاستقبال هذا الحشد وبحدسه الذي نادرا
ما يخطا اسرع ليجد نفسه اول من يدخلها وقد حالفه الحظ و تنفس الصعداء حيث تمكن من
الحصول على مقعدين في ال ( او ام) الثانية واخبر السائق بامر تلك التي معه واسرع
لياتي بها
سارت الحافلة متجهة شمالا حيث العاصمة و جلست الى جانبه
قرب النافذة صامته اما هو لم يشا ان يتحدث معها ولم يشا ان يلتفت اليها واستغرق في
قراءة رواية بين يديه وبعد دقائق وجد النوم يتسلل الى اجفانه ولم يستطع القراءة
حيث وجد الحروف تتداخل وتتشابك واحس براسه يسقط بين صدره او على كتفه غير انه
كان ينتفض مقاوما ما غزاه من كرى وبينما هو على هذه
الحالة سمع صوتها
وهي تهمس في اذنه دون ان تثير فضول الركاب الذين بجنبهم
-ماذا تقرا
اجابها بصوت بالكاد سمعته وعينيه تنصب على الغلاف
- رواية
-بالطبع رواية اعرف ذلك .......ما عنوانها
- ذكريات من منزل الاموات
- لم اسمع بها من قبل وهل للاموات منازل
- القبور اليست
هي منازل الاموات وهناك ما هو أسوأ عندما يعامل الحي كميت
- وكيف يعامل هكذا
- عندما توصد ابواب الرفاهية بوجههم ويزج بهم في اماكن
يحسدون فيها من هم في القبور
- وهل هناك من يتمنى ان يشاركهم ليكتب عن ذكرياتهم
-نعم من ينام معهم وياكل من زادهم ويشاركهم زنزانة باردة
تحرسها كائنات قاسية اسوأ من المفترسات يطلق عليها جزافا بشر....... يعاني ما
يعانون حتى تنتابه الرغبة بالانتحار للتخلص مما هو فيه
- وهل هناك عاقل يرغب بالتفريط بأعز ما يملك انها حياته
- هناك في اعماق النفس
البشرية دافع للفناء عندما يتعرض ذلك الكائن لشقاء دون امل
- وكيف ذلك
- البؤس هو نوع من انواع الموت وقد يكون اسوأ عندما لانستطيع
ان نقهر الخوف منه
- وكيف نقهر الخوف من البؤس
- عندما لانتخلى عن حريتنا خوفا على امننا لاننا عندها
نفقد الاثنين
- عن ماذا تتحدث الرواية
- عن مذكرات لكاتب روسي نفي الى سجن في جحيم جليدي يسمى
سيبيريا بذنب لم يرتكبه في زمن القياصرة وهناك وجد اناس اسوا من الاموات
لم تشا ان تسمع المزيد لان مثل هذه الامور لا تهمها من
بعيد او قريب طالما لم ولن تشعر بالجوع في يوم من الايام لذا ادارت وجهها الى
النافذة تتامل الارض الجرداء الخامدة الممتدة مع امتداد الطريق وبيوت الطين
المتناثرة وسط حقول مهملة واشجار نخيل متفرقة
لم تشذب فغطاها السعف اليابس في
فوضى واهمال
كان يراقبها خلسة اغمضت عيناها واسندت راسها على كف يدها
اليسرى المتكاة على حافة النافذة واستغرقت في نوم اخذ جمالها يتنامى فيه والبراءة
ترتسم على وجهها المفعم بالعافية التي ظهرت في تلك البشرة الصافية والجفن الكبير
الذي غطى عينين واسعتين وجبهة واسعة ناصعة
اختفت اخر بقايا لحمرة شمس ذلك النهار فتحولت المرئيات
الى اشياء رمادية ينبثق منها ضياء الارتال العسكرية التي لا تنتهي وهي على حالها
منذ ايام وكذلك يتغامز من ابواب ونوافذ لبيوت من الطين بعيدة متناثرة على امتداد سهل
شاسع لارض يباب تمتد مع نهر دجلة وبعد نصف ساعة بدا الطريق خاليا سوى من السيارات
التي خلفهم انتبه البعض الى ذلك واخذو يتسائلون وعلل من يجلس الى الخلف سبب ذلك
الى حادث لم يصلوه بعد وفعلا
تباطات الحافلة وانتبه كل من فيها الى ذلك وشخصت العيون
الى النافذة الامامية بقايا النهار ما زالت تلفظ انفاسها الاخيرة امام العتمة
اللجوجة وفجاة توقفت الحافلة امام منظر مرعب جمهرة من الناس تقف لتشاهد ما يجري
وقسم اخر ظهرت عليه انفعالات من هول حادثة مرورية حيث استلقت وسط الشارع منشاة
مدنية و رمت حمولتها دبابة على حافة الطريق مقلوبة وسرفتها الى الاعلى وحافلة تشبه
الحافلة التي نستقلها وقفت وسط الطريق امام المنشاة المستلقية على جانبها والدبابة
المقلوبة وقفة تحدي اقتربنا من تلك الحافلة كانت مفاجاة مرعب .. نصفها الامامي قد
اختفى من شدة الصدمة وقطع من اشلاء بشرية وسط بقع من الدماء تناثرت امامها وخلفها
كان حادث اصطدام مريع لم تشهد له تلك المنطقة مثيلا حيث تقطعت اوصال جميع من فيها
من شدتها فقذف البعض من النافذة وسط
الشارع امعن النظر و صرخ صرخة سرعان ما الجمها حياؤه استرعى فيها انتباه جميع من في الحافلة وهمست
اميرة مستغربة
- ما بك
فما كان منه الا ان وضع كفه وهي ترتجف على فمه والعرق
يتصبب من جبينه بالرغم من البرد الذي
هبط في ذلك المساء الاذاري وبصوت متهدج
وكانه يخنق بكاء ويحبس دموع تكاد تطفر من عينيه
- انها المركبة التي سبقتنا ولم اتمكن من الحصول على
مقعدين بل مقعد واحد لذا تركت المقعد
لصاحب العبارة
نظرت اليه وهي لا تصدق ما سمعته للتو
-ماذا احقا ما تقول
- ستقام فاتحة في شيخ سعد تسمعي بها عند عودتنا وقد نعبر
في زورق.... حقا ان مهزلة الحياة ان
الاحداث تجري ونحن نخطط لمواجهتها ...شانا ام ابينا انها مستهلك شره لاعمارنا وكانما هنالك من يهزا منا ونحن نجد دون كلل
لنعيش للابد
- تقصد ان سائق العبارة من بين هؤلاء ياالهي لااصدق ما
اسمع
قالتها واغرورقت عيناها بالدموع ومدت يدها دون ارادة
لتمسك بساعده وقد تملكها خوف احس بيدها وهي ترتجف
تركو الفوضى واستانفت الفيات او ام سيرها تتهادى بحذر مجتازة العزيزية وبعد ساعة وقفت امام سيطرة نهر ديالى
حيث صعد جندي يدقق بنظرات جادة وحادة في
وجوه الركاب حتى اشار بيده الى صلاح طالبا منه هويته وبعدها سال بدافع الفضول لا
بدافع الواجب
- هل هي معك
- نعم
- وماذا تفعلان معا
استفز ذلك السؤال صلاح فرد
- وما شانك انت
كان السؤال بمثابة رد جعله يتغاضى عما سمع وتركهم وهم
بالنزول غير انه التفت الى اميرة والتقت عينيه بعيني صلاح للحظة ثم اغلق الباب
وراءه
رددت اميرة
- ما الذي يحدث
- لاشيء تصرف بما يرتدي
-لا اصدق ما حدث
ياالهي سعى هذا الرجل الى حتفه سعيا حثيثا لاندري ما الذي يخباه لنا القدر
- ليس هناك ما يقلق انها امور
غالبا ما تحدث ولكن ليس بهذا السوء علينا ان نستمر بالعيش فالموت هاجس الاحياء
ينتظرنا عند نهاية كل زقاق من ازقة العمر يختفي ليظهر من جديد يهمس في اذاننا
ويقول عش يومك فانا قادم و الكارثة تاتي على غير موعد ... كما انها تحل
صامتة لتفاجئنا سواء في هذا الطريق
او غيره
عند السادسة وصلو
النهضة سارا معا وتوقف لشراء علبة سيكائر حيث تقدمته بخطوات سار خلفها
التفتت تنتظره القى نظرة عليها شعرها الاسود الفاحم الناعم ينسل على جيدها تداعبه
ريح تشرينية يرفرف ويعود ليهبط يحيط بوجه ابيض مضيء كالصباح وتنورة سوداء شدت الى
خصر جميل نهايتها فوق ركبة لسيقان بيضاء تسير بخطى واثقة بالرغم من علو كعب الحذاء
انها جميلة بشكل بهيج وكانها خلقت متميزة
سارا معا ابتسم سخر من نفسه تعجب من تلك الروح التي تسكنه وتساءل هل ما تزال
على قيد الحياة
يعرف تردده وعقله المطموس باشفاق غليظة وفؤاده المختبا
خلف جدران سميكة يصر ليتخلص منها دون
جدوى..... عندما استدار هذا الوجه الجميل وادارت
عينيها بدلال وكانها نجمة الصبح وقد رسمت خيوط الفجر كادت الحسرة ان تصبح
فرحة لديه سمع فيها دقات قلبه الحبيسة في زنزانة الاحكام المريرة والمعتمة بعد ان
ياس من بلد قطاع الطرق فيه جنوده ومحكوم منذ فجر التاريخ بساسة تعوي كالذئاب
بخطابات الفناء قادمين من مفارز الصحراء البائسة ليقيمو على احزان اهله صرح للجحيم
بحروب تحرق مسودات حياته قبل تبييضها
قطيع من الضباع ضحكاتهم تئز كنار الجحيم هدمو صرح
الاخلاق بما ورثوه من المماليك والبريطانيين واندسو الواحد تلو الاخر في المؤسسة
العسكرية وايقنو ان الاغلبية امام الدبابة خراف اذا ما القي القبض على واحد منهم
تراجع الباقون لمسافة والقو نظرة بلهاء لذلك الذي يساق الى المسلخ لاحولة لديهم
ولا قوة وتمكنو هؤلاء الحكام وباسلوب يثير
الاعجاب من النزول من ظهر الدبابة وحكم من يشاركونهم الوطن بالقتل والتنكيل
والتهجير وسلطو سلاح الفتن والجوع وسنو قانون لكل ما يخالف القانون فارتكبو بذلك
المذابح بحماية المذنب و ادانة البريء واستخدمو اذكى العقول لارتكاب افظع الجرائم
ليؤذو خصومهم بطريقة لا يخافو بها انتقامهم حتى تمكنو من فقأ عين شعوبهم وكل من
بقى يبصر اما هاجر الى غير عودة او قتل عاريا مثقب كقطعة كجبنة بالرصاص او مقطع
الاوصال بادوات التعذيب المبتكرة دون ان يحصل على كفن وجمعو حشود المداحين و المخنثين
يلهبون مشاعر البسطاء باناشيدهم التي تحرض على
العنف والكراهية واتخذو من فلسطين وسيلة لجني ما تدر حقول البترول وجعلو كل
مافي الوطن من بشر وحجر فداء لاجل معارك المصير
التي تنتهي على الدوام بهزائم منكرة
تليها توسع لمساحة الرقعة السرطانية على خارطة الجسد الفلسطيني ازدهرت السجون بجلاديها
وامتلات الشوارع بالشحاذين و العاهرات وعلمو الشباب ان يموتو ميتة عاقل يحب القائد
ووطن القائد
التفت خلسة اليها يخاطبها في سره سيدتي تسيرين في ارض يتلاشى فيها صوت السماء.... ارض
تنزف شهوة ملتهبة.... ابرر لك ذلك واقول لعل
ما يجري دون علمك انت والقلة القليلة التي تنتمين اليها لستم سوى بقايا حضارة تمادت في سلب حقوق الاخرين
وجعلتم ابناء وطنكم تحت رحمة شيوخ الاقطاع الذين حصلو من العسكر البريطاني على ثمن
الولاء بمقايضة الذي يعطي ما لا يملك لمن لا يستحق وتمكن ذلك الذي لا يرحم من ان
يحصل على واردات مئات الاف من الدوانم ليصرفها في فنادق بغداد الراقية ولهذا ظهرتم
سريعا في هذا الزمن وانقرضتم اسرع كاننا في مختبر اسمه بغداد اختصر الزمن سنوات
قليلة من عصر الديمقراطية المهلهلة و المليئة بالعيوب والاناقة المزورة ديمقراطية البيضة الفاسدة التي تحتفظ بقشرتها
سالمة لتستمر حتى تنفجر لتخرج روائح عصر الهمجية الثورية بانقلابات سريعة و بشكل
خاطف وبلا رحمة.. مدينة اضطرت الطبقة المثقفة من عشاقها الى تركها فاستباحها اناس اجبرتهم قسوة اعتى مجرمي
التاريخ بعقود من القتل اللامبررعلى ايدي الفرس و الاعراب ثم السلاجقة والمغول
والتتار والانكليز ثم العسكرابطال الانقلابات التي بدات مع نهاية خمسينات من هذا القرن ليحولوهم الى مهمشون ورعاع وغوغاء
يسكنهم حقد اعمى . العيون التي ترمقك بنظرات ملتهبة تريد هدم سور العفة لغزو جسدك
بمشاعر بهيمية لحب بلا اخلاق .اناس
ارهقتهم نوائب الدهر حتى اصبحو مجانين يثورون وما اكثر ثوراتهم ولكنهم
كالامواج التي تتكسر امام حاجز صخري لتهدأ
بعد ذلك ولا تخلف الا زبد سرعان ما تفقأ فقاعاته ... يخسرون كل معاركهم على امتداد
التاريخ لان نفوسهم تسكنها الرغبة بالانتقام
تعلمو ان يتصرفو بتقية اودعتهم في زنزانة العبودية و
الرق
جسدك المفعم بالحيوية والمتخم
بالدلال والعافية المكسو بلباس الترف يدمر
ما تبقى من فضيلة تحتضر لدى هؤلاء الذين ما زالو يقتلون الموتى بالالفاظ
البذيئة ويجترون التاريخ دون كلل ويلعنون كل ما يخطر على بالهم و لايخطر ببال الامم المتحضرة والمتخلفة . يعيشون وحدة شريرة ويقاتلو بعضهم اذا ما
اصطدمت ظلالهم يتكاثرو بجنون ويرمو صغارهم مستبيحين براءتهم ولم يبلغو
العاشرة بعد الى الشوارع ليشحذو ويسرقو
ليكبرو وقد تهيأو كجيش اسبارطي لا يفهم من الوجود سوى ان يكونو جلادين والا اصبحو
ضحايا ورثو تركة الاقطاع وحصل كل منهم على دوانم بعدد الاصابع ودب الخصام على
مناسيب المياه والغيرة من بعضهم البعض ونشب القتال فاضطرو
الى ترك اطيانهم اطلال يسكنها
السبخ والطرطيع بهجرة مرعبة باتجاه العاصمة كجند متطوعين مهددين بالاعدام اذا لم
ينفذو الاوامر او شرطة مرتشين رواتبهم لا تكفي اجرة غرفة بائسة او عمال بناء وخدمة
حفرو في السدة مساكن ليعيشو كالجرذان ومن
تبقى تلاحقهم اطياف تؤرقهم من جرائم يندى لها الجبين من قتل
واغتصاب هربوا تاركين ورائهم من يقض مضجعهم اذا ما تسلل الى العاصمة للبحث عنهم.
ماتت رقة الروح فيهم ولاذو بالسدة والميزرة لايابهو بالاحتقار. يدهم لا تصلح لشيء
الا للقتل والتصفيق وانتظار اللحظة
المناسبة للانقضاض على المنشات الحكومية او العوائل طيبة السمعة وممارسة الفرهود
ليظهرو بعد ذلك رجال اعمال وتجار يقضمو امتار بغداد مترا مترا
اذا ما طاب لهم الجو اطربو انفسهم
باغاني كلماتها فيها من البؤس ما يجلد
الذات بتشائم يسوس الذكاء
يحتمون كحشد من
اسماك السردين بشباك من لا يطيقهم بالرغم
من معرفتهم بانه سيقدمهم وجبة لوحش رغباته
الجنونية بحروب عبثية في الجبال او في فلسطين ولا يكتفو بذلك بل
يعبدونه جهرا ويلعنونه سرا ويسعو للحصول من اللئيم على حريتهم بالتوسل ولو بقتل اشرافهم كبرهان على الولاء
مصيبة هذا البلد انهم لا يقيمو الاشياء كما هي لذا دفنت
مئات الحقائق بانتظار من يجرأ على كشفها
لتظهر و يتحرر الملايين من الاغلال التي يبجلونها الامر لا يحتاج الى شجاعة بل الى معجزة قد يطول انتظارها ........
وعند باب الدار استرعى انتباهه امراة جاوزت العقد الخامس جميلة انيقة كابنتها تحث
الخطى مسرعة اتية من المطبخ عبر المراب وقد ارتسمت على وجهها ابتسامة عريضة وهي
تبسط ذراعيها لاحتظان ابنتها
ودعها و اتفقا على موعد العودة فجر السبت .....يمر عليها لياخذها من دارها الى مراب النهضة ومن هناك ينطلقا الى العمارة ..وفي
الطريق الى البيت اوجس خيفة وانتابه قلق لمظاهر غير اعتيادية تسود الشوارع التي مر
بها ومع كل شارع انتشرت نقاط التفتيش والسيطرات الحزبية والامنية
واراد ان يسال سائق التاكسي غير ان حذره منعه من ذلك
وتابع بفضول ما يجري غير ان السائق فاجأه وكانه احس بما يجول في خاطره و بحكم مهنته يعرف كل ما يجري في المدينة لانه
طيلة اليوم يتجول في الاحياء والشوارع
اراد ان يفرغ ما في جعبته
- عملاء ايران فجرو القاعة في المستنصرية
- ماذا؟؟؟؟... تقصد القاعه في الجامعة المستنصرية
- بالضبط وهناك الكثير من القتلى والجرحى
واثناء تشييع القتلى في اليوم التالي حدث هجوم اخر
بالقنابل اليدويه بالقرب من السفارة التركية ....كل يوم الامور تزداد سوءا مع
النظام الايراني الجديد ويقال هنالك تبادل لاطلاق النار على طول الحدود
اثر صلاح الصمت وعدم خوض نقاش مع هذا الرجل وتجاهل ما
سمع لتوه ولم يعقب بشيء وشخص بصره الى النافذة التي بجانبه فما كان من سائق
التاكسي الا ان بادله بالمثل وساد صمت مطبق بين الرجلين لم يسمع خلاله الا صوت
المحرك لسيارة تنطلق وسط شوارع شبه خالية
وصل البيت استقبلته والدته فرحة بشوشة وفي غرفة الجلوس
سمع صوت المحرك لسيارة ابيه وهي تدخل حيث
وصل للتو واستقبله بحفاوة وابلغه بنبأ
جعله يقفز فرحا وكانه لا يصدق ما سمع
-هنالك رسالة قادمة من السويد
- م..ممماذا اين هي وماذا فيها
- لم افتحها ولا
اعرف ما هو الرد
توجه الوالد
نحو الدولاب ومد يده في جرار ليخرج ظرفا اعطاه الى صلاح
فتح الظرف ونظر لثوان وبصوت متهدج طغى عليه الانفعال صاح
- لااصدق ما ارى لقد تمت الموافقة المبدئية على قبولي في جامعة ستوكهولم كلية الطب غير
انهم يطلبو مني بعد دراسة الرياضيات ان
ارفق لهم ما يثبت ذلك ومن ثم مراجعة السفارة السويدية لغرض الحصول على الاقامة....
علي ان اتاهب لاستقبال الحظ... الاوهام اصبحت حقيقة اشعر بان القادم من الايام
يحمل ما اتمناه
وسرعان ما استحم وارتدى ملابسه وبينما هم بالخروج سمع صوت والده يسأله
- الى اين؟
- الاصدقاء بانتظاري
- لاتتاخر الاوضاع ليست على ما يرام هذه الايام عدني ان تعود الى البيت قبل منتصف
الليل
-ابي ان الامور التي حدثت لاتهمني من قريب او بعيد انه
صراع بين طامعين في السلطة والثروة وكل همهم كما يقول كبار السن هو السيطرة على
كاك النفط ولا ارغب بان اكون طرفا في هذا الصراع الذي لافائدة منه سوى ان من يشارك
فيه يكون حطب لنار هذه الفتنة التي يفوز بها من يوقدها
-وهذا ما جعلني
اطمان ولكن الاوضاع لا تبعث على الاطمئنان عليك ان تتجنب السهر في مثل هذه الاوقات
العصيبة
- اطمان ابي ما
دفعته من ثمن في معمل السمنت كافيا لكي افكر الف مرة قبل ان اكون منتميا لاخون نفسي... اعتقد اننا اعطينا للوطن ما
يكفي وبالمقابل لم نحصل سوى على ما لا نريد
- جيد ان
تتذكر ما حدث لي في عهد قاسم .... سبق وان اخبرتك انني تورطت
بمنصب رئيس نقابة وقدت اضرابا من اجل
ثلاثون عامل من العتالة المساكين استعاض عنهم مالك الشركة بحزام ناقل و اراد تسريحهم .... غير انني لم اخبرك بان
هؤلاء كانو سببا في دخولي السجن و فقدان وظيفتي حيث تركت وحيدا بعد ان اختفى زعماء
الحزب كما هي عادتهم ولم تبقى سوى لعنة حمراء تلاحقني وتلاحق المساكين امثالي
يلوكها المتملقين من الشعراء المعوقين والمزودين
بلسان الرياء لينالو حتى من شخنوب
ذلك العجوز الطيب الذي افنى عمره في حمل اكياس السمنت نال ضربة من احد العساكر بعقب بندقية واغمى
عليه مما اضطررنا الى حمله على الاكتاف والخروج من المعمل بعد ان نالنا من الضرب
ما لا تتحمله البهائم وكان في نيتهم
القضاء علينا لولا تدخل مدرسة المخابرة لنجدتنا وخوف امر اللواء من عواقب فعلته
وتمكنا من الهرب لنعيد تنظيم صفوفنا وخرجنا في مسيرة توجهت الى وزارة الدفاع في الميدان لنستنجد
بالزعيم الاوحد ونهتف بحياته وبدل ان يسمع
شكوانا حرض رجال الامن لينهالو علينا مرة
اخرى بالضرب دون رحمة وتمكنت من الافلات في ازقة عكد النصارى تاركا ورائي العشرات
مثخنين بجراحهم
-ومن هو شخنوب
- عامل تم الاستغناء عن خدماته دون تعويض بعد ان قضى
عشرين عاما في العمل كحمال لاكياس السمنت ونال منه الربو علاوة على تقرح وتشقق
جلده من جراء اصابته بالاكزمة التي سببها
السمنت
- ولماذا ضربكم
العسكر
- انهم جنود مكلفين
ياتمرو من مطوعين في اللواء المقرب من الزعيم جعلتهم الاوامر الصارمة
ساخطين لذا تصرفو كالمجانين فانهالو علينا
ضربا بأعقاب البنادق ورفسا بالبساطيل ليثبتو ولاؤهم . وهم اول من قام بانقلاب 8
شباط واندفعو لقتله ولم يكتفو باعدامه بل
تجرأ احدهم ليبصق في وجهه امام كاميرات التلفزيون
....
تصور بعد ايام
من الحادث صدر امر القاء القبض واودعنا السجون ثم قدمنا الى المحاكمة ليصدر الحكم
بسجني سنتين مع ايقاف التنفيذ وفصلت من الشركة ومنعت من العمل في الفطاع العام .
حتى اخي عندما اراد توظيف ابنه يزكيه
بقوله لرئيس مجلس الادارة متملقا هذا ابني يشبهني ولايشبه عمه الاحمر على
اي حال اجتزنا المحنة والمحل يدر دخل
جيد وعمك ابتلى بسباق الخيول
وعاد يتودد ويشكي لي حاله وهو غارق في الديون و لا ابخل عليه .... الايام
العصيبة ولت الى غير عودة ....لايماني بان الفشل ليس نهاية المطاف
غير ان سحابة من الحزن العميق خيمت على وجه الام ولم تشأ
ان تظهرها لولا التماع عينيها فضح ما يجول في دواخلها فرددت بصوت متهدج
- تتركنا وترحل يا ولدي وقد تكون رحلة بغير عودة
-مازال الوقت مبكرا لذهابي ثم ما هي الا اربع او خمس
سنوات واعدك بان كل عام يمر اقضي اكثر من شهر معكم
التفت الاب الى زوجته مرددا
- دعيه يسعى الى هدفه.... دعيه يرحل وكلما اسرع في ذلك
يكون افضل له ولنا..... الامور لا تبشر بخير هناك من يدفع صدام لاجهاض الثورة
الايرانية وخميني اقنعه من حوله بسهولة القضاء على صدام متى ما اقدم على خطوة
حمقاء وحتما سيقدم عليها.. هكذا هو الامر انه يتوقع ما لايمكن تفاديه .عدنا الى طرق يسلب التاريخ فيها
نواميس الحذر ويقذف بالبلدان وسط اعصار لصراع يتجدد كل قرن على مدى اكثر من الف عام و شاء القدر او
خطط الاخرون ان يمتلأ كلا البلدين بترسانة
من السلاح لو جمعتها ستكون ثاني قوة في العالم وشعوب هي صريعة العاصفة القومية
والطائفية واكبر احتياط نفطي في العالم يدر المليارات كل عام ويمول حرب على مستوى العالم ولسنين.... اناس
خائفين من نظام ديكتاتوري علماني مبطن بطائفية بغيضة واخر ينوي تصدير الثورة لاكثر من خمسين بالمائة من
اتباع مذهب فرض عليهم التهميش والقسوة المبالغ فيها عبر تاريخ دموي لشعوب العراق
والخليج وفرض الزامي للخدمة العسكرية مع عقوبة الاعدام تنتظر من لم يلتزم بها و
جوقة من المطبلين والمزمرين ورفيقات يزغردن دون خوف وحياء.... وحدود مشتركة طولها
اكثر من الف كيلو متر وقوى عظمى همها
التخلص من الاثنين ........
هذه الحرب اذا ما نشبت نارها واستعرت لا تخمد الا بنهاية الطرفين ولو بعد خمسين
عام انها الحرب الضرورية للقضاء على
تطلعات اذكى و اغنى الشعوب في المنطقة بيد حكام صممو على اختيار المنازلة دون تردد
عندها قاطعه ابنه قائلا
- ولكن ايران ثلاثة اضعاف العراق مساحة وسكان والشاه
جعلها ثالث قوة عسكرية في العالم
- وهذه هي الوصفة الملائمة انها تمر اليوم بفوضى تضرب اطنابها بعد خراب الدولة
الشاهنشاهية وتصفية القادة العسكريين نفيا او اعداما لتتحول الى بلد كبير محاصر
اقتصاديا وعسكريا وسياسيا وفوضى ثورة لم يستقر
الامر فيها لاحد بعد وبلد اخر اصغر منه تدعمه انظمة لا تطيق ما ستؤول اليه الامور في بلد وحضارة عمرها الاف السنين تحكم من قبل العمائم التي لا تؤلو جهدا في ازاحة الرماد عن جمرة التناحر الطائفي القومي
الغارق في اوحال التاريخ......... انها الوصفة الملائمة لاطالة امد الحرب وبقاؤها مشتعلة لزمن طويل لايحسمها لصالحه اي منهما انها حرب الحمقى صممت لتستمر وباحكام
لتشوه شعوب البلدين وتحيلهم الى ركام و نفايات ضارة مقيته للعالم و لبعضها
ترفض التحضر والقيم الانسانية
-ولماذا سميتها حرب الحمقى
-لان الاحمق عندما يقدم على خطوة لايفكر بنتائجها
ان ما يحدث . امر خطط له بعناية او ان للحياة مسالك ماكرة وهذه المسالك
لايقع في فخاخها الا الاغبياء او المنكودين . . من يخوض غمار المعارك يتعلم
الاستهانة بحياته ثم حياة من يكره وبعدها
من يحب اذا ما كرهه وحتما سيكرهه في يوم من الايام... الحرب مجموعة من الدروس القاسية
تحجر القلب و تلوث العقل يزدري من يخوض غمارها الحياة وينغمس في لذة التطرف
الى الحد الذي يستيقظ فيه وحش العاطفة الذي لا يتحكم بغرائزه
كثير من افراد
المجتمع اذا لم يكن اغلبهم ليس لديهم رغبة للمشاركة في لعبة الموت هذه لذا تعمل
ملكة الابداع لديهم بكل طاقتها لدرء الاخطار المحتملة في ساحات الوغى من اجل
البقاء على قيد الحياة فتسعى على تجنب
الذهاب الى هناك باساليب لاتمت الى الاخلاق بصلة ومن يانف هذه الممارسات اما ان
يدفع حياته ثمنا لها اويهرب خارج البلد . ولم يأت ذلك من لاشيء بل جاء عبر نصوص
لقوانين شاذة تثير الاشمئزاز سنت منذ عشرات السنين وكلما حدث تغيير عبر انقلاب
عسكري يتم اضافة الكثير من الخسة والدناءة لتلك القوانين بدل ان يعمل على اصلاحها
بما تمليه الضروف لعالم يتغير نحو تعميم الفكر الانساني وحقوق الانسان لا لشيء سوى
سعي المتملقين والمنافقين لارساء دعائم الحكم الديكتاتوري واطلاق يده في ممارسة
التعسف وتشرعن له الظلم لخطب وده ولا تتردد لتصل بالمجتمع الى حالة تجبر فيه
العامة على التصفيق اثناء حز رقابهم ....
اما الناس الذين
لاحولة ولا قوة او المخدوعين بالدفاع عن الوطن بغزو اوطان الاخرين يزج بهم في اتون
الجحيم تاركين وراؤهم نساء تفرض عليهم حاجاتهم المادية و الغريزية امورلا تحمد
عقباها ... فالانسان كائن صمم بطبيعته ليعمل بكل قوته من اجل حماية نفسه و بالتالي عائلته والبقاء على قيد
الحياة وتلك الامور تجعله يتربص ليخالف العرف والتقاليد بما تمليه عليه غريزته او
للهروب من التنظيم القسري المفروض عليه بقوة القانون ورعب الالزامية للدفاع عن وطن
يتمتع فيه القائد ومتملقيه بثروات لايتمتع بها غيرهم
-اخشى عليك من
المجاهرة بمثل هذا الاحاديث يا
ابي سبق لك وان عانيت من تعسف السلطة
- عشت ما يكفي ومررت بظروف تجعلني اجاهر بالحقيقة امامك
وامام من لا اخشى وشايته لتكونو على بينة
وكما يقال ذكر عسى ان تنفع الذكرى ... مر هذا البلد خلال الثمانون عاما التي مضت
بضروف صعبة ابتدات عندما اجتاح الانكليز العراق بداية هذا القرن مع عبيدهم من المنبوذين المرتزقة من الهند وجنوب اسيا وكما هي العادة على امتداد التاريخ انقسم الناس
الى فئتين اكثرية معدمة جاء وعيها من معاناتها عبر تاريخ طويل عانت الامرين فيه
بعد سقوط بغداد على يد المغول فتوارثت الحكايات المرعبة عن سلوك الغزاة ابا عن جد
لذا ترفض وجود المحتل وتناصبه العداء
واقلية من اصحاب القرون الغليظة منافقة متملقة منحرفة مستعدة لفعل اي سلوك منحط
للحفاظ على مصالحها والى وقت قريب كانت
عونا للاتراك وتخلت عنهم بعدما ايقنت من خلال اجهزة الاستشعار التي تمتلكها
ان نهاية الاتراك قد اشرفت على يد الاستعمار البريطاني وما يملكو من اسلحة فتاكة
وتكنولوجيا عسكرية لا قدرة لهم على مواجهتها
....لذا سارعت الى خطب ود الانكليز والتحالف معهم للقضاء على الرجل المريض
بلا رحمة وخلال اشهر انضم معظمهم الى لورنس واصبحو ميليشيا لخدعة بريطانية اطلق
عليها الثورة العربية الكبرى وهكذا تم
احتلال ارض لم تتكون لها بعد خارطة سياسية وعملت المسز بيل تلك المراة التي لم ينصفها احد بعد اطلاعها على تاريخ هذه
الارض ومعرفتها بالحضارات العظيمة واعجابها الشديد وعشقها لحضارة وادي الرافدين على ايجاد خارطة سياسية
بعيدا عن النفوذ العثماني المهزوم والطامع بالموصل ودهوك واربيل والحلم الفارسي
المتجدد للاستيلاء على السليمانية والبصرة بعد ان قضمت المحمرة ....عملت تلك المراة الى ايجاد خارطة سياسية سميت
العراق غير ان هذه المراة الشغوفة بتاريخ هذا البلد تامر عليها ابناء
جلدتها قبل غيرهم وتركوها مهملة منسية لا احد يزورها لتموت وحيدة في بيتها ببغداد بعد ان ناصبها
الهاشمي القادم من الشام ذو التطلعات القومية العداء تلك التطلعات التي جرت
الويلات وبدات ملامح الانهيار باتفاق المحتل البريطاني مع الطبقة السياسية الجديدة
والحالمة بالمكاسب والنفوذ لتكافىء زعماء العشائر جنوب شرق العراق بتوزيع الاف الدوانم من الاراضي الزراعية لاتباعهم وتم
شراء الذمم والولاءات من اجل تنظيم علاقة مصلحة مبنية على النهب المنظم من ملك
مستورد ورئيس وزراء تنكر للجميل وتامر على ابناء جلدته ليدعي العروبة و يتامر
ليصبح رئيسا لاركان ما تسمى الثورة العربية وشلة من اشباه الرجال همهم الخوض
بنقاشات عقيمة و جلسات لليالي حمراء يرتعون
الويسكي و معاشرة النساء في الفنادق الراقية عبر شبكة دولية من الدعارة
تشرف عليها ريجينة وغيرها من المومسات وهكذا عاد المجتمع مرة اخرى الى ما كان عليه
ايام الدولة العلية بل اسوا من ذلك ازاحت العلمانية الحديثة العهد ما تبقى من قشور
الدين وعاد الناس يعانون الفقر والحرمان
.
قاطعه صلاح بقوله
- هل تستطيع تلك الاحزاب من حكم العراق اذا ما تم هزيمة
صدام على يد الخميني
- بامكانها ان
تحكم لفترة تخمد فيها جذوة التشدد الديني للكثير من المهووسين
- والعالم الحر يسمح بذلك
- ولم لا طالما هنالك فتنة كبرى لعاصفة طائفية هوجاء
تلوح في الافق ستجعل من الفرقاء يتهافتون افواجا نحو الجحيم بقيادة قادرة على
الدفع لشراء الة الدمار طالما ابار النفط ما زالت تعطي بغزارة وسخاء والشارع مكتظ
بالمهووسين الذين..سيزج بها في اتون الجحيم ويرمون الى هوة سحيقة لاقاع لها ........هل تصدق بان
امريكا وحلفاؤها يجعلون من ايران قوة عظمى
تواجه مرة اخرى الحضارة الغربية وتعود بالتاريخ الى الوراء ثلاثة الاف عام
امريكا لا تتحمل
تهديد احد وقد تتصرف بقسوة مفرطة مع من يحاول ان يفكر بتهديدها ولو بعد حين
والتاريخ القريب شاهد على ذلك ولكن قبل ان ترتكب اية حماقة لديها القدرة بان تلعب جميع اوراقها ولا يثير
غضبها الا الخصم الذكي لذا تراها تتصرف معنا بثقة وصبر وكياسة ولا تحتاج الى ان
تفقد صبرها ويزيد حنقها معنا فنحن لا نصل الى مستوى بريطانية والمانيا ابان الحرب
العالمية الثانية تلك الدولتين اللتان وقعتا في فخ المساعدات الامريكية بملايين
الدولارات لانتاج الاسلحة اللازمة في
مصانعهما لهزيمتهما حيث دمرت الحرب بريطانيا مثلما دمرت المانيا وهيمنت على
الاثنين بعد ان انهت الحرب بشكل يخدم مصالحها وكما تعرف العبرة بالنهاية كما يقال
والنهاية جعلت من تشرشل يدفع الثمن بعد الحرب وكان الاتهام جاهزا من بعض المنافقين
في مجلس العموم وفي الصحافة عندما حرضو عليه واتهموه ببيع الامبراطورية البريطانية
بثمن بخس للولايات المتحدة ونسو او تناسو ان الاوامر كادت ان تصدر بهجرة الشعب
البريطاني الى كندا وهو الذي وقف عاريا متوسلا امام روزفلت في غرفة بسفينة وسط الاطلسي ليدفع الاذى والتهديد الهتلري الذي
اراد ان يحول بلده الى سجن نازي وكادت تلك الجزر ان تقع في قبضة هتلر قاب قوسين او
ادنى لولا حصافة ذلك الرجل..... اما هتلر
وبفعل المساعدات الامريكية للسوفيت و التي بدات بالزبدة ولم تنتهي بالمدفع فاجأته
قطعان الجيش الاحمر بملايينها التي
لاتنتهي وهي تندفع غربا وتنقض على الجيش النازي من موسكو الى برلين ليرتفع العلم
الاحمر فوق الرايخستاخ وقبل وصوله بدأت تسانده القلاع الطائرة الامريكية بالاف
الاطنان من القنابل الحرارية وهي تدك
المدن الالمانية الى الحد الذي كانت فيه
الانثى الالمانية تفضل ان يعتليها الروسي ليغتصبها عن طيب خاطر بدل ان
يعلوها الطيران الامريكي وهو يلقي حمم من جهنم .
ان ما يجري
اليوم هو بداية لاعصار مدمر سيجتاح الشرق الاوسط تستمر تبعاته لمائة سنة قادمة
تحرق الحرث والنسل انها حرب طائفية
بأمتياز سبق وان اندلعت قبل سقوط الخلافة
العباسية وساهمت في سقوط بغداد وفي زمن سليم الاول ومجازره الرهيبة وافراغ العراق
من الشيعة وصلاح الدين الايوبي و دحر الفاطميين في مصر و بداية القرن العشرين حيث
الغزوات الوهابية للنجف وكربلاء .....
انها اشد انواع الحروب فتكا ودمارا تستخدم فيها كل اسلحة الدمار دون تردد او رحمة
وهي اللحظة التاريخية المناسبة للاخرين لاعادة ما اخذ
منهم عنوة خلال الالف عام التي مضت لذا لا تستغرب اذا لاحظت ان هؤلاء غير مكترثين
ولا يسعهم سوى الانتظار لمعرفة نتائجها . .حيث المنتصر فيها منهوك و
اشبه بالمهزوم ..... اذا استمر الحكام العرب في اضطهاد شعوبهم وزجها في
حروب خاسرة سيضطرو مستقبلا بالتخلي عن كل فتوحاتهم والعودة من حيث اتو قبل الف عام
. . . .و الاندلس خير مثال على ذلك بعد ان حولوها الى طوائف ينقض بعضها على الاخر . وهاهم اليوم يفعلوها في
فلسطين ومن يدري ربما غدا في السودان وبعدها في المغرب العربي.... هي حرب فناء
محصورة بين الشيعة والسنة والمسيحيين والامازيغ و الاكراد بمساعدة تكنولوجيا مدمرة ..... تخوضها مجتمعات
يسودها جهل مطبق ولا تعرف ما يدور حولها من خطط مهلكة..... تتوسل من اجل الحصول
على اشياء لديها القدرة على كسبها......... متخلفة في كل شيء ولا ترغب
بالتطور كبتت حرياتها السياسية
والاجتماعية.... نزقة تتكاثر بجنون في
مستنقعات الفقر.... تميل الى الفناء بادوات من الديماغوجية وغسيل الدماغ لخلق
كائنات عدمية متطرفة انتحارية
يا بني ان امريكا لديها القدرة على ان تقطع راس الافعى
التي تهددها بيد اعداءها والرغبة بالتدخل المباشر اخر ما تفكر به بعد ان تجمع
عشرات الدول ديكور لهذا التدخل كما فعلت في كوريا وفيتنام....نعم لديها ما يكفي من مؤسسات علمية لفعل ذلك ............ و قد خضعت
الشرق الاوسط والذي تعتبره محطة وقود
العالم لمائة سنة قادمة لدراسة مستفيظة عبرالاطلاع على تاريخه وثقافاته كما انها
على دراية كافية بردود الافعال وتعرف جيدا ان
الكوادر المتقدمة من الطبقة السياسية التي تنتج حكام يديرون شؤون هذه البلدان يمتازو بالقدرة على
البقاء للتمتع بأمتيازات لايستطيعو حتى ان يحلمو بها دون مساعدتها مما يجعل منهم
كائنات لا تتخلي عن الزعامة و لا
رادع يحد من رغبتهم وبقاءهم في هرم السلطة سوى الموت او الانقلاب وهم لا يختلفو عن بقاء الحفاظة لدى الرضيع كلما
طالت الفترة الزمنية امتلات بالفضلات التي لاتطيقها شعوبهم المغلوب على امرها والتي تعودت على قذارتهم . مع جمرة متقدة
مدفونة برماد الخوف والتردد تستعر في صدورهم لينتظرو ساعة الخلاص واذا ما ازفت تخلصو منهم
فيصبح كل شيء مباح ويتحولو الى كواسر تقتات بعضها على البعض
- وكيف التخلص من امريكا ونفوذها المرعب
- حسنا هنالك حكاية عشناها لعلك تتذكرها عندما كنا في
الخندق قبل مجيئنا الى المشتل
- وماهي
-انها حكاية صالح ابو الفيالة
- هذا الشقي الذي اغتيل على يد البعثيين وسط الكتل
الكونكريتية لبقايا مقبرة اليهود
- حسنا انت تتذكرها لذا لاداعي لسردها لك يا بني
- لا اذكر سوى مقتله لذا ارجو سماعها منك لم اسمع بها من
قبل
- انها حكاية طويلة ......
- بامكانك اختصارها لافهم المغزى منها
- لا بأس في منتصف الثلاثينات جاء رجل لااحد يعرف من اين
جاء وسكن في الخندق بالقرب من محطة شرقي بغداد
..... في احد الغرف في بيت كشي تلك المراة الكردية العجوز بلكنتها العربية
الركيكة و التي تمتلك بيتا من الطين فيه العديد من الغرف تؤجرها للعوائل البائسة
مقابل ربع دينار شهريا للغرفة الواحدة
كان ذلك الرجل يقضي معظم نهاره في مرقد الشيخ عبد القادر
او في مقهى العميان المجاورة للمرقد بانتظار الشوربة التي كانت توزع للفقراء مجانا
عند الغروب يوميا..... ويتودد الى قارئي المنقبات النبوية في الافراح والماتم حيث
يرافقهم ويقوم بخدمتهم اثناء ذهابهم لتلك
المناسبات مقابل مبلغ بالكاد يسد رمقه ....مضت اكثر من ثلاث سنوات جاء من بعده الكثيرين وتعلمو اصول
القراءة والتجويد وبقي هو على حالته هذه ولم يتغير شيء سوى انه تزوج من احد
الشحاذات الهنديات والتي لم تبلغ من العمر اكثر من عشر سنوات بعد ان اشتراها من
والدها بخمسة عشردينار ثمنا تقاضاه والدها للعوده الى بلده بعد اتمام زيارته للشيخ
ايفاءه بنذره وبعد اربع سنوات رزق بطفل اسماه صالح شديد السمرة ذو شعر اسود زيتي لامع مسترسل بلغ هذا الطفل الثالثة عشر من
عمره وكان على عكس والده تماما جريء لا يتورع عن الاقدام على ارتكاب الحماقة تلو
الاخرى مشاكس يخوض الشجار تلو الاخر ومما زاد في حنقه وكرهه للمجتمع هو تعرضه للاغتصاب مرات عديدة على يد اشقياء
بغداد ووصلت فضائحه الى والده الذي عجز عن
منعه من مرافقة مثل هؤلاء اما لقبه جاء لشدة سمرته وشعره اللامع المسترسل
حيث لقب بصالح ابو الفيالة .....عند الفرهود
نال من اليهود وانقض عليهم كالصاعقة سرق الكثير من الصيغة سلب نقودهم
والغالي من حاجياتهم وهو لم يبلغ الخامسة
عشر من عمره بعد ان اعتدى على شيوخهم
وشبابهم ونساؤهم وصرف كل ذلك على المومسات في الميدان وملاهي بغداد ليعود مرة اخرى
فقيرا معدما بعدما طرده والده مهددا اياه
بقتله اذا ما راه يعود الى البيت مرة اخرى بعد تلك الفضائح اختفى والده ووالدته
حيث تركا بغداد الى مكان لايعرفه احد من اهل الخندق وحاول صالح العثور عليهما غير
انه لم يحظي برؤيتهم مرة اخرى
مضت السنوات وعند بداية الستينات دخل العقد الرابع واختفى طيش الشباب وبدأ مرحلة
الخبث والدهاء واستخدام القوة عند الضرورة اخذ يجمع حوله شلة من القتلة واللصوص
ويقنعهم بالانضمام اليه عندها بدا يخضع محلات الاقمشة والاثاث المجاورة لمقبرة
الغزالي لسطوته ويفرض عليهم الاتاوة بمبلغ مقداره ربع دينار كل اسبوع ومن كل محل
اما من لم يدفع يتعرض محله للحرق او للسرقة واغدق على اصحابه بعشرات الدنانير
ينفقونها في الملاهي والمواخير لذا زادو تعلقا به وبتنفيذ اوامره حتى وصلت اخباره
الى السلطات وخرجت المفارز لالقاء القبض عليه
وعلى افراد عصابته الذين يعدون بالعشرات غير انه يختفي في كل مرة وبعد ان
تهدا الاوضاع يعود للظهور مرة اخرى واذا ما امسكو باحد صبيانه يبذل المستحيل وينفق
المبالغ الطائلة لاطلاق سراحه او تخفيف مدة محكوميته.......لم يكتفي بفرض الاتاوة
بل اسس اماكن للعب القمار خلف السدة بحمايته وحماية اتباعه وفرض سيطرته على الخندق
والكوازة وعكد الاكراد وسوق المسكف وكراج حجي منيشد كان الكل يخشاه اكثر مما يخشون
الشرطة وتمتعت العوائل الميسورة بحمايته
ولم يتجرا احد على مضايقتهم اما العوائل الفقيرة..... كانت تصلها هباته بشكل منتظم
واستطاع ان يمد نفوذه الى افراد الشرطة عبر الرشاوي وتهديد عائلاتهم لذا كانت تصله الاخبار اولا باول وفي فترة حكمه
للمنطقة ساد الهدوء والاستقرار وكان لا يتورع بالانقضاض على العوائل سيئة السمعة
المشاكسة والتي تشجع صغارها وفتيانها بالاعتداء على الاخرين لينال من
اوغادها...... يذلهم ويترك فوق مؤخراتهم وفي جباههم اثرا لا يمحى بسكينه التي لا
ترحم ثم ينال من نساؤهم ويجعل من بيوتهم مواخير للخمر و الجنس حتى يجبرهم على
الرحيل دون عودة
صمت الاب ثم سال صلاح
- وكيف انتهى الامر
- حسنا جاء البعث ومع مجيئه تغير الناس و هذا هو
ديدنهم عبر تاريخ طويل فتحولو من المقاومة الشعبية الشيوعية الى
ميليشيات الحرس القومي البعثية وتمكن
الرفاق بما يملكو من سلطة وثروة الى جانب قسوة ليس لها مثيل ولا يظاهيهم فيها الحجاج ودهاء يحسدهم عليه معاوية من تصفية
اشقياء بغداد الواحد تلو الاخر ومن ثم تجنيد احد اتباعه الذي كان يسرب معلومات عن اماكن تواجده ليحاصروه في انقاض الكتل الخرسانية لمقبرة
اليهود وتتم تصفيته في ليلة ممطرة عاصفة من ليالي شباط
- والمغزى من ذلك يا ابي
-امريكا لايمكن ان تنتهي بغزو او بحروب خارجية فهي
ترسانه مرعبة تحوي مختلف صنوف الاسلحة المعروفة وغير المعروفة لا قدرة للعالم كله
على مواجهتها .......امريكا لا يمكن ان
تنتهي الا بيد اتباعها عندما يتفق
العالم على الابتعاد عن مواجهتها او خلق مبرر لمواجهتها و الالتزام بنظام يحترم حقوق الانسان والحريات العامة وخلق حالة
من التنمية بموازات التنمية التي لديها دون ان تتورط في حرب معها .
- وهل ترى ذلك ممكنا؟؟؟
- ذلك يعتمد على
المستوى الاخلاقي للانظمة العالمية وهذ الامر في غاية الصعوبة في اغلب دول
العالم وهناك سؤال افتراضي هل
امريكا مستعدة لخوض التجربة
الديمقراطية بشكلها الصحيح والسعي الى السير نحو ما انجزته الدول الاخرى و اسوة بديمقراطيات العالم المتمدن لتصل الى سواحل الاشتراكية الفابية وذلك امر شبه
مستحيل لانها ما زالت وعبر المائتي عام المنصرمة تعاني من بثور العنف والاضطهاد
والتمييز العنصري الذي مارسته ضد الهنود والزنوج والفيتناميين لذا يحاول بعض
الحمقى فيها وعبر النظام الديمقراطي ان يكون رايهم هو الغالب ويسعون حثيثا الى .
بقاء الانظمة المستبدة صاحبة الثروات
الهائلة لاطول فترة ممكنة ولكنهم غافلين او متغافلين ان سلوكهم هذا سيجعل
بلدهم مع مرور الايام يزداد عزلة كلما
زادو حماقة يزداد وعي العالم بتلك الطبيعة العدوانية التي تنخر فيها قبل غيرها لتصبح في وضع لا تحسد
عليه وتحل محل الشيطان في الاديان
- والمعسكر الاشتراكي الا يكون له موقف في هذا المخطط
ضحك الاب عاليا وردد
- امريكا قد تبقى وتتغير لصالح مواطنها عبر المؤسسات
الديمقراطية الرصينه دون الاستماع الى رأي الحمقى . غير ان المعسكر الاشتراكي يلفظ
انفاسه الاخيرة
- ايعقل ذلك؟ وفيتنام مرغت انفها في الوحل
- وهذا يؤكد ما قلته للتو حماقة البعض دفعت ثمنه بعجز
اصابها . . امام حكمة الشرق غير ان الامور
لا تسير هكذا في اوربا الشرقية فالناس
هناك بعد ان حصلو على سكن وماكل وجب عليهم ان يعملو مثل بناة الاهرامات ان البشر
في المعسكر الاشتراكي الات تعمل دون رحمة مستعمرات من النمل ومن يسقط تسحقه الالة الجبارة لهذا
النظام الشمولي .... حسنا لاروي لك ما جرى و اثناء تجوالي في اوربا الشرقية
والغربية وبالذات بعض المواقف التي اثارت استغرابي في البلدان الاشتركية
في بودابست وعلى الجانب الاخر والذي يسمى بست كما نطلق
نحن في بغداد على جانبي النهر الكرخ والرصافة كنت مع احد الاصدقاء جالسين في
كازينو جميل يطل على نهر الدانوب نحتسي قناني البيرة في ظهيرة مشمسة من شهر حزيران
تحت ظلال اشجار البلوط والصنوبر اثار انتباهي امراة في العقد الخامس من عمرها
جميلة بشكل لا يوصف كان عملها كنادلة وفي مثل هذا العمر امر يثير الرثاء لدى كل من
يراها لاحظت ان عضلة ساقها ترتجف من الارهاق والتعب الذي تعانيه اثناء اداءها ذلك
العمل المتواصل البائس وسط حشد من السائحين العرب لايكفو عن مضايقتها
وفي نفس المكان كان احد المتحذلقين هرب من العراق كمعارض
لنظام صدام الى دمشق ومن هناك حصل على منحه للدراسه في احد الجامعات الالمانية في
برلين كان يصاحب فتاة شقراء ضخمة جاءت معه
من بلدها المانيا الشرقية اصغيت اليه ومن خلال ضحكه كان يكيل الشتائم لها وهو
يلتفت الينا وكانه يريد ان نراها وهي تتوسله
لتحصل على قنينة بيرة وهي غير ابهة بالاحتقار بل وصلت السفاهة به ان
يتبرع بها لمن يشتري لها قنينة بيرة......
اثناء عودتي بالقطار من جنيف وعند مدينة في الشمال
الشرقي لايطاليا تسمى تريستا وهي تقع على
الحدود اليوغسلافية اندفع عشرات اليوغسلاف من شباب وشابات للحاق بالقطار المتوجه
نحو زغرب وسط صيحات الاستهزاء من قبل الايطاليين وفي القطار
كانو متكدسين البعض فوق البعض لا لشيء سوى
لتهريب بناطيل الجينز وعندما صعدت الشرطة اليوغسلافية بداو بنزع البناطيل فتبين ان
كل منهم يرتدي ثلاث او اربع بناطيل من الجينز وامام الجميع كان افراد الشرطة
يسحبون البناطيل و معها اللباس الداخلي للفتاة او الفتى ليتركوهم عرايا امام انظار العشرات
بعد ذلك وفي صوفيا حيث تم ارسالي الى احد الشقق للبقاء
اربعة ايام مع احد العوائل وهذا هو نظام الفندقة المعمول به في المعسكر الاشتراكي
وعند وصولي كان هناك رجل نجفي على وشك المغادرة لانتهاء اقامته .... دخلت علينا
صاحبة الشقة وهي امراة جميلة في العقد الثالث من العمر لتبديل الشراشف وعندما انحنت رفع ثوبها وامسك بها من الخلف
وكانه كلب يصعدها مما اضطرت الى ازاحته
جانبا مع كلمات غاضبة بالبلغارية عندها التفت نحوي ضاحكا وقال بصوت لا يخلو من
السخرية عليك بها يمكنك الحصول عليها بعلبة مارلبورو سبق وان مارست معها بعلم
زوجها
اما السوق السوداء لتصريف الدولار باضعاف السعر الرسمي
فحدث بلا حرج والرشاوي عند مكاتب تاجير الغرف مع العوائل ودس الدولارات وسط الجواز
هذا شان اخر والنظام القمعي وانتهاك الحريات امر لاتجده حتى في العراق هناك يحصون
عليك انفاسك الكل فاسدون سرا ووطنيون جهرا والرؤوساء الشيوعيون يتمتعو بمزايا لا
يتمتع بها امير نفطي من قصور وسيارات وتحف
وحسان اما الطبقة العاملة فهي بحال اسوأ من العبيد تتجاذبهم الدعاية
الرأسمالية ليقعو اسرى العلكة التي يلصقها بعض الرعاع من شغيلة الشيخ عمر على
جباههم والمارلبورو في ايديهم وورقة
المائة دولار في جيوب قمصانهم الشفافة لاغواء الفتيات عدا الشحاذين وباعة الارصفة
الذين تطاردهم الشرطة هذا ما رايته في
سفرة واحدة اقول ذلك ويحز في نفسي وانا الشيوعي الذي عانى برزقه وفقد وظيفته ثمنا للدفاع عما يؤمن
به .....وعلى العكس من ذلك وجدت مجتمع
الرفاهية والاعانات الاجتماعية مع توفير السكن اللائق لكل مواطن في المانيا
الغربية وفرنسا وانكلترا والسويد حتى ان
الفرد الغريب عندما يلوذ بهم يتمتع بحقوق لا يمكن الحصول عليها في وطنه من منزل و اعانه للعاطلين وتامين
صحي
مثل هذه الامور كافية لتعرف ان الشيوعية تلفظ انفاسها
الاخيرة بيد قادتها الفاسدون قبل غيرهم ومما زاد الطين بلة حماقة الروس واندفاعهم
لغزو بلد لم ينجح غاز في احتلاله حتى اطلق عليه مقبرة الغزاة وبداية النهاية
لنظامهم الاقتصادي الشبه منهاربالتعاون السعودي الامريكي لخفض سعر البترول والطمع
الذي اوقعهم في شرك غرائزهم بالاقتراب من المياه الدافئة وبدأ المخابرات الامريكية
بتزويد الفرق الجهادية الاسلاميه باعقد واحدث التجهيزات العسكرية لحرق الطائرات
والدبابات بشكل مرعب ووصول الاف المجاهدين من جميع انحاء العالم وبتمويل سعودي
والتمهيد لبروز مقاتلين شديدي المراس للحروب القادمة ضمن الستراتيجية التي اكتملت
معالمها للقرن المقبل
وستدفع شعوب المنطقة والتي جعلت من الدين سلاسل بيد
حكامها لتقودهم طائعين ام مكرهين الى جحيم الاضطهاد والفساد وبالتالي
الحروب....... بعد ان عرف عن هذه الشعوب ميزة خلق معركة بين الحاضر والماضي ليخسرو
المستقبل من خلال المثقفين المرتزقة الذين
لا يابهو بالاحتقار........ وتدين الاغلبية الكاذب بممارسات تفضحهم وتجعل منهم مسخرة للعالم بعد ان اسرتهم
الموبقات وتحولو الى طواغيت..... انهم بتصرفاتهم يشبهون ذلك الملك الذي اجبر
الخياط ليخيط له ثوبا منسوج من الهواء
ليرتديه بناء على مشورة المتملقين من حوله ويسير في الشوارع وسط الحشود عاريا بعين الكل ومستورا بعينه هذا التدين الذي هو
اسوأ من الالحاد لانهم يعرفون ان الاسلام لا يستقيم الا بزهد الحاكم وورعه ومتى ما زهد تمتع بالشجاعة والعدل و انفكت من
حوله زمر المنافقين ... اما اليوم فالحاكم هو امتداد لتاريخ يمتد الف عام بدأ بالانقضاض و الاستيلاء على
الملك مزيته مستهتر بامر الله يدلل
كلابه و يجوع شعبه يأمرهم بالتكاثر ليطعمهم لوحش حروبه........ يخافه الناس
ويصمت الاخيار اويفرون من وطن طارد للشرفاء تختفي الحكمة ويبقى صراخ الاشرار
بالكلام البارع الذي لا يثبت شيئا
والجماهير البائسة المصفقة التي تنفر العروق من رقابها خوفا او نفاقا تصرخ بجنون لتهتف بحياته ولا تعلم انها تفتح شهيته عندما يأتيها كثوري سرعان ما يتحول
الى طاغية وتلك الجماهير تأخذ على عاتقها
تعليمه سفك الدماء فيجربه بالتالي عليها وكانهم بذلك يؤجلو انتفاضتهم لحين ما
تقترب السكين من حز رقابهم عبر حروب لا طائل منها.... بعدما يأست النخب الشريفة
وشعرت بعجزها و تحريرهم من الاوهام التي
يبجلونها ..... تركوهم يعانو عسى في يوم
ما يولد الوعي من رحم المعانات ومعه الشعور بخسارة كل شيء ويتهدد وجودها وتنتابها
مشاعر بانها ستخسر الوطن واغلب الظن انه رهان خاسر لانها شعوب
اغلب رجالها تبحث عن رب في الارض يغدق عليهم القليل من حقهم الذي سلبه ولا يهمها رب
السماءوعطاؤه المؤجل.....ان الكثير منهم
يذرف الدموع رجاءا و توسلا طمعا في
ان يرق لهم قلب ولي الامر بطريقة تثير استغراب النساء.....بعد ان وجدن من
يتفوق عليهن في ذرف الدموع.
1جاوزت
الساعة الثامنة مساء لم يعد لدى الاب ما يقوله انتابته حالة من الرضا وكانه . ازاح من صدره هم ثقيل يتراكم كل فترة ويبحث
عن ابنه ليعيد الحكاية وكانه محام لقضية يتيمة انتهى من مرافعته عن نفسه في قاعة
محكمة الحياة و هو على يقين بانه قد اقنع القضاة بذلك تنفس الصعداء بعد ما
اخرج كل ما يجول في نفسه ..
هكذا هو دائما بالرغم من انسانيته وطيبته وتفانيه في
خدمة من يعرفه وتشخيص من لا يعرفه ليهب لمساعدته الا انه ناقما على كل شيء يشك بكل
ما حوله غير ان شكوكه لايفصح عنها الا لمن يثق بهم وهم قلة احدهم ابنه ......
بالرغم من انه لا يستسيغ ذلك .لا ينحاز الى اي راي في احتدام النقاش ويعتبر ان
وطنه مليء بالحمقى اسرى العواطف الجياشة يستطيع اي مخادع النيل منهم بسهولة ولم يصبحو هكذا الا بعد ان نالت نوائب الدهروالاحداث الجسام
منهم عبر قرون من الانصياع خوفا من حكامهم ولا ينالو الا الجزء اليسير من
حقهم .واذا ما كذب الحاكم وتمادى في كذبه الى الحد الذي يسخر منه اقرانه في
البلدان الاخرى يعود لينتقم من الذين يحكمهم وعليهم ان يدفعو ثمن غباءه و لؤمه
وضالته ..... اليقين لديه ليس اكثر من حماقة والحياة ليس اكثر من صراع مستمر بين
الاحياء ينتهي دائما بسقوط الشريف لانه مقيد بمبادئه و انتصارالوضيع لانه يمتلك القدرة على تبرير وسائله للوصول الى
غاياته عبرالكلمات المنمقة والتملق الذي يصل عند البعض في كثير من الاحيان الى
التفريط بالشرف ثم الانقضاض على الخصم دون رحمة لانهم يعتبرونه السبب في
ذلك......وخلال حياة طويلة حافلة بالمصاعب و التحديات والالام استطاع ان يجد منفذا
يجنبه الوقوع مرة اخرى في فخ الانتماء
واتجه الى تقنية المصاعد واسرارها
لا يضاهيه احد في ذلك حتى وصل الامر الى الاستعانه بخبرته في البلدان
المجاورة وكان مرغوبا محبوبا حلو المعشر حاضر النكته .... بالرغم من المرارة
التي عاشها بعد طرده من عمله عقب الاضراب الا انه تعلم ان يجتاز تلك العقبة
من خلال الاصرار على التعلم بعناد ليصل
الى النجاح واستطاع بما يملك من خبرة في مجال التاسيسات الكهربائية مع سلوك مهذب
للتعامل مع الاخرين والشيء اليسير من الحظ
الذي استيقظ فجأة ليغتنمه بعد سبات دام
لعقد ذلك اليسير جعله يحظى برفيق العمر
الارمني يورهان ذلك الشيوعي العجوز الطيب العبقري الذي علمه اسرار الصنعة وبعد
سنين من العمل حصل على مبتغاه محل وسط حي قريب من الشورجة في عكد النصارى ليكدس
في رفوفه وهو الخبير بعمله ما قل وندر من ادوات احتياطية ثم بدأ يسافر كل عام
للبحث عما يحتاجه في عمله الى المانيا وفرنسا وعرف في بغداد بانه شخص يعول عليه في
هبوط وصعود ذلك الصندوق الذي يتنقل بين الطوابق في البنايات العالية ....ساد صمت
في غرفة المعيشة لم يقحمه سوى صوت بالكاد يسمعه
للصغار الذين ما زالو في الحديقة يتراكضون
وبدل ان يخرج لقضاء سهرة مع
الاصدقاء قرر البقاء والغى الموعد بعد ان
اعتذر منهم....
جلس الى مقعده وامامه مكتب صفت عليه عشرات الاعداد من
المجلات المصورة الانكليزية الملونة وسط غرفة اكتضت بالاف الكتب فملات الجدران
الثلاث ولم يبقى سوى الجدار الرابع حيث سرير النوم تعلوه نافذة تطل على الحديقة
يانعة الخضرة زرعت بالنجيلة والى جوانبها
وبمحاذات السياج نبتت زهور الشبوي الليلي الذي فاحت رائحتها وهي تطل باغصانها على
الطريق لتتسرب الى الغرفة عبر ما تيسر من فتحات للنافذة المغلقة والى جانب الشبوي
كان هناك الجوري والرازقي والكاردينيا تحت ظلال اشجار الرارنج و الرمان..... تناول
عدد من مجلة اندرستاندنك ساينس تلك المجلة
التي صممت بخبرة وذكاء مع رسوم ملونة توضيحية رسمها افضل الرسامين في
العالم وبطباعة فاخرة والوان زاهية حصل عليها من مكتبة كورونيت صفت
ضمن مائة عدد تناولت كل ما في الحياة من علوم بدا يتصفحها
ولفت انتباهه رسم ملون
لصفحتين منتصف المجلة فيه جدول لبداية
الخلق يبدا بخلية احادية ثم مجموعة من
السهام تؤشر الى الحشرات والمفصليات والديناصورات ثم الطيور واللبائن ومن بين كل
هذا الحشر الكبير من المخلوقات كانت هناك بقعة سوداء بالغة الصغر لشكل انسان في
اعلى الجهة اليسرى من الصفحة وكل تلك الصور مليئة بارقام تؤشر للتاريخ
البايلوجي....نظر مليا اليها وارتسمت ابتسامة على وجهه وتسائل مع نفسه حقا كنا
هكذا قبل ملايين السنين وكيف سنكون بعد ملايين اخرى لو كان ما نشر على هذه الصفحة
امر حقيقي ....هل سنختفي وما المخلوق البديل هل يملك نفس الاعضاء نفس الافكار ام
هناك اجساد اخرى وافكار اخرى حتى ويلز في
الة الزمن لم يعطي الجواب الشافي من يعلم ان الغريزة والاقليمية الكامنة داخلنا
وما وجدناه من اسلحة جهنمية قد لا تطيل بقاؤنا الى المائة سنة القادمة ....ثم عاد ليفكر بالناس الذين يعرفهم ومنهم
ابيه و ابو اكرم
هذان الرجلان لا يعرف احدهما الاخر
و كلاهما من بيئة مختلفة هذا من عائلة بغدادية ثرية افلست بعد ان صادر الجندرمة
عشرات الاطنان من الحبوب التي تكدست تحت سقوف علوة كبيرة في منطقة الشيخ عمر
يملكها جده اثناء الحرب العالمية الاولى على امل تعويضه بعد طرد الكفار من بلاد المسلمين غير ان هزيمة العثمانيين والاحتلال البريطاني قلب
الامور راسا على عقب فمات صاحبها كمدا وترك ابناءه العائدين من جبهات القتال
مهزومين بالكاد فلتو من الموت ليجدو انفسهم في فقر مدقع دفعهم الى مزاولة مهن لم
تخطر على بالهم وابيه احدهم الذي بدأ
يزاول ما تعلمه في اسطبلات الجيش العثماني
حيث عمل عند احد الاسطوات في طولة الكوازة
يصنع الحدوات يثبتها بالمسامير عبرالثقوب في حوافر الخيل وهكذا يقضي معظم النهار دون مللا او كلل.....
اما ابو اكرم ابن الفلاح الذي تربى عند
عائلة اقطاعية غنية . اكمل تعليمه مع سعة اطلاع وثقافة عالية.....
والاخر بالكاد اكمل الابتدائية ولكن
الغريب في الامر انه ترك اللغة الام وانكب على مطالعة الانكليزية التي اتقن الحديث
بها من خلال عمله مع الشركات الانكليزية في الاربعينات حيث عمل وهو صغير السن مع
صاحبه الارمني انف الذكر
يدافع عن
الماركسية الا ان تصرفاته على النقيض منها .
تغير سلوكه القديم واصبحت تصرفاته تقترن بمفهوم المنفعة ولم يعد يفهم من
الصراع الطبقي سوى ان الانسان يستحق ان يكافأ على انجازه ويتمتع بما تدر عليه
صنعته ولا علاقة له بالاخرين الا بما يغدق على من يعرفهم ويشخصهم كاناس شرفاء
يستحقون العون طالما ليس لديهم القدرة على
معرفة اسرار المهنة وجني ثمارها ومع ذلك يلتقيان باشياء مشتركة غير ان ما يميزهما
عن بعضهما ان ابيه لا يرغب سوى باليسيرولا يجمع من المال اكثر من حاجته لحياة دون
رفاهية ولا يطلب سوى ما يكفيه وبمصاريف
متواضعة وما زاد يجد طريقه الى كل محتاج يعرفه
ولا رغبة لديه في مغادرة بغداد الا اذا كان الامر يتعدى حدود البلد يكره
التواجد والعيش في الريف ويعتبر الفلاح اخبث الكائنات الحية لانه يعرف اكثر من
غيره الكثير من الاشياء حوله ويتصرف معها بقسوة ومكر يعرف عن
الارض كيف ومتى يحرثها ويخبأ البذور في اكتاف اللوح لتنبت في مناخ مناسب
ومتى ما نضج المحصول حرق السيقان او قدمها
علفا للماشية .... يربي الحيوانات ويجعلها تامن جانبه ثم يتخلى عنها و بقسوة
يبيعها او يذبحها بالرغم من ان بعضها عاش
معه سنين ليستغل كل ذلك من اجل البقاء وهمه هو الطموح للانتقال الى المدينة لاذلال
من فيها بعد ان اذل من حوله في الحقل متنمر ومتى ما جمع مالا تزوج باكثر من
انثى سخرها دون رحمه في الانجاب وتربية
الابقار والدواجن والاولاد يكره الاناث و
يسعى الى جمع البنين وعادة ما يخبا سلاحه ليبحث عن نزاع يحسمه لصالحه....
اما ابو اكرم
لايكف عن شرب الخمرلا ليسكر بل يبقى سكران ومقيد بمهنة التدريس وبقايا من دوانم
مهجورة واطلال قلعة يبحث فيها عن الوحدة غير ان الامور لا تجري حسب ما يتمنى لذا عادة ما يقحم خلوته في كثير
من الاحيان بعض الفضوليين ليتواجدو على
حدود مزرعته عارضين عليه الخدمة مقابل زرع جزء من ارضه واذا ما اعتذر عن استضافتهم
بدأو بما يملكو من لؤم تسليط صغارهم للعبث بأغراضه البسيطة المتواضعة ولا يكتفو
بذلك بل تتفق اذهانهم المريضة بتخريب المضخة المنصوبة على دجلة ليحولو حياته
الى جحيم ولا يمكنه طردهم لانهم متواجدين في الدوانم التي سلبها الاصلاح منه و
الملاصقة لارضه و لايتنفس الصعداء ويهنأ
له بال الا بعد ان يتركو ارضهم بعد ان يعثرو على مهنة بائسة وزريبة للسكن في
العاصمة وبعد فترة يتواجد غيرهم ويبدأو باستنساخ ما فعله من سبقوهم ............
ومع كل هذا يابى بيعها مما جعل عائلته لا تطيقه وتتمنى التخلص منه.
هذان الرجلان
يشتركان برؤية واحدة وهي ايمانهم بان الراسمالية اذا لم تجد ما تاكله تاكل نفسها
والاسلام لم ينهض به ابناءه كما يجب واثرو ان يعيشو التخلف وانكر القادة بعد وفاة اخر العادلين عمر بن عبد العزيز تعاليمه وتحايلو عليها و بدل ان يعيشو الزهد
كما امرهم الله قلدو المهزوم وورثو عنه سلوكه المنحط في الموائد الفاخرة والثياب
الثمينة والجواري الحسان والقصور الفارهة
.....كنزو الكنوز واترعو في ملاذ لا تحصى وجعلو بينهم وبين شعوبهم التي تأن
من الجوع والحرمان والظلم حجاب من القتلة المهووسين عبر دوائر الامن والمخابرات .......لم
يسلم فكر من نقدهما اللاذع ونالا حتى من
الشيوعية واعتبراها ليست اكثر من فكرة
الحادية يسعى زعمائها الى انكار وجود الله
لتحل محله وتحول الجماهير الى اداة طيعة لطبقة معينة من الجهلة وانصاف المتعلمين
وابالسة المثقفين لذا تمادو في الظلم و
فرضو التقشف على شعوبهم ونصبو انفسهم الهة يقررو مصير الملايين
عبر فلسفة تعتمد على الخوف من الاخر والتخلص منه بوسائل قمعية لم يشهد
التاريخ لها مثيلا من خلال تهم جاهزة من الخيانه والانحراف والتجسس لصالح
الراسمالية
.غير ان ما يثير الحيرة
في هذان الرجلان انهما يعتبرا
الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة عبر صناديق الاقتراع اهون الشرين غير
انهما يشترطان.................. ان النزعة الفردية عبر مبدأ المنفعة يحتاج الى
تدخل متزايد وباطراد من جانب الدولة وبالذات في الجانب الاهم وهو الجانب الاقتصادي
لتحقيق اكبر منفعة لاكبر مجموعة من الناس ويؤمنا بان الدولة يجب ان تكون جهاز
اجتماعي لتحقيق الرخاء لكي تختفي الصراعات الطبقية والقوميه والمذهبية ليسود الرضا ويتزايد الشعور بالانتماء للوطن
وعندما تحاججهم بما تحقق من انجازات سياسيةو صناعية واقتصادية عبر سنوات من حكم
البعث ترتسم على وجهيهما علامة استهزاء و لايرغبا بكشف ما في دواخلهم الا في
مجالسهم الخاصة التي يؤمنا فيها من غدر الجالسين وكثيرا ما كانا يرددان ان الاحزاب
الانقلابية او الثورية التي تنفرد بالحكم غير قادرة على الاستماع الى الراي الاخر
و تخبأ في رحمها وحش ديكتاتوري ينتظر اللحظة المناسبة للانقضاض على اتباعه و من
حوله لينفرد بالسلطة ويحرق الحرث والنسل
اعاد المجلة الى مكانها واستلقى على سريره لم يستطع ان
يبقى مستيقظا اغمض عينيه وراح في سبات عميق لينهض على اصوات عواء متواصل للكلاب من
كل الجهات نظر الى الساعة الجدارية كانت الوقت عند منتصف الليل .تواصل العواء لربع
ساعة ثم بدا ينحسر ويتقطع وبالتالي خف البهائم العالي والمتواصل واختفى بعدها حيث ساد هدوء لم يقطعه سوى صوت والدته تتعوذ وهي تكلم نفسها من شر قادم.... نهض وقف امام النافذة
تامل السماء وقد اكتظت بالاف النجوم واثار
استغرابه قمر احمر بلون الحديد الساخن سعى
ليتوسطها .
مرت سيارة مسرعة وعند التقاطع توقفت فجاة وصوت الاطارات
يصرخ وقد اثار الغبار والدخان ثم استدارت لتختفي عند طريق فرعي ولم يبق لها من اثر
سوى اضويتها تمسح بعض الجدران لبيوت في ذلك الطريق الذي اختفت فيه.....
قضى سحابة ظهيرة
الجمعة في شارع المتنبىء عند فليفل ليحصل على بعض الكتب ومنها نسخة نادرة
بالالمانية لكتاب كفاحي سار بعدها الى
يوسف عتوقة ذلك الشيخ المسيحي الجليل الطاعن في السن والقابع في شارع الرشيد
بالقرب من سينما علاء الدين في شقة لبناية قديمة متهالكة حولها الى مكتبة تكدست
فيها عشرات الاف من الكتب بمختلف
اللغات . التي يحصل عليها بشراءها من ورثة
الاساتذة المتوفين والمهاجرين ويبيعها الى من يتقن الانكليزية والفرنسية
والالمانية حيث قضى معه اكثر من ثلاث ساعات ليعود عند المساء الى البيت متابطا
مجموعة اشتراها ليضيفها الى مكتبته
في النزع الاخيرمن الليل وعند الساعة الثالثة صباحا
خرج بهدوء وعند الباب كان جاره يهم
بالمغادرة ساله الى اين وجهته فما كان منه الا ان يقول له الى شارع 52 ثم
النهضة ومن بعدها الى شيخ سعدعندها ساله
ولم 52 اجابه هناك من ينتظره ابتسم الجار وكان مهندسا يعمل في شركة كويتية لتعبيد
طريق العمارة بصرة وقال له بامكاني ان اقلك الى شيخ سعد انت وصاحبك لاني ذاهب الى العمارة وفي الطريق اخبره بان من
ينتظره طبيبة تعمل معه في المركز الصحي
كانت الشوارع خالية والسيارة رينو 12 الصغيرة والجديدة سريعة و مريحة وماهي
الا دقائق حتى وقفت العربة عند باب
الحديقة واسترعى انتباه جاره الدكتورة وهي تنظر اليهم من خلف النافذة لغرفة معتمة
في الطابق العلوي.... اندست في المقعد الخلفي وفي وجهها علامة استفهام اشار صلاح
وهو يلتفت الى الخلف حيث تجلس قائلا
-جاري ابو زياد يعمل في العمارة وشاءت الصدف ان يذهب الى
هناك وتفضل مشكورا بايصالنا عندها رددت
- ارجو ان لايسبب ذلك احراجا
اجابها
- بالعكس الطريق طويل وممل كنت اتمنى ان يرافقني صلاح في
كل مرة ولكن العمل جعل كل منا في واد.... مضت اشهر ولم نلتق بالرغم من سياجنا
المشترك ولا امل وانا استمع اليه انه موسوعة يعرف بعض الشيء عن كل شيء واجمل ما في
مجالسته انه لايتكلم الا عندما يسال قد استغرب احيانا من غزارة معلوماته وينتابني
الشك وعندما ابحث عما سمعت منه اجده في مصادر مختلفة و متنوعة عربية وانكليزية
عندها رددت دكتورة سميرة
-ما رايك بهذا الاطراء من جارك
-اشكره على رايه في ولكني لست سوى فأر كتب اتمتع بحارس
جيد للعقل يسمى الذاكرة
التفت ابو زياد وقال مبتسما
- ولكن مفرداتك هي ثياب افكارك انيقة ولكنها مشاغبة لا تتورع في النيل من المجتمع بشكل قاس وعدائي
-المشاغبة بالمفردات تنشط الذاكرة لتجعلها يقظة لديك ولدى الاخرين ولا تنسى ان المثقف الشريف
في مجتمعنا يموت حيا ويحيا ميتا لذا عليه ان لا يخشى شيئا
-ولكن هناك الكثيرين استفادو من سعة اطلاعهم واصبحو من
بطانة السلطان وسلاحهم في ذلك المديح والتزلف
- هؤلاء اسوأ من اللصوص والثقافة تفسد بمقدار فساد المثقف
لانهم رضخو لمن حول ارادته الى قانون لذا هم ليسو اكثر من تيوس وما يفعلونه لا
يتعدى اكثر من تجميل عهر المفردات في مواخير السياسة وتلقين الحاكم فنون الاستبداد
و اساليب اللؤم والخداع انهم لا يهجو طاغية الا وهم راكعين تحت اقدام طاغية اخر
..ان المثقف الحقيقي عليه التزام اخلاقي بان يبتعد عن ظلال السلطة وهباتها لكي لا
يصبح من قطيع من الباندر حتى لو كلفه ذلك
فقر مدقع ينتهي بغياهب السجون ومجاهيل المنافي......
اعداء المجتمع ليس الجهلة والبسطاء هؤلاء يكفي ان تملا
بطونهم وتحشرهم في سقف يأويهم ليتناسلو و
يشعرو بالرضا والدفأ مع مبلغ تافه يطمأنو به على مستقبلهم نهاية كل شهر و لتأمن
شرهم تسن لهم قوانين تكبح حماقاتهم
وتسخرهم لصنع المعجزات
اثر جاره الصمت خشية ان تسمع التي تجلس خلفهم اسوأ مما
قاله للتو من كلمات تخدش الحياء كعادته
عندما يستفز
بعد صمت قصير تسلل الكرى الى صلاح ولم يعد يقاوم النعاس
الشديد استسلم لاغفاءة قصيرة وبعد نصف ساعة استيقظ بشكل مفاجىء اثار انتباه جاره
الذي التفت اليه والابتسامة ارتسمت على وجهه قائلا
- اجتزنا الكوت
-ماذا مائتي
كيلومتر باقل من ساعة ونصف....لا اصدق ما تقول يا الهي هاهو الجباب
- الطريق خالية و السرعة جاوزت المائة والثلاثون كم
احيانا
هاهي شيخ سعد
دعني اوصلكم الى المرسى
- الطريق غير معبد لذا لا تكلف نفسك عناء ذلك واستمر في
طريقك الى العمارة
- ولكن الظلام ما زال يخيم على المكان
- لاباس ماهي الا نصف ساعة ويبزغ الفجر
- حسنا كما تشاء
توقفت السيارة عند الطريق الذي ينتهي عند مرسى العبارة
حيث ودع صلاح جاره على امل اللقاء به قريبا ونزل مع الطبيبة وسط الظلمة الاخيرة
التي تنبأ بفجر عل وشك الظهور وعند شجرة
السدر الهرمة استيقظت مئات العصافير
وتعالت زقزقتها بثرثرة تنبا عن ذلك
مضت اكثر من
ثلاثة اشهر وهم يلتقيان وكلما يلتقيها تنسل منه احزانه القديمة كانت وترا وكان
سهما تعلما ان يسيرا في نفس الطريق مع
احاديث شيقة ويجلسان في الحافلة واحيانا وبعد تردد تميل براسها الجميل ليستقر على كتفه وعيونها قبل ان تغمضها تراقب
بحذر ردة فعله خوفا من سلوك يتمادى فيه غير انها تطمان بعد ان
ترى هدوءه واتزانه ولا مبالاته لتغمض عيناها وتستغرق في نوم عميق ... يتجمع فيه
مخزون من العاطفة لينطلق من جديد الى مجاهل من الفرح لم يعهدها من قبل ...... ينصت
الى صوتها ذلك الصوت الرائع المتوج بعاطفة جميلة دافئة كلهيب مدفاة تبعث الضياءداخل غرفة في مساء شتوي
مظلم... صوت لطفلة محبوبة بريئة بدات تزيح الانا الضائعة فيه وومضات عشق تنبض
خافتة بسكون جاهدة لترتفع ... سيمفونية
تعزفها الاقدام وتبادل الاحاديث وهما يغذان السير نحو العبارة في ذلك الشارع الممتد
نحو دجلة وسط الظلمة التي تسبق غبشة
الفجرانتابه احساس بدائي وهو يكبح طيش الرغبة في ضم يدها الى يده طوال المسافة في
ذلك الطريق الذي بدات تلوح معالمه مع اندحار الظلمة امام فجر ربيعي بصبح وشيك ينبا
بطوفان الضوء الذي بدا يتهيأ للظهور من الافق الشرقي رذاذ من ضباب منعش لامس جبينه
بعد ليلة لمطر غزير وقصير...... مطر ربيعي
مفعم بالامل ليطرد النعاس وينشط السير.... سارا
جنبا لجنب
سالته - لماذا لم تطلب منه ان يوصلنا الى النهر بدل
السير وسط الظلمة في هذا الطريق الموحش وبهذا الوقت المبكر
-لم ارغب بتكليفه في اجتيازهذا الطريق الوعر ثم العودة
لمواصلة طريقه الى العمارة
-لكننا وصلنا باكرين اكثر مما يجب
- لاعليك ماهي الا دقائق ويبزغ الفجر
-انها المرة الاولى التي نصل فيها في مثل هذا الوقت
المبكر سمعت قبل اسبوع عن جندي خرج باكرا
في جوف الليل من قريته التي تبعد عن الطريق العام نفس هذه المسافة و التهمته الكلاب
حدث ذلك في ريف الحلة
- ومن اخبرك بذلك
- صديقة لي تعمل في مستشفى المسيب
التفت اليها وردد مازحا
- ما رايك بذلك ..... نحن وجبة دسمة
-ارجوك اكاد
اصاب بالذعر
- على ذكر الكلاب قبل يومين وعند منتصف الليل..
علا نباح غريب
متواصل لفترة.......
- يا الهي حدث
نفس الشيء عندنا تعوذت جدتي وقالت انه
نذير شؤم
- هل تصدقين مثل هذه الامور
- بالطبع لا اكذبها ولا اصدقها لانها اشياء لم نفهمها بعد.....
- ينتابني شعور احيانا باننا جزء من الاشياء التي تحيطنا
- لا افهم ما تعني
- كل ما يحيطنا يشترك معنا بشكل يلفه الغموض و لا نستطيع
تفسيره ....وهذا ما جعل الكهنه والعرافين على مر التاريخ يتنبأو بأشياء تحدث
ويحذروننا منها قبل وقوعها او يقدمو القرابين تلافيا من حدوثها
- وما صلة ذلك بنباح الكلاب
- ليست الكلاب وحدها بل الحمرة الغريبة للقمر وما يجري
من احداث تتسارع ولا احد يعلم ما سيحدث من كوارث
- اعذرني لاافهم ما تعني بالضبط في كلامك
وفي تلك اللحظة لم يشأ ان يسترسل في كلامه وعاد ليقول
- على اي حال لاتخافي ليس هناك من كلاب في هذه الانحاء
- الكلاب السائبة موجودة في كل مكان
شعر بامتعاضها
وهي تسير تلك المسافة في الظلمة غير انه لم يعر للامر اهتماما فهو قد تعود على مثل
هذه الامور عندما كان يقطع المسافة بين الطاطران والكوازة عبر مقبرة اليهود عند
منتصف الليل وهو في المتوسطة عائدا من بيت عمه .. اما هي بحذائها وكعبه العالي
وذلك الطريق المليء بالحفر زاد من حنقها غير انها لم تجرا على اكثر من السؤال
والحديث الذي يؤنبه بشكل غير مباشر ليحمله وصاحبه ما يجري لها ...بالرغم من ذلك
سارا قريبين من بعضهما صامتين اقتربت منه حتى كادت تلتصق بجانبه الايمن وكانها
تريد ان تحتمي به وهو يريد ذلك منها دون ان يتفوها بكلمة وبينما هما على هذه
الحالة وعند نهاية الطريق باغتتهم فجاة
وبغير سابق انذار اندفع قطيع من
الكلاب راحت تعوي بشراسة وهي تتقدم نحوهم التفت صلاح بالكاد كان يراها وراح يتمعن
في الظلمة فوجد احدها وقد تقدم بجراة من وسط الطرطيع وهو يصعد الى الشارع ليدنو
منهما مسافة قريبة جدا غير ان صلاح واصل السير بحذر ماسكا بيده حجر واليد الاخرى
امسكتها بقوة يد التي معه واندفعت تلتصق به اكثروكانها تريد ان يضمها الى صدره
التهب دمه واندفع بقوة في شرايينه ولم يابه بالرعب الذي كاد ان يستولي عليه وتاهب
للدفاع عنها ووقف يواجه هذه الوحوش المسعورة
رمى الحجر الذي يمسكه
بقوة انطلقت صيحة الم حيوانية واسرعت بقية المجموعة مع من ناله الحجر الى
الهرب ساد هدوء يشوبه الحذر وتراخت
اصابعها وتركت يديه ثم سرعان ما ابتعد جسدها عنه اجتاحته رغبة بضمها ولثمها غير
انه سرعان ما اطفا لهيب الرغبة وتحرر منها ولم يرد ان يحول سحابة العاطفة التي املتها
ضروف الخوف الى وحل للشهوة
تسللت رائحة الاعشاب البرية وهم يقتربان من النهر مع
عطرالياسمين الى انفه فجأة.... تنفس
الصعداءبعد ان بدا الضياء ينتشر وحافة
الشمس تطل من الافق الشرقي
جلسا عند حافة النهر على حجر مستوي صامتين بانتظار من
يعبر بهما الى الضفة الاخرى وعند الجانب الاخر بدات العبارة العمل ووصل الى
سماعهما ازير محركها عندها التفتت من تجلس الى جانبه وفي عينيها سؤال نظر اليها ثم
الى العبارة وتمنى ان يكون خاطئا فيما سمع وراى قبل يومين
اقتربت العبارة وصدق ما راه كان من يقودها شخص اخر
غادراها الى الشارع الذي يؤدي الى المركز الصحي ومن هناك
اتجهت الى دار المعلمات حيث افترقا ووقف يراقب وصولها وطرقها للباب ثم دخولها حيث
اختفت عن انظاره عندها اتجه الى الدار حيث ابراهيم ويوسف وفي الطريق تعالى صوت
القران ينبا عما حدث في الطريق قبل يومين
دخل الدارثم الغرفة حيث وجد ابراهيم انهى صلاة الفجر
للتو
-صباح الخير
- اهلا صلاح ...وصلت باكرا
- تكفل جاري
بذلك
توجه ابراهيم نحو الغرفة الاخرى ليهيا الفطور ويعمل
الشاي
انتبه صلاح الى الهدوء والقلق والوجوم الظاهر عل وجه
وحركة ابراهيم البطيئة والتي لم يعهدها
فيه من قبل ولم يشأ ان يسأل عن السبب جلسا عن المائدة الصغيرة يحتسيان
الشاي عندها نظر صلاح الى ابراهيم وهو ينهض قائلا
- ما رايك بايقاظ
يوسف ليفطر معنا
- لاداعي لذلك يوسف غير موجود!!!!
- ماذا؟؟؟
يوسف غير موجود ؟ متى سافر ؟ لم يخبرني بأجازته ...متى يعود
- صمت ابراهيم وهو يحتسي ما تبقى في القدح من شاي ولم
يشأ ان ينظر الى صاحبه واطرق راسه الى الارض
- ماذا هنالك اخبرني ما الذي حدث ؟ لابد ان شيء ما قد
حصل في غيابي
عندها نظر الى صلاح وبصوت تكاد تخنقه العبرة ودون ان
ينظر الى صلاح ردد
- يوم الخميس وبعد مغادرتك جاءت سيارة لاند كروز مليئة برجال الامن والرفاق من
المنظمة في واسط و......
- ماذا هل يعقل ذلك واين هو الان
- لا احد يدري اختفى مثلما اختفو بعد زيارة خاطفة للبلدة
- امر لا يصدق يوسف يختفي هكذا
- انها لعنة الماركسية
- ولكنه لم يعد واحدا منهم
الم يسعى احد
منكم لمعرفة مكانه
-استاذ محمد مدير الاعدادية سمع من بعض معارفه في
المنظمة انه ما زال في مديرية الامن في واسط
- يجب ان نسعى لمعرفة مصيره وما هي تهمته؟؟؟
- . استاذ محمد اين هو؟؟؟ يجب ان اذهب معه الى الكوت ترى كيف ساخبر د خليل بذلك
- د خليل غادرنا البارحة لاداء خدمة الضباط الاحتياط
-ماذا د خليل ضابط احتياط كيف انه بحدبة.... اقصد.... كيف
- هكذا هو الامر غادرنا مساء الخميس بعد مكالمة تلفونية
- ومن الذي حل مكانه
-طبيب من علي الغربي جاء مساء الجمعة
ساد هدوء حذر وجو من القلق حيث اطرق ابراهيم راسه الى
الارض جالسا الى سريره وقطع صلاح الغرفة جيئة وذهابا وبعد دقائق سمعا باب الدار
تفتح واطل استاذ محمد براسه وهو يلقي التحية ثم قطع الصمت بقوله
- ساذهب الى الكوت يجب ان اعثر على هذا المسكين
وهنا قال صلاح
-ساذهب معك
- لا باس
- ابراهيم
ارجوك...... اكتب لي زمنية لساعتين اذا ما عارض الطبيب غيابي
- لاباس
عند السابعة
صباحا خرج محمد وصلاح حيث ذهبا الى الكوت على امل العثور على يوسف هناك
وبعدهما بساعة غادر ابراهيم البيت الى
المستوصف
عند المقر .
استقبلهم احد الرفاق وكان يعرف محمد جيدا مما سهل . دخولهم الى هناك حيث كان
المكان يعج بالعشرات من الرفاق المسلحين ببنادق ومسدسات مما يولد انطباع بان
الامور ليست على ما يرام وبعد وقت قصير انفرد محمد بصاحبه وتركا صلاح لوحده على
مسافة امتار ودار بينهما الحديث همسا حيث تكلم ذلك الرجل ومحمد ينصت باهتمام . كان صلاح
يراقب ما يرتسم على وجه محمد من قلق . وقد اطرق راسه يستمع الى صاحبه
باهتمام ثم التفت الى صلاح طالبا منه الاقتراب وبعدها شكر الرفيق وخرجو دون ان
ينبس محمد ببنة شفة ورغبة عارمة اجتاحت صلاح الذي كان ينتظر ما دار بينهما من حديث
وعند الساحة في مدخل المدينة حيث اوصلهما الرفيق وودعهما على امل ان يلتقي بمحمد
الاسبوع المقبل..... وقفا ينتظران ليصعدا سيارة الى شيخ سعد امسك صلاح بذراع محمد
وساله
- مالذي دار بينكما من حديث ؟؟؟؟
- لا اود اخبارك
الامر في غاية الخطورة ولكن ........
حسنا ارجوك عدني بان يبقى ما سمعته سرا
والا يحدث ما لا يحمد عقباه.....هنالك تقرير لشخص كان يتنصت عليكم اثناء النقاشات
الحامية في البيت يتهم يوسف بترويج
الشيوعية وقد ذكر فيه اسمك وابو اكرم وابراهيم غير ان هذا الشخص برا ساحتكم وبين
معارضتكم ليوسف وافكاره الهدامة المعادية للحزب والثورة ليكيل اتهامات خطيرة لهذا المسكين . اعذرني
انها حماقة منكم كيف لم تنتبهو
لذلك الامر واعطيتم لنفسكم حرية النقاشات الحامية في جلساتكم اللعينة تلك
- من هو هذا الشخص
-لاداعي لذكر اسمه انه
في المركز الصحي ومرر ذلك التقرير عن طريق مكتب الصحة
- سويلم؟؟؟؟؟؟
- لا اعرف ....... انصحك بعدم التعرض له والا قد يسبب
لنا مشاكل نحن في غنى عنها وقد تورطني معك ......تصرف بشكل طبيعي ولا تثر شكوكه
- انا مضطر لفعل ذلك ولكن المهم هو كيف السبيل الى يوسف
التفت محمد الى صلاح
ووجهه يكاد يفضح ما سمعه
-خرجت الامور عن السيطرة لم تكن المجموعة التي اخذت يوسف
من الكوت بل كانت قادمة من بغداد وبالذات من مديرية الامن العامة ولم يكن يوسف
لوحده بل معه الكثير من الاسلاميين الشيعة
و بعض الشيوعيون .....اكثر من اربعين فردا غادرو الكوت مساء الجمعه وهم الان في
مكان ما ببغداد لا نستطيع فعل شيء والا
اصبحنا في دائرة الشبهات لننتظر ونرى
لابد انهم على علم بكل شيء وليس هناك ما يدين هذا
المسكين
اقبل المساء وكل ما في البيت يزداد وحشة جلس صلاح
وحيدا يائسا حزينا في الظلمة التي دثرت كل شيء تحت ظلال البرحية وساد صمت
غريبا كصمت المقابر في ليل شتائي قارس
..بعد احداث يوم عاصف وايقن ان الشخص الذي اختفى في ذلك اليوم الممطر وابتلعته
ظلمة الزقاق لم يكن الا سويلم
وقف في الباحة لفحته نسمة باردة لصيف اوشك على
الرحيل ايقظت حواسه تنهد وقد غلبه بؤسه
خرج تقوده قدماه ليجد نفسه بمواجهة النهر نظر الى جريانه وقد اغرورقت عيناه بدموع
مالحة لامست زاويه فمه هبط السلم الخرساني وعند الدرجة الاخيرة راودته امنية برجوع
الزمن الى الوراء يومان لا اكثر لينقذ يوسف مثلما انقذ مقديد .......يوسف الذي
تخلى عن حريته مكتفيا بثرثرة وكاس خوفا
على امنه راضيا البقاء في وطن يزدريه
لانه ذكي وشريف ففقد امنه وحريته
....... ان الاماني في حظيرة هذا الوطن طرق
تؤدي الى الجحيم....
توسط القمر صفحة السماء وارسل شعاعه خيوطا لامعه تتكسر مع مويجات تتراقص عند صفحة
النهر وعند الجهة الاخرى تصاعد دخان فوق بيوت قرية المعدان وعبرت اليه من تلك
المسافة البعيدة رائحة الحليب المغلي مفعمة بعطر الدخان لجمر الروث البقري اليابس...... رائحة انعشت فيه ذكريات قديمة غارقة في القدم
وارجعته الى الطاطران عند بيت منسي الكبير وحظير الابقار حيث ترسله والدته لملأ
قنينة حليب وقطعة النقد ذات العشرة فلوس يمسكها بيديه مقابل تلك القنينة المملوءة
بالحليب برائحته . التي يسيل لها اللعاب
تناهى الى سمعه خوار بقرة وبعدها لم يعد يسمع سوى مويجات
صغيرة متتابعة بانتظام لتنتهي عند الشاطىء الرملي
ومن البعد تغامزت اضوية الشاحنات وصوت بعيد بالكاد يسمع
لشاحنات تواصل سيرها دون انقطاع. جلس الى
حجر امام النهر واسترعى انتباهه علبة معدنية صغيرة التمع غطاءها باشعة القمر ....
انها علبة جبنة مرمية على بعد خطوات منه
مد يده التقطها نظر الى ما فيها ما زالت تحوي على اكثر من النصف . ما تحويه ما زال طريا لاشك انها لابو اكرم اخذ يتفحص المكان بعناية
انتابه قلق واوجس خيفة بعدما شاهد قنينة صغيرة من المستكي مغلقة وقد امتلا نصفها
امعن النظر شاهد اطار فقد احدى عدساته اوقد عود ثقاب نظر مليا الى المكان .....
شاهد بعض قطع النقود مرمية وسط اثار على الغرين كانت لاقدام غرست بقوة . تدل على
مقاومة ونزاع حدث قبل ايام في ذلك المكان الذي غالبا ما كان يجلس فيه ابو اكرم
ليقضي مساءه عندما تكف العبارة عن مزاولة عملها بعد الساعة التاسعة مساء كعادتها
عندها ايقن ان شيء ما حدث لابو اكرم سرت قشعريرة في جسده
وانتابه خوف شديد لم يشعر به في حياته و رغبة بمغادرة المكان بسرعة صعد السلم كانت عيونه تراقب بحذر وقد جاوزت الساعة
الحادية عشر مساءا وجد الطريق خاليا
والصمت يسود المكان ترك الاشياء التي عثر عليها عند الشاطىء في مكانها لم ياخذ شيء
بل الاكثر من ذلك مسح اي اثر لاقدامه و الاشياء التي مسكها بمنديله عاد الى الدار
ايقن ان البحث عن ابو اكرم لا طائل منه
انتابه حزن عميق بعد ان فقد الامل بالعثور على صاحبيه وعند دخوله الدار وجد
كل شيء كما تركه قبل اكثر من ثلاث ساعات
صامتا كصمت القبور موحشا مظلما حزينا اوقد المصباح تمدد على السرير واستغرق في
قراءة كتاب قديم بعنوان المنتخب من ادب العرب واسترعى انتباهه قصيد لابو العتاهية
مطلعها
الم تر الدهر في كل ساعة له عارض فيه المنية تلمع
غالبه النعاس
بعد يوم حافل بروح العداء والبغضاء فقد فيه اثنين من اقرب الناس الى وجدانه احدهما
زج في غياهب السجون التي لا ترحم والاخرابتلعته مياه نهرا عشقه قسرا وبيد اثمة
اغمض عينيه بالكاد شعر بدخول ابراهيم لم يشا ان يفيق ويتخلص من الكرى ضاعت كلمات
ابراهيم الذي سرعان ما اثر الصمت بعدما ايقن بان صلاح متعب ومهموم الى حد
لا يرغب بالحديث...... في تلك الليلة انتابته كوابيس جعلته يستيقظ صارخا خائفا وقد تصبب من جبينه
عرقا باردا تهزه بعنف يد ابراهيم وهو يتعوذ ويقرا ايات وقد ارتسم الهلع على وجهه
مرددا
- صلاح انهض انهض ما الذي اصابك انه مجرد كابوس
ومن خلال بقية ضوء تسلل من فتحات النافذة نظر الى
ابراهيم بهلع وعاد الى وعيه بالتدريج
- يالله انه كابوس فظيع
- مالذي رايت فيه
- شيء لايصدق
مسح العرق من جبينه وشرب الماء وجلس ينظر الى ابراهيم
الذي قال
- خلال عام تقريبا لم اراك على هذه الحالة ما الذي رايته
تكلم بصوت الي خافت مرتعش بالكاد سمعه ابراهيم
- حسنا كنت اسير ليلا في سماء اكفهرت بغيوم ثقيلة وسط
بستان مليء بالنخيل لانهاية له تحيطني ظلمة حالكة لاارى فيها اصابعي وفجاة
لاح من البعد بصيص نور اقتربت منه لاجد
نفسي في مساحة لاتتعدى ملعب لكرة السلة خالية من الاشجار يتوسطها حوض مربع
لاتتجاوز مساحته المائة متر محاط بسياج من الطابوق لايرتفع اكثر من نصف متر وقد
سلط عليه ضوء اصفر انتصب في قمة عمود يرتفع ثلاثة امتار وعند زاوية الحوض جلس رجل
طاعن في السن يرتدي كوفية وعقال وغطى جسده بعباءة والى جانبه عجوز هي الاخرى ملفعة بعباءة ينظران نحوي وتوسلت المراة بان اناولها ما في
الحوض دخلت الحوض كان مليئا بسائل كثيف اسود مددت يدي امسكت بشيء اخرجته كانت يد
مقطوعة اصبت بالهلع حاولت الخروج كان الحوض يعج باوصال بشرية مقطعة من رؤوس و ايدي
و ارجل و احشاء اختفى الرجل والمراة وحاولت الخروج من الحوض غير ان الايدي
المقطوعة امسكت بساقي واعاقت خروجي ومن بين النخيل والعتمة خرجت جموع لا ملامح لهم
يحملون سيوف ويتجهون نحوي بسرعة وانا عاجز على ان اتحرك
ردد ابراهيم
- اعوذ بالله ..... كابوس مرعب .....
الفجر على وشك
البزوغ لم اعد اشعر برغبة في النوم
شيء من القهوة تخلصنا مما نحن فيه ما رايك
- انه وقت ملائم لتناولها
وبينما يحتسيان القهوة سال ابراهيم
- هل نكتفي بما سمعناه البارحة من محمد
- هل لديك حل اخر الامور تزداد سوءا مع مرور الايام ولا
قدرة لدينا على فعل شيء. ترى هل سمع ابو اكرم بما جرى
سال صلاح عن ابو اكرم بعدما راوده شك هو اقرب الى اليقين
مما شاهده مساء البارحة
ردد ابراهيم
- كما تعلم قضى العطلة نهاية الاسبوع في المزرعة وبعدها
استانف الدوام في المدرسة لايام ثم اختفى دون ان يترك اثرا مما اثار استغراب استاذ
محمد .. حتما سنراه اذا ما سمع بامر يوسف
- لا اعتقد ذلك
....
- ماذا؟؟؟؟ بربك تكلم
لابد انك على علم بسر اختفائه
روى صلاح لابراهيم ما شاهده مساء البارحة واثناء حديثه
صعق ولم يصدق ما سمعه واشار الى صلاح بان يتكلم همسا وهو يقترب من الشباك بحذر
يراقب الشارع خائفا من ان يكون هناك من
يسترق السمع وهمس في اذنه .
- ليبقى الامر سرا بيننا وننتظر ما ستؤول اليه الامور
لابد ان جريمة ارتكبت بحق هذا المسكين لم يخلد على بال احد بان تصل الامور الى هذا
الحد راودتني الشكوك بان شيء ما سيحدث لهذا الرجل لا شك انه اكرم بل اكاد اجزم انه
هو لا احد غيره هذا الفتى لديه من الخسة ما لايملك مثلها الا سويلم ولكننا لا
نستطيع ان نرمي التهم جزافا ودون دليل كل ما علينا ان نلتزم الصمت ونرى ما
يجري لا انا ولا انت نستطيع ان نفعل شيئا
مع مرور الايام اصبح الامر يثير قلق كل من يعرفه وبدا كل
من في البلدة يسال عن سر اختفاء ذلك الرجل الذي لايفارق العبارة ودجلة ذهب البعض
الي المزرعة وبحثو وسط الاطلال واقتحمو غرفته لم يجدو سوى حاجياته البسيطة وهكذا
لم يظهر جوابا شافيا لسر اختفاؤه المفاجا وتدريجيا اختفى الاهتمام
بالامرولم يعد احد يهتم ...... سوى تسائل البعض حينها وقولهم لعله غرق بعد ان افرط
في الشرب و سرعان ما سيظهر قبل اوبعد علي الغربي كما هي العادة عندما يغرق شخصا
ما في تلك البلدة.... شهرا مضى على ذلك
الامر وصدقت الظنون وجدت الجثة عائمة وقد امسكت بها والتفت حولها جذور الاشجار
المحاذية للنهرو الممتدة نحو المياه كالافاعي .
اقتلعت العينين
وتهشم الجزء الخلفي من الجمجمة بقسوة كما ظهرت تقرحات عميقة حفرت في وجهه المطعون
بلون قرمزي مرعب وقد تشوهت الكثير من
ملامحه وما تبقى من تلك الملامح ارتسم عليها
الم مخيف وقد انتشرت حوله رائحة الفناء
التي لاتطاق وحامت حول راسه ذبابة زرقاء تطن و تحط بين الفينة والفينة لتمسح
بسيقانها اجنحتها على القيح المطعون الذي غطته الطحالب
اخذت الجثة الى الطب العدلي وتم تشريحها وتبين علاوة على
تهشم الجمجمة اثار لكدمات وسجحات نتيجة شدة خارجية واقيمت له جنازة لائقة وشيع الى
النجف وسط صراخ ودموع اكرم واحتظانه التابوت بحرقة ولوعة وقد بذل من معه جهد
لازاحته عن جثمان ابيه المسجى ودفن في مقبرة العائلة وعاد الاهل والاصدقاء ليقيمو
له سرادق لثلاثة ايام وبعد اسبوعين بيعت الارض واختفت العائلة من الناحية لتنتقل
الى بغداد ولم تكلف الحكومة الكثير من الجهد لمعرفة الجاني وقيدت الحادثة ضد مجهول
.
وخلال تلك الفترة حدثت امور كثيرة فبعد اختفاء
صديقيه لاحظ رفيقة السفر تتجنبه وفي نفس
الوقت توطد معرفتها بالقادم الجديد ويستغرقا في حديث طويل في عيادته بعيدا عن الانظار لم يابه لذلك غير ان الامور اخذت منحى اخر
وتحولت العلاقة الودية بينه وبينها الى جفاء ومقاطعة من جانبها وبدات الظنون التي
تراوده يسمعها على لسان ابراهيم لتتوطد في داخله الحقيقة التي كان يخشاها ولم يعد
يصدق باوهامه وايقن ان هذه المراة لا
تختلف عن الكثير من بنات جنسها لديها من الذكاء ما يكفي لامتلاك الكثير من المشاعر
والقليل من الوفاء وسخر من نفسه وهو ينجذب اليها بعد ما شاهد فيها التزين بنفحات
الحياة الناعمة . ليذوق مرارة عذبة في صداقتها غير ان صبرها سرعان ما نفذ
وارادت ان تؤسره باعجاب كاذب ارضاء
لغرورها ترى هل كان همها ان يتعلق بها وهي
تروي عطشها من كبريائه بعد ان تتركه في
حالة من السام والوحدة ....كان على يقين بانها اعطته اشارات معتمة لا كما فعلت
فريدة ولم يشا ان يتقدم ليرتوي منها ويتركها كما يفعل ابراهيم الذي دائما ما
يردد.... لسن سوى البهاء الذي نتصوره ...غير ان بعض العزاء هو يقينه بان الحب ليس اكثر من جنون علاجه الضراب بورقة رسمية .وهو امر بعيد كل
البعد عن تطلعاته في المستقبل القريب محاولا ان يكون شخص ينسى ما مضى و يزهد بما
اتى باستثناء رغبته العارمة برؤية العالم الذي طالما تمتع به عبر ما سمعه من والده
و صفحات الكتب والمجلات ذلك العالم الجميل
الذي يسعى الجميع للوصول اليه ....اخيرا
بعد طول
انتظار جاء الرد من مؤسسة الجامعات
السويدية برسالة يعلمونه فيها بقبوله و يطلبون منه الالتحاق بمعهد اللغات في ستوكهولم لاكمال دراسته في كلية الطب و ينصحونه
بمراجعة السفارة لاكمال الاجراءات و اصدار الاقامة وبالفعل تمكن اخيرا من تسليم
ثلاثون دولار لتلك السويدية الشقراء الفائقة الجمال التي جاوزت الاربعين والتي تتقن اللهجة
البغدادية بشكل لا يصدق والعمل على طلب
اجازة للسفر تاركا كل شيء وراؤه
غير ان الحزن من فراق ابو اكرم ويوسف كان يخيم عليه
كغيوم ثقيلة احس بوطاتها واختفت من صدره فرحة كان ينتظرها لاكثر من عامين......
ولم تمض سوى ايام حتى انتشر في البلدة خبر العثور على جثة فريدة وتبين انها هربت
قبل ثلاثة ايام خرجت لتختفي في الظلام دون ان تترك اثرا سوى طفلتها التي لم تشأ ان
تأخذها معها وكانها كانت على علم بمصيرها
وكان زوجها اخر من يعلم لغيابه عن البيت اكثر من اربعة
ايام ....هربت بعدما ايقنت ان الموت خيم عليها منذ وقت طويل . عبرت النهر لااحد
يعرف كيف عبرته ثم الشارع تاركة خلفها قطعان الحافلات تزأر . سارت شرقا باتجاه
الشهابي للوصول الى التلال ومنها الى الحدود كانت على يقين بأن لا أحد يرثي لحالها
أو يسامحها على فعلتها هذه ....
رحلت مع نهاية الصيف وكأنها سعت لخلاصها وعندما قطعت
حقول الطرطيع انتابتها نوبة سعال تقيئت فيها دما ملأ كفيها عندها ايقنت ان الحياة
تنزلق من بين يديها لم تعد تقوى على السير جلست وسط العراء لم يكن هناك من جدار او
جذع شجرة تستند عليه لم تعد تمتلك القدرة على مواصلة السير ايقنت انها ستموت كما
مات الربيع منذ اشهر تباطأت نبضات قلبها
استلقت لترقد في العراء بصمت لم تعد تخشى من الموت .....اصوات الحنين واصداءه في الذاكرة هي ما جعلتها تصر على الحياة
وكل املها هو رؤية اخواتها لتناديهم باسمائهم و تسمعهم ينادوها باسمها .
عثر عليها احد الرعاة قبل ان يعثر عليها الهوام وسرعان
ما انتشر الخبر في اليوم التالي عن امرأة ترقد وسط حقول الطرطيع ترفرف بنواح الريح خصلات شعرها الاحمر ماتت وسط الطريق المؤدي الى تلال حمرين بالقرب
من الشهابي وسرعان ما عرف زوجها بالامر واسرع ليعود بها ويدفنها في مقبرة الاطفال
عند مكب النفايات جنوب البلدة بالقرب من غابة الصفصاف المطلة على دجلة وبعد ايام
اختفى فجأة مثلما ظهر اول مرة قبل سنوات
تاركا خلفه ابنته الرضيعة عند تلك المراة التي جاوزت المائة عام ولا يرغب بها
الموت صلبة تبعثر الايام بنهاراتها ولياليها .
تسير صامتة في
طرق البلدة منحنية مقوسة الظهر وكأنها تريد ان تغوص في ظلها..
انتابته حالة من السام والغضب غرست انيابها عميقا في قلبه حتى ظهرت ملامحها
من خلال قسمات وجهه مما اثار انتباه والده الذي لم يشأ ان يساله عن السبب بعدما
سمع منه ما جرى من حوادث مؤلمة زادت من
اصراره على الهرب من هذا الواقع الجهنمي وايقن بان الحياة اذا ارادت ان تعطينا
ايام تعطيها مشحونة بالاحزان واكثر الناس تعاسة من يحصل على الكثير منها ليجد نفسه
وحيدا بعد ان يغادره الاخرون الى المنافي والقبور في بلاد الالم هذه ....ايقن مع
مرور الايام ان طاقته في البقاء بمكان كان يضم اعز الناس الى قلبه بدات تستنزف
...... احبهم ولا قدرة له على نسيان ما تركو خلفهم من ذكريات كان كل ما في الدار
جدرانه وما تحت السلم من قناني فارغة ومافي الغرفة من ملابس ونعال واحذية
والمدفاة..... الحديقة الصغيرة والبرحية كل تلك الاشياء ما زالت تحتفظ بانفاسهم
..... حاول لايام ان يهرب من تلك الامكنة غير انه يضطر في كل مرة ان يعود اليها .
ينزوي في سريره وما ان يغمض عينيه حتى تطارده الكوابيس
باحلام حزينة مرعبة مؤلمة مزعجة تطارده في
كل ليلة تتسلل اليه حتى في احلام اليقظة في كل غفوة يغفوها كسيل جارف من كائنات
صغيرة شيطانية تتسلل الى عقله وتنتابه حالة من الجنون يحاول ان يكون متزنا امام
الاخرين بشق الانفس وبالرغم من ذلك بدا يثير شكوك من حوله.... . يخرج في جوف الليل
يسير على غير هدى في الازقة يتعثر في الاحجار والارصفة ينال منه التعب يمر بذلك
الزقاق الذي كانت تسكن في احد بيوته فريدة يمر من امام الدار يجتازه يسترعي
انتباهه بابه الموصدة والتي كانت في يوم من الايام مشرعة تنتظره عندها . لتتعرى امامه تشتهيه تنتظر منه ان يهم بها يطارحها الغرام غير انه
يتركها محبطة وسط ظنونها المؤلمة وهي تشعر بالدونية والانحطاط .......يشعر بتانيب
الضمير يكتم الحزن انفاسه ويمزق قلبه تاخذه
قدماه الى المقبرة يجلس هناك على حجر عند حافة قبرها تحت ظلال شجرة متشابكة الاغصان وسط ظلمة حالكة
ينال منه التعب حد الاعياء يتكأ على جذع تلك الشجرة يسدل جفنيه يستغرق في اغفاءة
وسرعان ما تعود اليه كوابيسه ليجد نفسه وسط ضوضاء واصوات تدوي في راسه يثب من
مكانه مبتعدا عن ذلك الحجر الذي بدا يتحرك
ببطأ لتظهر من تحته فريدة مرتفعا جسدها بذلك الثوب الذي شاهده عليها في اول واخر
لقاء تنظر اليه للحظه وتتركه ملتفته الى شخصان قادمان من وسط الظلام لم يشخصهما
للوهلة الاولى غير انهما يظهران بوضوح رغم الحلكة وقف احدهما ببدلته الممزقة
المنقوعة بالماء ووجهه المشوه المليء بالتقرحات ومحجرين اقتلعت منهما العينين
فظهرا كفتحتين مظلمتين دون العوينات التي كان يرتديهما ومعه ذلك الشاب بملامحه
الجنوبية الطيبة النبيلة واناقته المعهودة يحملقون فيه لفترة يبتسمو ثم سرعان ما
يستغرقو في حديث متمتعين بالصحبة لا يابهان لما ظهر من ملامح مرعبة لذلك الوجه
البشع بالمحاجر المظلمة الخالية من العيون للذي معهم .. يصيبه الهلع يطلق ساقيه
للريح يتعثر يسقط ينهض زاحفا مبتعدا عنهم لايابهان بحاله يتركانه وشانه .
يثب من مكانه بصرخة مكبوته ويستيقظ من ذلك الكابوس الذي
كاد ان يجمد الدماء في عروقه يتصبب من جبهته عرقا باردا ويسمع دقات قلبه الذي يكاد
ان يخرج من ظلوعه
يعود الى البيت لاهثا من التعب والخوف وهناك يرى مرة
اخرى ما تركاه صاحبيه بعد الموت تمر الايام تنتابه حالة من الياس يستنزف طاقته على
البقاء بعد ان يتيقن بانه يعيش يومه مع الاموات اكثر مما يعيشه مع الاحياء
بدا يثير الريبة والاستغراب لدى كل من يعرفه . اثار صمته
استغراب ابراهيم لم يعد يتكلم معه الا نادرا .......يجلس في سريره فاتحا كتابا لا يقوى على قراءته صامتا
لا ينبس ببنة شفه والمصباح على طرف الطاولة
فوق راسه يضيء شعره المسترسل الذي بدأ الشيب يزحف صدغيه. لا يتحرك ولا يرفع
بصره متظاهرا بالاستغراق في القراءة
.وكانه يدخل كليا في محتوى ذلك الكتاب....
يلاحظه ابراهيم يستغرب من شدة تركيزه ثم لا يلبث ان يتركه وشانه....
مرت اسابيع بدا تغير غامض يطرأ على صلاح ساوره شك بدأ
يرسم طريقه الى اليقين شك جاء عبر عملا ذهنيا نشيطا وخطيرا كلما امعن في التفكير
بما سيقدم عليه ابتعدت عنه كوابيسه المريعه
تيقن بان ما يجعله يعيش بسلام مع نفسه هو رغبته بالانتقام تلك الرغبة التي
سكنت بذرتها في اعماقه وبدات تنمو مع مرور الايام لتبدا كوابيسه بتركه والاختفاء
تدريجيا... شيئا فشيئا عادت طبيعته المنفتحة والاليفة مع من يحبهم بل بدا اكثر
سخاءا وودا وفي منتهى التواضع وعاد محدثا بارعا اكثر مما كان ...استلقى في احد
الليالي ووجد نفسه وقد بدأ يخطط للانتقام وهو على يقين بانه مكلف بذلك ولايمكنه
العودة عن ذلك الامر واستغرق ايام يخطط لذلك ورسم لكل من هؤلاء الذين يريد ان
ينتقم منهم خطة جهنمية لا يترك فيها اثر يدينه وكانت ضحيته الاولى عبعوب و الامر
يسيرا بدا بمراقبته وماهي الا ايام قلائل حتى ازف الوقت ...تبع ذلك الرجل الذي كان يدفع عربته كعادته كل مساء حتى مكب النفايات خارج البلدة قرب المقبرة التي
تجاور غابة الغرب المطلة على النهر بعد ان حفر
قبرا عمقه مترا مع حفرة جانبية
اسفله استغرق وسط الظلمة زمنا لحفره تقدم بحذر وانقض على راسه بضربة هائلة من قطعة
حديد حافتها حادة كنصل السيف والتي اخترقت الجمجمة لتقطع الراس الى نصفين لينهار
الجسد صامتا دون حراك ثم سحبه ورماه في تلك الحفرة ويهيل عليها التراب دون ان يترك
اثرا سوى العربة المليئة بالازبال على بعد
مائة متر من مكان الجريمة ليعود الى البيت ويستغرق في نوم عميق...
ثم جاء دور سويلم وكان على علم بكل تحركات هذا المصدور
وعرف بانه لا يهدا له بال حتى يمر قرب الابواب والنوافذ يسترق السمع في ساعة
متاخرة من الليل عسى ان يحظى بضحية يرفقها بتقرير مهلك ثم لا يلبث ان يعود احيانا
الى المركز الصحي حيث يلتقي هناك بجفات
يحتسيا العرق حتى السكر وبعدها يمارسا الرذيلة ثم يخرجا خلسة الواحد تلو
الاخر وياخذ ما حصلا عليه من حقن السوسيكون والتي يدفنها في غابة الغرب وبعد ان
يجمع كمية لاباس بها يذهب الى الكوت لبيعها ومثلما نال عبعوب الضربة القاتلة نالها
سويلم ليدفن الى جانبه ثم وجد نفسه يسير في طرق بغداد الضيقة يطارد اكرم ويخنقه
بيديه العاريتين.... وبعدها يعود الى البيت ويجلس ليحتسي العرق ومن بين السعف توسط
السماء قمر رائعا روعة نادرة واستجابت روحه لجمال ذلك الليل الشاحب وجلاله
وبهاءه وعند البرحية امام الحديقة الصغيرة
التي تكسوها الخضرة وزهور الجوري والرازقي و قد انبعثت في الجو رائحة لذيذة حلوة
عطرة بليل دافيء صحو شاحب بضوء القمر.......... استيقظ مرعوبا وعرق بارد يتصبب من جبهته كان كل شيء
غارقا بالصمت ومن بين السعف خيوط من شعاع لقمر توسط السماء يتسلل ليلامس وجهه
تنفس عميقا . وتناهى الى سمعه صوت بلبل اعلى البرحية
اشجاه ضوء القمر
تمدد على السرير يتنعم . بخمول لذيذ غزا جسده المنهك
وهو يفكر .بطريقة للنسيان ليتخلص من قيد الذكريات التي
تقض مضجعه.وايقن ان العمر لا توجد فيه اوقات ملائمة للانتقام .عليه ان يتعلم ليعيش
. حتى لو عجز عن النسيان هكذا هو الامر عجز عن انقاذ اي واحد منهم مثلما فعل
مع مقديد و كل ما عليه فعله ان لايطول
المكوث في وطن تتسع حفرته عمقا عليه كلما طال مكوثه . وطن شبيه بسوق البلدة يبدأ
بجرائم و ينتهي باشباح تبعث الرعب لمن
يجرب ان يتحداها......... ليعذرني الاصدقاء ويكفو زياراتهم المفاجأة من العالم
الاخر لست من النوع الذي يضرب ويفكر معا .........ما حدث قد حدث ولااريد دور الله لاسلب اعمار الاخرين
يكفي ان اكون جيدا دون ان اكون منتقما فانا لا استطيع ان اقتل الا الوقت......
لم يبقى امامه سوى المكوث عدة ايام في بغداد لينجز مهمته
بعد ان ترك البلدة
.
.قدم طلبا لاجازة يقضيها خارج العراق لغرض السياحة
واجازة اعتيادية لاكمال معاملة السفر و قرر الذهاب الى رئاسة صحة الكوت وفي طريقه
الى الشارع الرئيسي ليستقل حافلة الى الكوت وفي ذلك الصباح الصيفي ضاع صياح الديكة
من خلف قرية المعدان بصرخة مرعدة لسرب طائرات اخترقت الصوت على ارتفاع منخفض وهي
تتوجه نحو الشرق وسرعان ما اختفت وكانما ابتلعتها الشمس وسرى بعدها صوت الريح شجوا ونواح انتابه قلق غامض وانقبض صدره وهو
يقترب من المطعم المطل على الطريق العام حيث وجد الناس يتجمعو متسمرين امام مذياع
لحافلة نقل بري وقد اصاخو باسماعهم الى الاناشيد الوطنية وايقن انها الحرب التي طال انتظارها ازدحم الشارع بعشرات
الحافلات العسكرية والدروع وهي تسير ببطىء اكتظت بعشرات الجند وليمة متنقلة لوحش
الحرب الذي ينتظر على الحدود لالتهامهم وفي الجانب الاخر من الشارع نصبت بطاريات
المدافع وقد تهيأت للعمل.وفي الشرق عند الافق ارتفع غبار كثيف بالكاد يرى كالضباب
كحل بخيوط الدخان... تجاوزت الساعة الحادية عشر صباحا في ذلك النهار الصيفي الحار
المرتجف الظهيرة اصوات انفجارات بعيدة تزداد اقترابا مع مرور الوقت ثم فجاة دوى
انفجار قريب ذعرت منه الطيور وانفض المجتمعين
يعدون في كل الاتجاهات ابتعد صلاح عن المطعم متجها شمالا نحو جسر
الجباب حاثا الخطى مبتعدا عن هذه الفوضى
وكانه قرر السير مشيا نحو الكوت .و كلما قطع مسافة التفت الى الوراء عسى ان يرى
سيارة متجهة نحو المدينة وبعد مسير لاكثر من ساعة في ذلك الطريق الطويل الذي بدا
يخلو من العربات العسكرية والمدنية شاهد من بعيد غبار يتعالى ويقترب عبر الطريق الترابي قادما من الشهابي يتجه بسرعة نحو الشارع امعن النظر كانت هناك
عربة بيك اب بيضاء حديثة تحاول الوصول الى الطريق الرئيسئ وسرعان ما اعتلت التبليط
مسرعة باتجاهه عندها التفت رافعا ذراعيه طالبا من سائقها الوقوف غير ان البيك اب تركته لتقف على مسافة
بعيدة عنه فما كان منه الا ان اخذ يعدو بكل قوته
ليصل اليها فتح الباب وجلس الى جانب السائق يلهث و تكاد انفاسه تتقطع والعرق يتصبب من وجهه
و كل مسام جسده واستغرب من منظر السائق الجنوبي مغبر الوجه معفر الثياب ظهر عليه القلق يداه ترتجف يحاول ان يثبتها
ماسكا بمقود العجلات
التفت السائق الى صلاح وبصوت عال غير مرتعش ساله
- ما وجهتك ؟؟؟؟
- الكوت
- ما الذي جاء بك الى هذه الانحاء؟؟؟؟
- انا مدرس في الثانوية
- وقطعت كل هذه المسافة!!!
- لاوجود لاية عربة على طول الطريق وهنالك ازدحام خانق
لارتال عسكرية توقفت بالقرب من المطعم ما الذي يحدث هناك ؟؟؟
- جئت لتوي من الشهابي
بالكاد نجوت وكتب لي عمر جديد هنالك معارك ضارية تدور رحاها منذ الفجر على سفوح تلال حمرين غير ان القصف لم
يتوقف والقذائف تتساقط على الناحية كل دقيقة لذا لم استطع الوصول الى بيتي لجلب
بقية الحاجيات اهتزت الارض قربي بعد سقوط قذيفة وهويت ارضا غير اني تمكنت من
الوصول الى السيارة والانطلاق بها
- والعائلة اين هي الان؟؟؟؟
- تركنا الدار منذ اربعة ايام ونقيم في بيت اخي في الكوت
انها المرة الاولى التي اخذ بنصيحة زوجتي ..... الله اعلم ما كان سيحصل لو بقينا
هناك شاهدت عوائل انهارت عليها
بيوتها قصفو البلدة طيلة الصباح وما زال القصف مستمرا دون
توقف ولو للحظة هنالك الكثير من الجرحى والقتلى يفترشون الطرق انها فوضى عارمة
بالكاد نفذت بجلدي من وسط القنابل التي تتساقط في كل اتجاه ياالله لن اعود الى ذلك
الجحيم مرة اخرى
مد السائق يده وباصابع ترتجف ادار زر المذياع صمت وهو
ينصت مع صلاح الى البيان الصادر من مديرية التعبئة والاحصاء
- يا للمصيبة تم طلب مواليد 57 والذين معهم ربما سيطلبون
مواليدي اذا ما استمرت المعارك
- ما مواليدك ؟؟؟
- 48
عندها التفت الى صلاح يسأله
- وانت
اجابه صلاح بمرارة وبكل هدوء وهو يتأمل انفعالات وجهه
-تم طلب مواليدي للتو
صرخ وهو يمسك بمقود العجلات
- ماذا وتقولها وكان الامر لا يعنيك
- وماذا تريدني ان افعل انها حرب مفروضة اذا لم تنصاع
للاوامر يجردوك مما تبقى لديك من حرية ويزجو بك خلف القضبان ليسلبو بعدها روحك
وينالو من عائلتك
- والله .لو كنت مكانك لن اسلم نفسي لقمة سائغة لهؤلاء
الانذال لتلتهمني نار الحرب التي تلتهم كل من يقترب منها .
- وعقوبة الاعدام والخزي الذي يلحق بعائلتك اذا ما هربت
من اداء الخدمة
عندها صرخ وكادت تنحرف العربة عن الطريق العام وتنقلب
بهم
- يكفي ابني
الوحيد زج به في هذه المعمعة و اجهل ما حل
به اليوم . انا اعرفه جيدا انه سيء الحظ ولا يعود من الجبهة الا المحظوظ
- تمالك نفسك وهدىء من روعك لابد انه بخير اين هو الان
- جندي مكلف في البصرة بربك الا يكفي التضحية بغلام من
اجل وطن صدام..... لو ذهبت انا من سيبقى لامرأة وثلاثة بنات ما الذي سيحل بهم لو
ابتلعتنا دوامة الجحيم هذه .....هل تعتقد ان الحرب ستستمر طويلا
- نعم صممت لتستمر طويلا
- شهر
- ربما اكثر
- ماذا بربك كن اكثر تفاؤلا ما الذي يبقى اذا استمرت
اكثر من شهر .سينهار كل شيء . اقسم لك بأغلظ الايمان لو خاضت الملائكة حربا لاكثر
من شهر لتحولت الى شياطين
- لن ينهار ايا منهما بل ينهارالمجتمع ويتركوا اناس رمو
في حفرة لايمكن الخروج منها اناس يصعب
اصلاحهم هناك من يخطط لذلك ويحب ان تستمر هذه النيران مشتعلة ويتصاعد
الدخان مع الارواح من الشمال وحتى الجنوب واخرون مثلك يمقتونها
- ما رأيك انت
- رايي بماذا؟
- بالحرب
- حفلة دموية مقززة بين قادة حمقى يتم فيها تبادل الارواح عن بعد واجتماع حاشد لجثث قطعت ورميت على الحدود لينال
منها الحوم والكلاب السائبة .
- تحب صدام
- ماذا؟ حسنا الامر لا يتعلق بصدام فالرجل بالرغم من
جبروته و مهارته المعهودة ومكره لا يستطيع ان يخدع الجميع الا اذا كان هذا الخداع يتمنوه ومحبب الى
نفوسهم لذا تراهم يسعون للدفاع عن الوطن من فنادق الخمس نجوم الزاخر بالتكييف
والموائد والحسان والحقائب المليئة بالدولار و زج الفقراء والمهووسين بحب الوطن
الى معارك المصير بعد اقناعهم. .... بان الطرف الاخر قادم لكسر شوكتهم وهم احفاد القعقاع واسقاط
النظام وابتلاع الوطن
- تحب صدام ؟؟
لم يجبه صلاح وكانت عينه شاخصة على الطريق
غير ان السائق عاد الى الكلام ثانية وهو ينظر الى صلاح محدق بعينه وصرخ بصوت عال
- لم تجبني على سؤالي
-احبه بمقدار حبك له
- فهمت ما تعني ..... انت غير مستعد لتلتحق بالجيش وتقاتل من اجله . وتغزو جار مسلم تحتل اراضيه
وتستبيح عرضه . الغزو لا مبرر له وهو اعتداء لايمكن تبريره وكل من يحارب في صفوف
المعتدي يكون مثله....
- ذلك الديكتاتور اضطر ان يكون غازيا بعد ان شعر بان
الثورة ايقظت . شهية طائفة ازدراها ونكل بها لعقود وهي تنتظر اللحظة المناسبة
لتثور من اجل كرامتها اما بالنسبة لي لارغبة لدي
في الانضمام لاي طرف اكره ارتداء الكاكي ....لا احب الهزيمة وما يصاحبها من
اذلال ولا الانتصار وما يصاحبه من استهتار امتلك من الغريزة ما ادافع به عن نفسي
واتحاشى مواجهة الاقوى بما املك من حيلة ولا احب ان يشاركني احد في وجبة انتقامي لانها عادة ما تكون باردة ولا
يستسيغها غيري
- اذن انت شخص لا مكان لك في هذا العالم
لاذ صلاح بالصمت مرة اخرى بعد ان ايقن ان ما يحدث جعل من
هذا الرجل لا يتردد في فضح انتماءه الطائفي و يتفوه بكلام خطير قد يؤدي الى نهايته
لو سمعه سويلم وبقية الرفاق
وصلت البيك اب الى معمل النسيج حيث تنفس صلاح الصعداء وهو يغادرصاحبه تاركا
اياه يغلي حنقا مما يجري ويصب لعنته على كل شيء
مرقت من امامه مجموعة من سيارات الاسعاف لم يعرف عددها
كانت تنطلق باقصى سرعتها وهي تطلق صفارات متواصلة نحو المستشفى الجمهوري .
توجه الى مديرية تربية الكوت حيث سبق ان قدم طلبا للتمتع باجازة لعشرين يوم ورفض الطلب من
قبل المدير مبررا رفضه لنقص الكادر وقرب
الامتحانات العامة غير ان الرفض لم يفت في عضد صلاح واراد ان يواجه المدير الذي
يعرف والده .منذ زمن بعيد ولم يعد يراه ليبين له السبب من وراء طلبه وكان له ما
اراد وعند دخوله وجد المدير غارقا في نقاشات مع ثلاث من موظفي الذاتية وقف جانبا
ينتظر فض النقاش وتفرغ المدير له
مضت اكثر من نصف ساعة حيث خرج الثلاث ولم يبقى سواه
والمدير
الذي سرعان ما نظر وردد
- تفضل ..... تكلم
كلي اذان صاغية
-قدمت طلبا باجازة خارج العراق ورفض طلبي من قبلكم
- حضرتك استاذ صلاح مدرس الاحياء في ثانوية شيخ سعد
- نعم
- تريد السفر خارج الوطن؟؟؟
- نعم للعلاج
اعاني من روماتيزم في القلب ولم اعد اتحمل مرضي هذا ولدي ما يثبت ذلك من تقارير
طبية مصدقة من نقابة الاطباء
- ولكن الامتحانات على الابواب وانت في لجنة المراقبة
للامتحانات الوزارية وما الذي جعلك تتاخر عن السفر طيلة الاجازة الصيفية
- لم اتمتع بتلك الاجازة كما تعلم كنت مراقبا في الدور
الاول وقضيت النصف الاول من الشهر السابع في الناحية بعيدا عن الاهل في بغداد وانت
على علم بذلك ولدي جدول بالحضور طيلة تلك الفترة
- لو تفضلت بتاجيل طلبك
حتى نهاية الشهر كما ترى نحن نمر
بظروف صعبة
-كنت اتمنى ذلك ولكني لا استطيع الانتظار لسوء حالتي
الصحية
- وانا لا يمكنني الموافقة على طلبك انت في صحة جيدة
وتنوي التخلص مما نحن فيه
قالها وقد اسند ظهره الى كرسيه ماسكا الطلب بين اصبعيه
ينظر بقسوة غامضة الى صلاح الذي نظر في
وجهه متجهما وردد محاولا ان يصيغ عباراته بهدوء متمالكا نفسه
- انها الحرب وفي الحرب تتغير كل الاشياء تتوقع انك في
مامن تختبيء خلف سياج المنصب وعمرك الذي
جاوز الستين ..... ولكن يجب ان تعرف
اذا اردت ان اغير وجهة سفري من
الجنة الى الجحيم........عليك ان تدفع ما تبقى من عمرك ثمنا للتذكرة
- لاتهددني!!والا
اجعلك تندم خلال دقائق بالزر الذي امامي .....من يدري ربما شملك البيان والدعوة
الى خدمة الاحتياط والمرض الذي تدعيه ليس اكثر من كذبة لا تنطلي علي بالله عليك قل
لي كيف ستنفذ من رجال الامن في المطار
- بل احذرك
مستقبلي بين يديك بشخطة قلم تقرر مصيري.... انا كفيل بما سأواجه في المطار
...... انها الحرب وقد شنها رجل مرعوب من ثورة يقودها مجموعة حمقى اصابتهم حمى الطائفية و لا تتوانى في
القضاء عليه وعلى نظامه مهما كلف الامر من تضحيات ولديهم ما يكفي في الداخل من
الذين لا يطيقونه ويتمنو رؤويته مقطع الاوصال لياكلوه ...... تاكد يا سيدي لا رغبة
لدي بخوضها ليس خوفا منها ولكنها حرب
لاتستحق التضحية من عاقل .....كما انها .ليست معركتي والامور ستزداد سوءا يوم بعد
يوم
- ومتى تكون
معركتك ؟
- عندما اشعر بأن الجميع بخير والوطن مهدد
- لا تستطيع ان تنكر ان الوطن مهدد والجميع بخير
ابتسم بمرارة ولم
يشأ ان يرد غير انه لم يتمالك نفسه وانتفض قائلا..
- ليس كل الوطن
بخير هنالك من دفع الثمن غاليا دون ذنب بل وصل التمادي الى ان يحشر مقطعا في صندوق التفاح لا لشيء سوى انه
خالف الحاكم في الراي.... على اي حال مضى اكثر من عام وانا انتظر ماحصلت عليه
ووصلني القبول لاكمل دراستي في جامعة ستوكهولم اصبح كل شيء واضحا الان ولا مجال
للمواربة.
كما تعلم سيدي
هنالك فرق مابين الخنادق والحدائق.
ارجوك ضع نفسك
في مكاني...توقيعك واترك الامر لي ساتدبر امر السفر
- حسنا هات طلبك
لاعلاقة لي بالامر و لكن تعدني اذا ما سالك موظف الذاتية سارفق التوقيع
بتاريخ الامس.
- شكرا جزيلا . لا انسى موقفك هذا ما حييت
- ساشكيك الى والدك من تصرفك الاحمق هذا
- انصحك لاتفعل ذلك
تعرفه جيدا ....والدي يريد ان ادفنه بدل ان يدفنني
.
خرج صلاح مسرعا وانطلق الى مراب المدينه ليستقل سياره
الى بغداد وفي اليوم التالي اكمل معاملة السفر وزود بكتاب من وزارة الصحة لمغادرة البلد لغرض
السياحة اشترى تذكرة سفر وحجز على الطائرة
المتوجهة الى ستوكهولم غادر الدار فجرا الى مطار بغداد الدولي دون ان يودع احد سوى
والديه وفي المطار انتابه شعور تلميذ هارب
من المدرسة . كان هناك تفتيش غير مسبوق
زاد من ضربات قلبه غير انه حافظ على هدوءه وبعد مضي ساعتين سارت الامور على ما يرام
ليجد نفسه على متن الطائرة منطلقا نحو الغرب تاركا وراؤه ارضا مشتعلة بنيران الحقد والضغينة ليدفع الثمن
الملايين الذين حشرو بها من المساكين والمخدوعين نظر من النافذة ولوح بيده وهمس
مما اثار انتباه الذي يجلس بجانبه
وداعا وطني
وداعا وطني المنكود بحكم
القساة
الذين تعج بهم المناصب من لصوص وقتلة ومأبونين امتهنو السياسة تبادلو الادوار و سكنتهم روح
الانتقام لذا تراهم على الدوام يخططو ليقع اناسك الشرفاء في شراك الخوف بعد اغتيال الارادة
ويحرضو الجهلة وما اكثرهم لاشعال الفتن وتتحول جموع الغوغاء الى كائنات مرعبة كل همها
هو السطو والثراء حتى لو ادى ذلك الى
ان يقتل بعضهم بعضا
وبينما هو مستغرق في الهمس والتلويح عبر النافذة سمع صوت
الذي يجلس بجانبه يخاطبه
- لا تخف سنصل في الموعد بسلام
التفت اليه مبتسما وساله
- ما الذي جعلك تظن اني خائف؟؟؟
- رايتك تردد الادعية وتلوح بيدك وانت تنظر عبر النافذة
فجأة ارتفع صوت الكابتن عبر مكبرالصوت في مقدمة الطائرة
يخاطب الركاب
نحن الان على ارتفاع سته وثلاثون الف قدم اجتزنا الوطن
منذ ربع ساعة تحتنا بيروت نجتازها
ونمر فوق البحر المتوسط نتمنى لكم رحلة سعيدة
- للتو لم اعد
اشعر بالخوف....... كما قلت سنصل في الموعد بسلام ...........